حقوق الإنسان وعلمانية التوجه
بقلم د. ياسر عبد التواب
قضية حقوق الإنسان من القضايا المعاصرة الأساسية التي تعد محورا كبيرا للحضارة الإنسانية في عصرنا الحديث بعد عقود من التيه والظلم والعنصرية.
فأخيرًا انتبه الإنسان المعاصر لأهمية أن يتوافق الجميع على مجموعة من الأسس التي تحفظ للإنسانية حقها وللإنسان قدره الذي كرمه الله به.
ودعني أقول لك أن الفكر لإنساني اهتدى لكثير من الحق في تلك القضية نظرا لتوافقها مع الفطرة السوية.
فخلاصة الأمر أنه على الإنسان أن يحفظ لأخيه الإنسان حرمته ويراعي حقوقه المادية والمعنوية وحريته ولا يعتدي على اختياراته.
هذا موطن الاتفاق في المواثيق والأعراف والقوانين والاتفاقات المتعلقة بحقوق الإنسان.
لكن الغريب أن المنظمات التي تتبنى تلك القضية المهمة بدأت بناءها لها من نفس المنطلق الذي بدأت به الحضارة الغربية نهضتها المعاصرة أي العلمانية الرافضة لتحكم الدين في الحياة ولم تحاول النظر في التجارب الإنسانية السابقة لها في هذا المضمار بل وكثيرا ما تتخذ تكئة لفرض الوصاية على الشعوب والحكومات من قبل رجال الحكم البراجماتيين الذين لا يتورعون عن استخدام كافة السبل للوصول لأهدافهم من الضغط على الشعوب وابتزاز الحكومات.
فأصبح الأمر هنا يحكمه عاملان: العلمانية في فلسفة قضايا حقوق الإنسان من جهة وتسلط السياسيين على فكرة التطبيق من جهة أخرى فأصبح لزاما على من ينبري لحقوق الإنسان أن يتبنى العلمانية وإلا فاته ركب الحضارة!
لقد انطلقت شرارة الاهتمام بحقوق الإنسان المعاصر مستحضرة نفس التوجس من الدين – أي دين- باعتباره تراثا تم تجاوزه في الفكر المعاصر.
لا تنس أن الفكر الغربي اكتوى كثيرا من تسلط الكنيسة وانتهاكها لحقوق الإنسان بسبل شتى لكن هل كل الأديان سلكت نفس المسلك ؟
بالطبع لا.
إن البعض وربما على سبيل المجاملة يتحدث أحيانا عن بعض ما لدى الإسلام من منطلقات ترعى الحقوق والحرمات لكن تبقى تلك محاولات شخصية أوقناعات ذاتية لم ترق لتكون تأصيلا لفكر جديد أو توجيها لحركة حقوق الإنسان ككل.
لقد حرمت حركة حقوق الإنسان من معين صاف صاغه الفكر الإسلامي على غير مثال سابق في كل مناحي حياة الإنسان ولو يكون نطفة ببطن أمه وحتى يستهل صارخا مرورا بأحواله المختلفة في كافة مراحله العمرية والفكرية والمهنية والجنسية إنها حقا تجربة ثرة تستحق الاهتمام من المفكرين عموما والإسلاميين.
إنني في تلك السلسلة أحاول أن أستقصي بعضا مما في الفكر الإسلامي عن تلك القضية منطلقا من تأمل السيرة النبوية الشريفة لأعطي أمثلة أساسية متعلقة بحقوق الإنسان.
ولقد حق لنا نحن المسلمين أن نستفيد من سيرة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم وظروف نشأته وتربيته في جميع أحوالنا ومنها بالطبع كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع قضية حقوق الإنسان وهذا الاهتمام يحدونا فيه اعتزازنا بقيمة ما لدينا من حضارة حقيقية.
قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: «كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدها علينا ويقول هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها» [البداية والنهاية (2/242)].
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)