مقالاتمقالات مختارة

حقوق الإنسان في الثقافة العربية، صحيفة المدينة أنموذجًا

حقوق الإنسان في الثقافة العربية، صحيفة المدينة أنموذجًا

بقلم أنس الأعرابة

كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة  بداية لجدل كبير  في  العالم العربي و الإسلامي حول مدى تقاطع أو تطابق مبادئ هدا الإعلان مع خصوصيات الدين الإسلامي و الثقافة العربية، و قد وصلت المغالاة أحيانا إلى الحد الذي اعتبر فيه البعض أن حركة  حقوق الإنسان و جميع قوانينها و مواثيقها مرفوضة لأنها  خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، و غايتها تدمير العرب و المسلمين ، في  حين اعتبر  البعض الأخر  الثقافة العربية الإسلامية  مكون من مكونات حركة حقوق الإنسان بل إنها ساهمت عبر مساراتها التاريخية في تبلور مفهوم هذه الحقوق، إذن  كيف ساهم العرب و المسلمون في  هذا المجال؟

 إن حركة حقوق الإنسان صيرورة دائمة البناء و التطور فهي ليست فكرة نظر لها من طرف منظرين أو مفكرين أو رجال سياسية و قانون، في لحظة زمنية معينة بل جاءت نتيجة تطور تاريخي بعيد المدى تفاعلت فيه كل  الشعوب و  تراثها الإنساني و الحضاري و من هذا المنطلق كان للعرب و المسلمين مساهمات تاريخية مهمة، في مسيرة بناء حقوق الإنسان.

فغالبا ما يتم إقران التراكم التاريخي لنضال الشعوب من أجل حقوق الإنسان ب”المانغا كارتا” و وثيقة  إعلان الاستقلال الأمريكي و إعلان حقوق الإنسان للثورة الفرنسية … و يتم إغفال  التراث العربي الإسلامي في مجال حقوق الإنسان.[1]

و لأن المجال لا يسمح بذكر كل مساهمات العرب و المسلمين في تطور حركة حقوق الإنسان سأقتصر على صحيفة المدينة و كيف يمكن اعتبارها وثيقة دستورية رسخت مفهوم المواطنة.

لقد حدد دستور المدينة ” الصحيفة ” بشكل دقيق الفئات التي تتكون منها الدولة من يهود و مسلمين           ومسيحيين ومشركين، و نص على حقوقهم وواجباتهم بوصفهم مواطنين يكوّنون على اختلاف معتقداتهم أمة سياسية واحدة، كما حددت الصحيفة مكانة و وضعية السلطة في الدولة من أجل تنظيم أمور الشعب و نصت كذلك على واجب المساواة بين جميع الفئات و الطبقات المشتركة في الدولة مع ضرورة الدفاع عن حدود هذه الدولة و التكافل داخل كل فئة من هذه الفئات و الحفاظ على حقوق حرية الممارسات الدينية [2]

كما تجدر الإشارة أن هذه الوثيقة الدستورية المكتوبة التي كانت من أول انجازات النبيﷺ في المدينة لدى المطالعين عليها من فقهاء و علماء القانون الدستوري، تعد دستورا لا مثيل له لأنها حاولت دمج فئات المجتمع غير المتجانسة تحت غطاء المواطنة، فكل مواد الوثيقة تم التصويت عليها و كل مادة متفق عليها تشكل حكما من أحكام الوثيقة.و كل مادة تكون موضع خلاف بين الأطراف تترك لهده الأطراف. أي أن الفقرات المجمع عليها تدخل في ساحة المعاهدة و في حيز التطبيق العملي و الفقرات المختلف عليها تدخل في مجال الحرية الفردية        ( أو الحكم الذاتي)،و هذا هو الإخلاف الثري داخل الوحدة [3] و بالتالي فإن صحيفة المدينة كانت  جامعة في أحكامها كل  الفئات العقائدية المكونة للمجتمع أنداك و لم تستثن أي أقليات أخرى و بذلك فقد وضعت الأسس  الإنسانية و القانونية  للدولة الإسلامية الناشئة  [4]

استنادا إلى ما سبق ذكره يمكن القول أن العرب و المسلمين، كانت لهم إسهامات جادة في مجال حقوق الإنسان فالتجارب العربية  تظل إحدى المرتكزات الهامة و اللبنات الأساسية  في مسارات تطور المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان و على رأسها المواطنة وقد رأينا كيف أن صحيفة المدينة أسست لهدا المفهوم عبر صياغة قوانين ترسخ لمبادئ  التعايش السلمي و المساواة و العدل و الحرية.

مراجع البحث:

 _  الغنوشي، راشد (2012) .الحريات العامة في الدولة الإسلامية،ط1،القاهرة، مطبعة دار الشروق.

_ فائق ،محمد(2004). حقوق الإنسان بين الخصوصية و العالمية، ضمن كتاب حقوق الإنسان العربي،ط2،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.

_ بولاج، علي(2006). وثيقة المدينة المنورة وثيقة السلام في مجتمع متعدد الثقافات والأديان ،مجلة حراء ،العدد 3 السنة الأولى.


 محمد فائق، حقوق الإنسان بين الخصوصية و العالمية، ضمن كتاب حقوق الإنسان العربي، مركز دراسات الوحدة العربية،ط2،بيروت،2004[1]

ص،206

[2]   راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية،جزأن،دار الشروق،ط1،القاهرة،2012،الجزء الأول،ص،146

[3]  علي بولاج، وثيقة المدينة المنورة وثيقة السلام في مجتمع متعدد الثقافات والأديان,مجلة حراء، العدد 3 السنة الأولى أبريل-يونيو 2006

[4]  راشد الغنوشي، مرجع سابق…ص 147

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى