مقالاتمقالات مختارة

حقائق مرعبة حول انتصار الداروينية والعلمانية

حقائق مرعبة حول انتصار الداروينية والعلمانية

بقلم د. عزت السيد أحمد

كيف انتصرت الدَّراوينية ولماذا؟ سؤال يرنُّ في آذان الكثيرين رنيناً ويطن في عقولهم طنيناً… هل لأَنَّهَا مصيبة أم لأَنَّهَا مصيبة؟ هل هي علىٰ حقِّ أم الحق عليها؟ وكيف ولماذا لم يستطع العلم دحضها وتكذيبها؟!… وتساؤلات أُخْرَىٰ كثيرة من هٰذا القبيل… تكررت منذ زمن بعيد ولم تزل تتكرر في أذهان الكثيرين وعلىٰ ألسنتهم.

علىٰ سبيل الجواب وتبيان الحقيقة لا بُدَّ من إلقاء الضوء علىٰ قليل جدًّا من المسائل المهمة في صلب الموضوع تماماً وليست بعيدةً عنها ولو قيد شعرة.

ما الداروينية؟

الداروينية فيما يتم تصديرها في مناهج التعليم والصحافة والإعلام هي فقط نظرية التطور. وتقول نظرية التطور هٰذه بأن أصل الإنسان قرد… أي تطور عن قرد. وفقط. ولٰكنَّ لها امتداد لا يَخْفىٰ ولا يُخفىٰ وهو أنَّ هٰذا التطور شامل وليس مرتبطاً بالإنسان والقرد فقط وإنَّمَا المخلوقات الحية (الحيوانية علىٰ نحو الخصوص، ثُمَّ أوجدوا تخريجة للنباتية) تعود إلىٰ جذر واحدٍ؛ جرثومة، بكتريا، وحيدة خليَّة… قل ما شئت. ومنها نشأت الكائنات وتفرعت تدريجيًّا. وفقط.

وفقط هٰذه هي المسألة الخطيرة في الموضوع التي يلف بها الداروينيون ويدورون. يزعمون وخاصة في عالمنا العربي أنَّ ذٰلك لا يتعارض مع وجود الله ولا يتعارض مع الخلق الإلهي. وهٰذه أصغر أكذوبة في تاريخ الداروينية. أقول أصغر أكذوبة لأنَّ الأكبر والأشد والأخطر قادم. فالداروينية بهذا الاعتبار تنفي وجود الله نفيًّا قطعيًّا، وتُكَذِّب علىٰ نحو قطعي ما جاءت به الأديان وخاصة السماوية الثلاث. ولذٰلك لا صحة للحكم: وفقط.

ومع وضوح هٰذه الاعتبارات الناجمة والتي لا ينكرها الغربيون من أنصار الداروينية فإنَّ كثيراً من الداروينيين العرب إما مقتنعون بها علىٰ هبل صميمي أو يعرفون الحقيقة ويقومون بالتضليل. وقد تجد مساطيل تنطلي عليهم هٰذه الأباطيل، ولا أظن أنَّ عدنان إبراهيم منهم. عدنان إبراهيم الذي يحسب الكثيرون وهماً أَنَّهُ من أهم الدعاة الإسلاميين في القرن العشرين يعرض النَّظرية الداروينية ويدافع عنها علىٰ أساس أَنَّهَا نظرية علمية ولا تتعارض مع الخلق الإلهي… ويجمِّل صورتها بأسلوبه الأحلس الأملس المعهود. ومن متابعتي له في عرضه لهٰذه (النظرية) وغيرها لا أحسب ولا يمكن أن أحسب أَنَّهُ تائه ولا أَنَّهُ مخدوع.

هٰذه هي الداروينية باختصار شديد وكل ما بعد ذٰلك شروح علىٰ هٰذا المتن المختصر لا تزيد. ولا أريد أن أطيل في تطورات النظرية وكيفيات نشرها وتعميمها وإثباتها فذلك أمر سيطول بنا من دون جدوىٰ. وسيأتي شيء من ذٰلك في سياق ما سيأتي بحكم الضَّرورة.

مقتل الداروينية الحاسم

مقتل الداروينية الحاسم والنهائي ليس أمراً واحدً في الحقيقة. تاريخها كله قائم علىٰ محطات تقطع بكذبها وبطلانها، وليس تاريخها فحسب بل بنية الفرضية التي يسمونها نظرية في أبسط الاحتمالات غير ممكنة الإثبات واحتمالات دحضها وإبطالها وإثبات ضدها أكثر من أن تعد أو تحصىٰ من خلال مناقشات نظرية وعملية ومنطقية وواقعية وتاريخية.

ما لم يقله أحدٌ من قبل أبداً هو أنَّ الفرضية الداروينية هي (ثأر من الله لليهود) من قبل اليهودي داروين، لأنَّ الله تَعَالىٰ مسخ بعضاً من اليهود قردة. فجاء داروين ليقلب الآية ويعلن الانتصار لليهود. لا أستطيع الذهاب إلىٰ غير هٰذا الاحتمال الذي فسرت به الداروينية منذ أيام شبابي  المبكر، لأني لم أجد مسوغاً علميًّا أبداً للذهاب هٰذا المذهب في تفسير تطور الإنسان عن قرد. لم يوجد أي مقدمات علمية أو اكتشافات حقيقية يمكن أن تتيح التفكير بهذه الطريقة.

بل الأخطر من ذٰلك، وهٰذا منشور وتمت التعمية عليه خبر نشرته الصحافة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي عن شخص يقوم بتجميع العظام بطريقة ويدفنها ثُمَّ يستدعي بطريقة مناسبة علماء الأحياء للحفر وادعاء اكتشاف هيكل عظمي عمره كذا آلاف السنين… ولأني المصدر ليس لدي الآن سأعده باطلاً وهو الحقيقة عينها، إلا أنَّ المثال الموثق هو ما فعله العالم الألماني إرنست هيكل ـ 1919 ـ E. Heackel الذي «زوَّر صورة لجنين حيوان حَتَّىٰ تبدو قريبة الشَّبه بجنين الإنسان، فيثبت بهٰذا نظريَّة التَّطوُّر»(). وما هٰذا إلا مثال من مئات.

ومع ذٰلك دع ذٰلك كله جانباً. في أوائل الثمانينيات بدأت تتسرب بعض نتائج العمل علىٰ الخريطة الوراثية التي كانت مشروعاً سريًّا في ذٰلك الحين. ولٰكنَّ بعض النتائج كانت تخرج من المختبرات بالضرورة. منها ما علمته حينها من مصادر علميًّة وثيقة هي وصولهم إلىٰ استحالة أن تكون الداروينية صحية. ولا شك عندي في أن الشروع في اكتشاف الخريطة الوراثية كان بباعث من الدارونيين الذين يتحكمون بمراكز الأبحاث الغربية في ذٰلك الحين وما قبله وإلى الآن. ولذٰلك كان أول ما ركزوا عليه الجين الجنسي، أو ربَّمَا القدر الإلهي قادهم إلىٰ أن يكون من أوائل اكتشافاتهم استحالة التحول من جنس إلىٰ جنس آخر.

فرجت بذلك ولم أخفي فرحتي لأني كنت أجادل حيطاناً في بطلان الداروينية بل الحيطان يمكن أن تستجيب للمنطق والبرهان أكثر منهم. إلا أنَّ ذٰلك لا يعني شيئاً أمام توقعي أن البشريَّة سترمي في المزابل كلَّ الداروينية وأبحاثها وخزعبلاتها وتسكب عليها البنزين وتحرقها حَتَّىٰ لا يبقى منها أثر.

كنت جادًّا في هٰذا الترقب ولم أرمه عفو الخاطر. فماذا يجب أن يكون بعد ظهور اليقين عين اليقين في هراء يدمر القيم والأخلاق والأديان؟! ولذٰلك فعلاً صرت أتابع الأمر هنا وهناك لمدة سنوات. ولٰكنَّ شيئاً لم يتغير. من عاش تلك الفترة متابعاً سيتذكر أن الداروينية خبا تأججها في تلك الفترة، ولٰكنَّهَا لم تغادر المناهج في أي بلد من العالم. ولٰكن ربَّمَا أذكر أن أكثر من دولة في ذٰلك الحين قررت إلغاء تدريس الداروينية… لست متأكداً تماماً الآن.

استغربت استمرار حضورها في المناهج العلمية والجامعية فأردت أن أعرف السبب، التقيت أستاذاً في كلية العلوم بجامعة دمشق فناظرته في المسألة وعرضت عليه الموضوع. لم يقتنع بتسريبات الخريطة الوراثية، ولٰكنَّهُ لان للنقاش والحجج، وقال:«علىٰ افتراض بطلانها التام فلا يوجد ما يمنع من تدريسها بوصفها نظرية علمية».

لا نقول نظرية في العلوم الطبيعية إلا إذا كانت مبرهنة وإلا فهي فرضة، أي احتمال من احتمالات، والداروينية لا يمكن برهانها. أما في العلوم الاجتماعية فلا يوجد فرضية والفرضية هي التي يسمونها نظريًّة، علىٰ اعتبارها نظرة فكرية.

لا أريد الإطالة في حواري مع هٰذا الأستاذ الجميع في تلك الأيام. ولٰكن المهم في كلامه الذي يعنينا هنا هو أَنَّهُ لا بأس من تدريسها بوصفها نظرية أو فرضيَّة وجزءاً من تاريخ العلم. وحَتَّىٰ هٰذا الاحتمال غير مقبول فهي لها نتائج تدميرية للأخلاق والقيم وهدر جهود العلماء في ترهات لا أساس لها من الصحة… وعلىٰ افتراض قبول ذريعته فيمكن أن تكون محطة عابرة من التدريس لا أن تكون هي الأساس. وهٰذا هو العجيب إذ بعد سنوات قليلة من تسريبات الخريطة الوراثية، ولم يعلن عنها فيما بعد، بما أَنَّهُ تمت التعمية عليها كما تمت التعمية علىٰ ثلاثة أرباع الشيفرة أو الخريطة الوراثية… المهم أَنَّهُ بعد سنوات من التسريبات عادة الداروينية لتكون أساساً مهماً في المناهج التعليمية والأبحاث…

أمرٌ لافت وعجيب وغريب. فماذا حدث؟ وكيف انتصرت الداروينية؟ ولماذا؟

سر انتصار الداروينية

سر أو أسرار انتصار الداروينية حقائق أعرفها ويعرفها الكثيرون عدداً القليلون نسبة. عرفنا لأننا عشناها بطريقة أو بأُخْرَىٰ، واستنتجناها من تعاملات معينة وأشياء كثيرة ليس هٰذا مكان عرضها ولا نشرها. وتكلمت في ذٰلك قدر المستطاع والمتاح منذ سنين كثيرة تبعاً للمنبر وتبعاً للشخص المستمع أو المحاور، وأشرت إليها في مقالاتي وكتبي تصريحاً حيناً وحينا تلميحاً منها كتابي انهيار دعاوى الحداثة الذي صدر بدمشق عام 1994م وتعرض كما وصل إليه إلىٰ مؤامرة تعتيم وتجاهل… إن قرأ هٰذه السطور أحد المشاركين التائبين فبإمكانه أن يقول شيئاً في ذٰلك.

المهم الآن هو أنَّنا نحن العرب والمسلمين في هٰذه الأيام البائسة دراويش لا يصدقنا أحد حَتَّىٰ أبناء جلدتنا والأنكى من ذٰلك والأعجب حَتَّىٰ أنصار فكرتنا مثل الحردون يدلدل لسانه ويهز الواحد رأسه وهو يفكر في أن يصدق أو لا يصدق.

بعد صمت عشرات السنين الماضية بدأت الآن تظهر في الغرب الأصوات المعبرة عن حقيقة الموقف وحقيقة انتصار الداروينية وأسبابها وأسرارها. ستجد أنَّ حالة العرب التي نعيشها من الديكتاتوريات في عالمنا العربية ليست أسوأ مما يعيشه الغرب بريقة أُخْرَىٰ ومن زاوية أُخْرَىٰ. لقد بدأ أفراد في العالم الغربي يقررون المغامرة وكشف المستور ولو دفعوا ثمن ثورتهم وتمردهم، وبعضهم قد دفع الثمن.

هناك صحفي ومؤلف بريطاني أنچليكاني من أصل يهودي اسمه بيتر جوناثون هيتشنز() ـ Peter Jonathan Hitchens‏ يكتب في عدَّة صحف بريطانيَّة، وكان مراسلاً خارجيًّا في موسكو وواشنطن، وما زال يعمل مراسلاً علىٰ نحو غير دائم، بحكم العمر التقاعدي فيما أحسب. حصل عمله بوصفه مراسلاً في عام 2010م علىٰ جائزة أوريل ـ Orwell. نشر ستة منها كتاب تطهير بريطانيا، وثورة ضدَّ الإله، والحرب التي لم تحارب وغيرها. وللطرافة فهو الشقيق الأصغر للكاتب والصحفي الدارويني الملحد بشدَّة كريستوفر هيتشنز.

هٰذا الباحث الصحافي كانت له وقفة تمرد وثورة في إعلان الحقيقة فأعلنها في محاضرة أكاديمية عامة قبل فترة قصيرة قال فيها حرفيًّا وأذكر كلامه كما هو تماماً في المقطع التالي:

«من المثير للاهتمام أنَّ في بلدي (بريطانيا) يمكن لك الذهاب إلىٰ أي محلٍّ لبيع الكتب لتجد الرفوف ممتلئة بأعمال ريتشارد دوكنز()؛ أعمال التي يندِّد فيها بأولئك الأشرار الإرهابيين الذين يعتقدون أَنَّهُ ربَّمَا قد يكون هناك احتمال أنَّ نظرية التَّطور قد تنطوي علىٰ بعض العيوب. لا يمكنك ـ ولك أن تحاول ما استطعت إلىٰ ذٰلك سبيلاً ـ أن تجد كتاباً واحداً يجعلك تفهم ما هي الأفكار التي يهاجمها البروفيسور الملحد دوكنز. ليس مسموحاً لك بذلك. لن ينشره ناشر، ولن يطلبه محلٌّ لبيع الكتب. أمرٌ آخر مثير للدهشة وهو أنَّ من سأسميهم باللوبي الدارويني منتشون حاليًّا من نتيجة المحاكمة الأخيرة والتي قضت بحظر أيِّ تعليم يشير إلىٰ وجود شيء اسمه نظرية التصميم الذكي. الداروينيون يفرحون الآن بكبت آراء الآخرين. يبدو ذٰلك تحولاً غريباً، وهو يخبر بالكثير. إن عدم التَّسامح، والحنق من الداروينيين ضدَّ أيِّ تعبيرٍ عن الشَّك في نظريتهم مهما كان ذٰلك حذراً ومبنيًّا علىٰ العلم ومؤهلاً… هٰذا كله ما يدفعني حقيقة لأن أتساءل ما إذا كان القائلون بالخلق علىٰ حق».

كلام واضح لا يحتاج إلىٰ أيِّ شرحٍ أو توضيح أو تعليق. وكان هٰذا الكلام في الآونة الحالية وليس قديماً. فتخيل الآن لوحدك ما يمكن أن يكون كائناً فيما مضى من السنين علىٰ امتداد القرن العشرين. وعد فقط إلىٰ قوله باستصدارهم قراراً في المحكمة بحضر نشر أيِّ تعليم يشير إلىٰ وجود شيء اسمه نظرية التصميم الذكي. الرافضون للداروينية يخافون ذكر الله أو الخالق ولا يجرؤون علىٰ ذٰلك، حَتَّىٰ نظرية أن الوجود مبني علىٰ أساس تصميم ذكي صادر عن مصمم ذكي افتراضي ليس هو الله أمر يثير جنونهم ويرفضونه. فكيف بالقول بأن الله هو خالق الوجود؟!

قبل فترة غير بعيدة من هٰذه المحاضرة للمؤلف بيتر هيتشنز كانت محنة الدكتور مايكل أچنور() ـ Michael Egnor جراح الأعصاب حينما كتب مقالاً لطلاب المرحلة الثَّانوية قال فيه إِنَّهُ ليس من الضَّروري أن يدرس الأطباء نظريَّة التَّطور كي يمارسوا مهنة الطب. كان ردُّ فعل الدراونة (الدارونيين) سريعاً حينما تحركوا لإبادة ذٰلك التَّهديد الجديد(). تكلم الدكتور مايكل ذاته شخصيًّا علىٰ ما حدث معه وأذكر تصريحاته كما قالها بالحرف:

«أناس كثيرون ومدونات كثيرة نعتتني بصفاتٍ لا ينبغي طباعتها ولا نشرها. كانت هناك تعليقات كثيرةٌ مغرقةٌ جدًّا جدًّا في البذاءة. هناك أيضاً من اقترحوا علىٰ النَّاس أن يتَّصلوا بالجامعة التي أعمل بها ويطلبوا من الجامعة أن تحيلني علىٰ التَّقاعد. كنت أعرف حينما صرحت بشكوكي حول إمكانيات نظريَّة داروين بأنَّنَي سأتعرَّض للنَّقد، لٰكنَّ ما أدهشني كان شراسة ذٰلك الهجوم ودرجة الانحطاط التي وصل إليها. ليس هناك أيُّ فائدةٍ في مجال جراحة الأعصاب من افتراضنا أنَّ الأجزاء التي نعالجها من الدِّماغ لها أصل جاء بالمصادفة».

انتهى كلام مايكل أچنور ولٰكنَّ التقرير لم ينتهي، وهو تقرير بريطاني بالكامل. بعد كلام الدكتور مايكل يعرض التقرير قرار طرده من الجامعة التي يعمل بها، ويتابع التقرير بعد ذٰلك مع حالات مشابهة لعلماء بعضهم القليل كان علىٰ استعداد لإظهار وجهه في اللقاء ولٰكنَّ الأكثرين منهم لم يجرؤوا علىٰ إظهار وجوههم خوفاً من فقدان وظائفهم. تكلَّم عدد من هٰؤلاء من دون إظهار وجوههم في التقرير قال أحدهم عن مدى الرُّعب والهلع الذي يعانيه والعلماء من انتقاد الداروينية:

ـ «إِنَّهُ من الأشياء التي تتعلَّم أن تبقى صامتاً بشأنها».

وقال آخر في الفكرة ذاتها:

ـ «ننظر إلىٰ الأشياء علىٰ أنَّ لها مصمِّمٌ ذكيٌّ لأجل أن ننجز البحوث. لٰكن لا يمكن لنا أن نتحدَّث عن ذٰلك أمام العامة…».

يضيعون مستقبل من ينتقدها ويأتون ليقولوا لنا: إنَّهَا نظرية لم يتمكَّن أحدٌ من إبطالها!!

لنعد قليلاً إلىٰ هٰذا التقرير الموثق بالأسماء ويمكن العثور علىٰ بياناته في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال أسماء الشهود.

قد لا يعرف الكثيرون حقيقة هٰذه الحرب السرية، الخفية التي تمارس علىٰ من ينتقد الداروينية، العلمانية، اليسارية… ولٰكنَّ الذين عايشوها وعانوا منها واكتووا بنارها يعرفونها جيِّداً وأشرت في البداية أني كتبت عنها تلميحا وتصريحاً مرات كثيرة منذ أكثر من ثلاثين سنة إلىٰ الآن.

إلا أنَّ اللافت في التقرير ما جاء علىٰ لسان الدكتور مايكل أچنور من حملة البذاءة في التعريض والتشهير في الإساءة إلىٰ حد هو الأوروبي المنفتح الذي لا يعرف الخجل في هٰذه الأمور قد خجل من ذكرها. هٰذه الحملة التي لا تطاق من البذاءة والقذارة والسفاهة في الشتائم والمسبات والتعريض والتشهير ليست خافية علىٰ أحد اليوم. ما من أحد إلا شهد موقعة من هٰذا القبيل علىٰ صفحات التواصل الاجتماعي ضد كل من يفضح الخونة، من يفضح اللصوص، من يفضح أعداء الإسلام، من يفضح أعداء الحق… إلىٰ جانب تلفيق التهم وفبركة الصور الفاضحة حَتَّىٰ وصل الأمر بكثير ممن تعرضوا لهذه الحملات  إلىٰ السكوت والإحجام عن الكلام.

الفريقان واحد في حقيقة الأمر. هٰذه النقطة التشاركية في الحرب القذرة ليست دليلاً علىٰ أن العلمانية والدارونية واليسارية وأعداء الله وأعداء الحق كلهم فريق واحد، الدليل في الحقيقة هو أَنَّهُم فريق واحد وعقيدة واحدة. نعم هي أسماء لأمور متغايرة المادة والموضوع ولٰكن لا يصح القول إنَّهَا مختلفة، بل ولا يصح القول إنَّهَا ليست بنياناً واحداً.

الأمر المهمُّ الذي يجب إيضاحه هنا هو العلاقة مثنًىٰ مثنًىٰ وجمعاً جمعاً بَيْنَ العلمانيَّة واليساريَّة والدَّاروينيَّة والإلحاد وضف إليها محاربة الحق ومحاربة الإسلام تحديداً والأديان معاً… العلاقة بَيْنَها أمر هو واضح في أذهان الكثيرين فيما أحسب، ولٰكنَّهُ غامض وملتبس في أذهان الكثيرين أيضاً.

لقد جرت العادة علىٰ الفصل والتَّمييز بَيْنَ العلمانية واليسار أو اليساريَّة والداروينيه والإلحاد… علىٰ أساس أنَّ لكل منه حقله المعرفي الخاص، وأنَّ كلاًّ منها مفهوم منفصل عن الآخر ولا علاقة له. هٰذا صحيحٌ من جهة المبدأ فالعلمانيَّة مفهوم واليسار أو اليسارية مفهوم والداروينية مفهوم والإلحاد مفهوم. وحَتَّىٰ في تعريفات كلٍّ منها نجد بوناً دلاليًّا بَيْنَ الاصطلاحات أو المفاهيم. وهٰذا أيضاً صحيح من جهة المبدأ. ولٰكنَّ اليسار والعلمانيَّة والدَّاروينية والإلحاد في حقيقة الأمر مثل أصابع اليد الواحد تمسك الهدف مع بعضها. العلاقة بَيْنَهُما كالعلاقة بَيْنَ الليل والظلام فلا ليل من دون ظلام. قد يكون ثَمَّةَ ظلام من دون ليل ولٰكن لا يمكن الفصل بَيْنَ الليل والظلام بحال من الأحوال. كثرة الأنوار في الليل لا تعني أنَّ الليل ليس ظلاماً.

لا أستطيع أن أحكم علىٰ ما في القلوب لدى نشأة أيٍّ من هٰذه الحركات/ المفاهيم وأهداف أصحابها، ولٰكنَّ ما أُعلن منها يدل علىٰ أَنَّهَا نشأت كلها لهدف واحد فمن الطبيعي إذن أن تلتحم في بنية واحدة مهما تباعدت ميادينها المعرفية. وعلىٰ أيِّ حالٍ فإنَّهَا كلها تلتحف بأحد مسميين إما العلمانية أو اليسار.

وهكذا انتصرت العلمانية تماماً. لم تنتصر وتسيطر بما تمتلك من قوَّة ومنطقيَّة وحجَّة وقبول من الناس أو الجمهور وإنَّمَا بالإكراه والتدليس والخداع والتضليل والتلبيس بَيْنَ المفاهيم… كثيراً ما كان يندهش الناس من أخبار عن تزايد شعبية أو المعجبين بظاهرة علمانية أو حداثية وهي حصان طروادة العلمانيين فيما ليس في هٰذه الظاهرة شيء منطقي أو جمالي ومع ذٰلك تجد الإعلام يطبل لها ويزمر ويجد المتحدثين عنها بإعجاب مدهش… لتتفاجأ بأنَّ ذٰلك كله تدليس وتمثيل وخداع وتضليل… وأورد مثالاً لطيفاً عن التطبيل الإعلامي العربي قبل أكثر من عشر سنوات لخبر بكاء أدونيس ـ علي أحمد سعيد من إعجاب الجماهير به، فقد قال مقدم الحفل وهو يبكي من الفرحة: لقد زحفت إليك جموع الجماهير يا أيقونة العرب… أو شيء من هٰذا القبيل، فبكى أدونيس خشوعاً… ولدى متابعة الموضوع تبين أَنَّهُم حشدوا له أطفال المدارس!!! ولٰكنَّ الإعلام سلط الأضواء علىٰ بكاء أدونيس وإشادة مقدم الخفل.

مثل هٰذه الحادثة حوادث لا تعد ولا تتحصى. وقد تحدثت عنها مرات تحت باب الأيقنة والأسطرة والشللية.

وأعود الآن إلىٰ علماء أوروبا الغربية الذين سبق الكلام عليهم قبل قليل وأقول: تخيل الآن أَنَّهُ إذا كان العلماء الأوروبيون الكبار في كبرى الدول الغربية الراسخة الديمقراطية وسيادة القانون… يخافون من انتقاد الداروينية!!! في هٰذه الدول التي تضمن الحقوق والحريات علىٰ نحو مدهش، وفي هٰذه الدول التي فيها عدالة راسخة وقضاء مستقل، وقوانين صارمة… لا يجرؤ العلماء الكبار علىٰ انتقاد الداروينية ذراع العلمانية واليسارية… فما بالك في عامة الناس من جهة؟ وما بالك فيما يحدث في بقية دول العالم الأُخْرَىٰ وخاصة دول العالم الثالث والشيوعي سابقاً؟؟؟

لا شك في أنَّ الأمر أكثر مأساوية بكثير من الصورة التي استطعنا جماع شتاتها متفرقاتها، ولا شكَّ في أنَّ هيمنة العلمانية واليسارية والداروينية علىٰ وسائل الإعلام والثقافة أخطر بكثير مما تتخيلون وأخطر بكثير من نعرف.

لقد كشفنا عن ممارسات القمع والتهديد والطرد من العمل ولم نتكلم عن أساليب إدارة وسائل الإعلام ومنابر الثقافة والمعرفة والعلم… فإذا كانت التهديدات والإسكات والقمع علىٰ هٰذا المستوى والقدرة فماذا يمكن أن يكون فيما وراء الكواليس؟

وختاماً، مثل العادة، لا بُدَّ أن يوجد من يعترض ويطعن فيما سبق، وسيكون المشكك إما من أبناء هٰذه الفرق السابقة أو أهبلاً مسطولاً يدعي الموضوعيَّة والمنهجيَّة وكلاهما منه بريء براءة الطهارة من الدنس، سيقول: كيف تبني حكماً عامًّا من خلال تصريح شخص واحد أو اثنين؟! فما أدرنا أن لا يكون كاذباً؟

الاعتراض صحيح منهجيًّا ومنطقيًّا من جهة المبدأ، فإذا مررت بقرية ولم تلتق فيها إلا مجنونين أو لا ثلاثة فهٰذه مصادفة لا يجوز أن تحكم من خلالها بأنَّ أهل القرية مجانين. وعلىٰ ذٰلك القياس. ولٰكن في حالتنا هٰذه الأمر مختلف تمام الاختلاف علىٰ مختلف المستويات الأصعدة:

فنحن من الناحية الأوى لا نحكم من خلال اعتراض شخص أو اثنين، وإنَّمَا نحكم من خلال تجربة نعيشها ونعرفها كلنا علمانيون وخصوم العلمانية… حَتَّىٰ العلمانيون يعرفون ما يفعلون وهم يعلمون تمام العلم أن هٰذه هي الحقيقة.

ومن ناحية ثانية فإنَّ طبيعة السلوك المشروح والشَّخص الذي تصدر عنه تكفي للتعميم، فالقائل عالم كبير قدير مشهود له بالكفاءة العقلية والعملية وليس شخصاً نكرة ولا عابراً. وأمَّا السلوك فمعروف كما قلت، وهو لا يختلف عن الخوف من الديكتاتورية فلا تستطيع الناس أن تعبر عن هٰذا الخوف ولٰكنَّ شخصاً واحد يعبر عنه يكفي لفهم ما يدور، مع فهمنا أو معرفتنا أصلاً أن هٰذه سلطة ديكتاتورية.

ومن ناحية ثالثة فإِنَّ السلوكات الابتزازيَّة والتَّهديديَّة هٰذه إنَّما هي سلوكات ظلاميَّة لا يمكن أن تتم بالمجاهرة والعلن، ولا يمكن أن يقدم لك أصحابها وثائق تدينهم وتكشف عوارهم وظلاميتهم ومؤامراتهم. مثلهم مثل المرتشي، هل يعطيك المرتشي إيصال استلام رشوة؟! كنَّا نعرف المرتشين ونعلم ارتشاءهم علم اليقين وعندما نطلب من الدولة أن تحاسبهم يقولون: هاتوا دليلاً يثبت ذٰلك… وعندما قدمنا الأدلة أنكرتها السلطة المختصة وبرأتهم وأدانتنا.

من تلاقي هٰذه الطُّرق وتقاطعاتها مع بعضها بعضاً نجد أنَّنا لا نحكم من اعتراف أو اعتراض شخص أو عدة أشخاص. نحن نحكم من بنية كاملة متكاملة طويلة عريضة من الوقائع والحقائق والأدلة والبراهين.

وبعد ذٰلك كله، وبعد الحقائق الدامغة والأدلة القاطعة سيتضاحك العلمانيون ومعهم الحمير التي تحمل أسفاراً ويقولون: هههه، هٰذا كلام سخيف. وحَتَّىٰ تعرف لماذا تذكر قوله عز وجل من قائل في سورة الإسراء: «وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)».

كلما قدَّمت لهم دليلاً وبرهاناً رفضوا وطلبوا غيره حَتَّىٰ إذا حوصروا بالأدلة والبراهين قالوا: ولن نقبل مهما فعلت.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى