مقالاتمقالات مختارة

حقائق مؤلمة .. الوطن هو الطاغية وتقلباته

حقائق مؤلمة .. الوطن هو الطاغية وتقلباته

“الوطنية” بدلالاتها الراهنة، مفهوم طارئ على المجتمعات العربية والمسلمة.. فقد أضيفت ياء النسبة إلى كلمة” وطن” في القرن الثامن عشر الميلادي، بتأثير الانبهار بالغرب. وخاصة أن أكثرية المسلمين كانت حتى ذلك الوقت، تعيش في كنف دولة واحدة مترامية الأطراف هي الدولة العثمانية.. حتى الأطراف  شبه المستقلة عن السلطنة بقيت تتبعها اسميًّا.

بل إن مسلمي الهند الذين أجهز الاحتلال البريطاني على حكمهم لشبه القارة الهندية، كانوا ينظرون بكثير من التبجيل إلى إسطنبول عاصمة ” الدولة العَلِيّة”!

نشأة نصرانية تغريبية

انتشر مفهوم الوطنية المستورَد يومئذ مختلطًا بمفهوم القومية، على أيدي أبناء الأقليات ولا سيما النصارى، الذين يحظون بدعم غربي خفي ومعلن معًا.

 وقد استغل هؤلاء بخبث شديد أخطاء الدولة العثمانية وأبرزها أنها لم تتعرب لسانًا وثقافةً –باستثناء كتابة اللغة التركية بالحروف العربية-.

وساعدهم بصورة غير مباشرة الظهور الخجول لبذرة استعلاء طوراني يستفز الشعور الجمعي للرعايا من غير العنصر التركي. وهي بذرة نشأتْ على حاملي فيروس التغريب في أوساط  النخبة المحيطة بالسلطان.

هنالك أصبح صوت نصراني مثل  إبراهيم اليازجي مسموعًا،وقد أخفى حقده الأقلوي وراء شعارات قومية:

تنبهوا واستفيقوا أيها العَرَبُ* فقد طمى الخَطْبُ حتى غاصتِ الرُّكَبُ

وحكم العلج فيكم مع مهانته يقتادكم لهواه حيث ينقلب

من كل وغد زنيم ما له نسب    يدرى وليس له دين ولا أدب

ألستم من سطوا في الأرض وافتتحوا  شرقاً وغرباً وعزوا أينما ذهبوا

ومن أذلوا الملوك الصيد فارتعدت      وزَلزلَ الأرضَ مما تحتها الرهب

أقداركم في عيون الترك نازلة        وحقكم بين أيدي الترك مغتصَب

فليس يُدرَى لكم شأنٌ ولا شرفٌ           ولا وجودٌ ولا إسمٌ ولا لقب

فأسمعوني صليل البيض بارقة         في النقع إني إلى رناتها طرِب

وأسمعوني صدى البارود منطلقاً    يدوي به كل قاع حين يصطخب

صبراً هيا أمة الترك التي ظلمت      دهراً فعما قليل ترفع الحجب

لنطلبن بحد السيف مأربنا                فلن يخيب لنا في جنبه أرب

ونتركن علوج الترك تندب ما              قد قدمته أياديها وتنتحب

زال السبب فظهَر العجب

ما إن نجح التآمر الغربي في تمزيق دولة الخلافة العثمانية، حتى بدأ كثير من رموز الحشد الأقلوي ينصرفون عن التجارة بالقومية العربية، إلى رفع شعار الوطنية، ومقولة: الدين لله والوطن للجميع.. والوطنية الناشئة لم تكن سوى الانتماء إلى أوطان رسمتْ حدودَها أطماع الاحتلال الغربي الذي تقاسم التركة كأنها أسلاب كانت من أملاك أسلافه!! فهي حدود مؤامرة سايكس/ بيكو، التي وُلِدَ في رحمها النجس وعد بلفور للصهاينة سنة 1917!

رغم ذلك، وجد بعض الأقلويين أن المتاجرة بالقومية في زمن التجزئة لا تضر، ما دامت تحقق لهم السيطرة على المجتمعات مع وضع لصاقات تتباكى على فلسطين وتتهم الحكومات في الدول المستقلة حديثًا بالخيانة!

واستمرت التجارة البائسة حتى اليوم، رغم بيع أراضٍ عربية أخرى من بقايا فلسطين وغير فلسطين.

بين الأصل والمسخ

نشأت الوطنية في الغرب في خضم معترك فكري وسياسي واقتصادي ضخم، أسفر عن الإعلاء من قيمة الفرد” المواطن” وحصوله على قسط كبير من الحريات الفردية والعامة. وأسهم في نجاح الوطنية هناك أنها لم تولَد بقرار محتل أجنبي، وأنها تلت انحسار اللاتينية وحلول اللهجات المحلية محلها حتى أضحت لغات وطنية للدول الجديدة!

ولم يشذ المتسولون عن تلك الأرضية فالوطنية عند بطرس البستاني هي حماية المواطنين لحياتهم وكرامتهم، وممتلكاتهم وحقوقهم الثقافية وحرياتهم الدينية. وكان يرفض أن يكون الإخلاص لشخص الحاكم، فالوطني الحقيقي يُكَرِّسُ نفسه لما فيه مصلحة بلده. ويجب أن نتذكر أن شخص الحاكم يومئذ كان هو الخليفة!!

لكن التطبيق بعد ذلك جاء نقيضًا لتلك الشعارات البراقة.. فالطاغية هو الوطن والوطن هو الطاغية –حتى في تقلباته!- . فعندما يرى حافظ أسد توحيد المناهج المدرسية مع حسين ملك الأردن، يصبح جده الملك عبد الله بطلًا و”شهيد الأقصى”.. وعندما يختلف الطاغيتان يعود عبد الله نفسه عميلًا باع القدس وسلّم اللد والرملة لليهود سنة 1948!

(المصدر: المنهل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى