حفظ النصر أصعب من تحقيقه
بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد (خاص بالمنتدى)
[إن الانتصار على الحكام الطغاة والأنظمة البوليسية وخلعها ومحاكمتها ليس بالأمر الهين؛ وذلك لأنها تأخذ دورتها التاريخية والسُّنَنيّة، ويعاني الناس ما يعانون عشرات السنين، ولكن لحكمة يعلمها الله تعالى؛ إذ يقول: ﴿ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ﴾ [محمد ٤].لكن الأهم والأصعب من تحقيق الانتصار رغم صعوبته، هو العمل بعد هذا الانتصار، العمل الذي يحافظ على الانتصار ويحميه من سُرّاقه، وما أكثرهم، العمل الذي يعمل على تثبيت دعائم هذا النصر، والتمكين له، فليس كل نصر تمكينًا، ولكن كل تمكين يأتي بعد نصر، وقد يتحقق النصر ولا يتحقق التمكين.
وفي بيان صعوبة العمل بعد الانتصار على الطغاة لحفظ النصر الذي هو من مقاصد العمل الثوري، يقول تعالى: ﴿قَالُوۤا۟ أُوذِینَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِیَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف ١٢٩].
وقال أيضًا: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾ [يونس ١٤].
فهذا الاستخلاف أو التداول الذي يحعله الله بحكمته بعد أن أهلك الطغاة بحكمته، له تكاليفه، وله ضريبته، وله عمله المستمر، ويقظته الدائمة .. وهذا درس قرآني لكل ثورة ولكل ثوار، أيًّا كان مكانهم، وأيًّا كان زمانهم].