مقالات المنتدى

حفظ القرآن الكريم

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد

الحفظ هو أساس مترتب على حسن التلاوة وصحتها، وحفظ المسلمين للقرآن هو طرف من تحقيق وعد الله تعالى بحفظ هذا الكتاب: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

وحِفظ القرآن يجعل الداعية مستظهرًا للقرآن الكريم، متمكنًا منه، ما يجعله طليقًا في الحديث، يحتج لأي قضية يتحدث فيه بما يتقافز على ذاكرته من كلام الله تعالى، فتتنادى له الآيات وتجتمع عنده عبر الحفظ المتقن والمراجعة الدائمة.

ولا يجوز لمن يحفظ شيئًا من كتاب الله أن ينساه، وإلا دخل في عداد المستهترين بكلام الله المهملين له؛ روى أبو داود بسنده عن سعد بن عبادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم))[1].

وروى الترمذي بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضت عليَّ أجور أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعُرضت عليَّ ذنوب أمتي، فلم أرَ ذنبًا أعظمَ من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها))[2].

قال المناوي في فيض القدير: “لأنه إنما نشأ عن تشاغله عنها بلهو أو فضول، أو لاستخفافه بها، وتهاونه بشأنها، وعدم اكتراثه بأمرها، فيعظم ذنبه عند الله؛ لاستهانة العبد له، بإعراضه عن كلامه، وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته، فإذا أخل بهاتيك المرتبة حتى خرج عنها ناسب أن يعاقب؛ فإنَّ تَرْكَ تعاهد القرآن يفضي إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد، وقال: أوتيها ولم يقل: حفظها؛ لينبه على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إياه؛ ليقوم بها ويشكر مُوليَها، فكفرها، وفيه أن نسيان القرآن كبيرة، ولو بعضًا منه، وهذا لا يناقضه خبر: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان))؛ لأن المعدود هنا ذنبًا التفريطُ في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه”[3].

واعلم أن بداية العلم هو حفظ القرآن، وكل آية تحفظها باب مفتوح إلى الله تعالى، وكل آية لا تحفظها أو أنسيتها باب مغلق، حال بينك وبين ربك.

ولقد يسَّر الله تعالى القرآن للذكر والحفظ، ويسر سبله وأسبابه، لا سيما في هذا العصر، ما بين “شرائط كاسيت”، و”أسطوانات مدمجة”، و”شبكة عنكبوتية”، بحيث تستطيع أن تستمع إلى أي آية من كتاب الله، وبصوت أي شيخ في العالم له أشرطة أو له مصحف مسموع، وغير ذلك من وسائل، وكل هذا حجة علينا أمام الله تعالى.

ومن أهم الأسباب التي تعين على الحفظ:

  • علو الهمة.
  • إخلاص النية وتجريدها.
  • صدق العزيمة.
  • تقوى الله والقرب منه.
  • الدعاء بأن يتم الله عليه النعمة، ويمده بالعون والتأييد.

————————————-

[1] سنن أبي داود: كتاب سجود القرآن،جماع أبواب فضائل القرآن – باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه.

[2] سنن الترمذي: أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[3] فيض القدير: 4/ 414، دار الكتب العلمية،بيروت – لبنان، الطبعة الأولى،1415 هـ – 1994م.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى