حفتر والميليشيات… ومستقبل الثورة الليبية
إعداد حسن الرشيدي
“لقد حانت ساعة تحرير طرابلس”
هكذا بدأ اللواء خليفة حفتر، الذي نصب نفسه بدعم إقليمي وربما قبائلي زعيما على الشرق الليبي كلمة له ألقاها أول أمس الخميس …وهذه هي المرة الرابعة، التي يعلن فيها القائد الليبي بدء لحظة تحرير طرابلس، وقبله خرج المتحدث باسم قوات حفتر محمد المسماري ما يقرب من عشر مرات بدء تحرير طرابلس.
ويقول مراسلو وكالات الانباء والمحطات الفضائية الموجودون في طرابلس، أنهم لم يسمعوا أي أصوات أو حتى طلقات رصاص بعد كلمة حفتر، وطوال يوم الخميس والجمعة الماضيين، بينما تقول قوات حكومة الوفاق المسيطرة على طرابلس والمعترف بها دوليا، أنها صدت هجوما لقوات حفتر على تخوم طرابلس.
وفي هذا الصدد يثار سؤال مهم …
ما هي حقيقة جيش حفتر الذي ظل عاجزا عن دخول طرابلس طيلة ما يقرب من تسعة أشهر كما يعلن كل فترة؟
كيف ساهمت هذه التركيبة في أداء الجيش وقدرته على الحسم أمام خصومه؟
كان كل من الجيش والأجهزة الأمنية في عصر القذافي، يتكون من بعض القبائل والعائلات الموالية للرجل، استطاع أن يُحكم بها قبضته على المناطق والمدن الليبية، ولكن بعض القبائل لم تكن ممثلة في هذه الأجهزة العسكرية والأمنية، مما أحدث انقسامات ولكنها بقت مكتومة حتى انفجار الثورة الليبية، فسارعت القبائل المعارضة إلى الانضمام للثورة التي اندلعت في فبراير 2012.
في فبراير 2014 أعلن حفتر عن إنشاء جيشه الليبي، أملاً بأن تنضم إليه الميليشيات المختلفة في البلاد وتساعده على تنحية أول برلمان منتخَب ديمقراطياً من السلطة، وقد كان تنظيم الانقلاب سيئاً جداً، بحيث إن النجاح الوحيد الذي حققه حفتر في ذلك اليوم، هو أنه أصبح أول شخص في التاريخ يشن انقلاباً بواسطة موقع يوتيوب كما يقول أنس القماطي الباحث في مركز كارنيجي.
لتنتهي قصة حفتر تلك ولكنه يعود في مايو 2014، ليصُوِّر انقلابه بأنه حرب على الإرهاب في إطار ما أطلق عليها عملية الكرامة، وبدأت عملية الكرامة بشن هجمات جوية على تنظيم أنصار الشريعة، الذي يُعرِّف عن نفسه بأنه مجموعة جهادية في بنغازي شرق ليبيا.
وعلى غرار القذافي استوعب حفتر القبائل الموالية له ومجموعاتها المسلّحة في أطلق عليه الجيش الوطني الليبي، وجعل منها جيشاً له ولكنه خالف القذافي بأن ألصق بالقبائل المحلية المنافِسة صفة الإرهاب.
فأغلب القبائل التي عاداها حفتر، كانت تقطن في بنغازي ويطلق عليها في ليبيا بالقبائل المدنية التي استوطنت المدن، بينما القبائل التي تعيش في الصحراء يطلق عليها القبائل البدوية مثل قبيل العواقير، وهي القبائل التي استقطبها حفتر إلى جواره لدعمه، لذلك لطالما وصفت قيادة جيش حفتر حربها في بنغازي بأن هدفها تطهير ليبيا من القبائل التركية واليهودية، وهو تعبير مسيء تستخدمه القبائل البدوية للإشارة إلى النَّسَب الذي تعتقد أن القبائل المدنية في بنغازي تتحدّر منه، وهذه القبائل أي المدنية هي التي شكلت الثورة على القذافي.
وكرر حفتر سيناريو بنغازي بعد أن دمر أحياء كثيرة في المدينة لتخضع له، كرر ذلك في مدينة درنة، فعمد إلى استيعاب القبائل البدوية من بلدة عين مارة المجاورة في الجيش الوطني الليبي بغية شن عملية ما أطلق عليها مكافحة الإرهاب، وفرض حصار إنساني قال حفتر إنه سيؤدّي إلى خنق درنة، ويُعتقَد أن ربع سكان درنة كانوا قد أصبحوا، بحلول نهاية الحملة، في عداد القتلى أو المصابين أو النازحين، ولدى مغادرة درنة، قام جيش حفتر بطمس معالم اللافتات المؤدّية إلى المدينة، واستبدل اسم درنة بعين مارة الجديدة.
بعدها بالإضافة إلى القبائل البدوية بدأ حفتر يدعم جيشه بالمرتزقة من تشاد والسودان:
فمن المجموعات التشادية التي تقاتل مع حفتر، الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة والتي تعرف باسم MDJT، والتي تأسست في جبال التبو، وتتكون من قوميي التبو، ومنها أيضا جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، والتي تتواجد في بلدة أم الأرانب والجبال السوداء في الجفرة وسط ليبيا، ويوجد أيضا المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية والذي يعرف باسم CCMSR الذي يضم أكثر من 4 ألاف مقاتل، حسب ادعاء المجلس، ولديه نشاط مكثف في الجنوب الليبي، وكذلك أيضا يتواجد تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد المعروف باسم RFC، وهو من الحركات المسيطرة على الجنوب الليبي.
أما من المجموعات السودانية التي تقاتل مع حفتر، حركة العدل والمساواة السودانية المتمردة في دارفور التي تتمركز في منطقة الجفرة وسط ليبيا.
ويتلقى المقاتل من هذه المجموعات أجراً شهرياً يتراوح بين 250 و500 دولار أمريكي، إضافة إلى الأسلحة والذخيرة، وفق تقرير لخمسة خبراء تابعين لمجلس الأمن الدولي.
وتشير بعض الاحصائيات، نقلا عن مسؤولين في الأمم المتحدة ومراقبين، أن العنصر الميليشياوي يشكّل ما بين 40 إلى 60% من إجمالي جيش حفتر، والباقي عبارة عن وحدات محترفة من المشاة ووحدات مدرعة ووحدات من القوات الجوية والشرطة العسكرية النظامية، ولكن إحدى أهم الوحدات النظامية التابعة لحفتر، وهي كتيبة الصاعقة التي غالباً ما يتمّ وصفها في الصحافة كمنظمة نخبوية، متورّطة في سلسلة انتهاكات، كما وجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى أحد أبرز ضباطها بارتكاب سلسلة من جرائم الحرب المتعمدة.
كذلك يلاحظ وجود مكون سلفي في قوات حفتر من مما يعرف بالسلفية المدخلية، فهؤلاء السلفيون الذين كانوا يحظون بدعم معمر القذافي خلال سنوات اضمحلال حكمه، كانوا متواجدين في صفوف القوات الأمنية للنظام السابق وهم يعادون عقائدياً الإسلاميين السياسيين الذين كان حفتر يحاربهم.
وعلى غرار القذافي أيضا، تمّ تسليم ولدي حفتر خالد وصدام مراكز قيادية، كما تستفرد بالسلطة زمرة ضيقة من أفراد أسرته ومقربين من القبيلة التي يتحدّر منها وهي قبيلة الفرجان، وبشكل خاص، تلقت وحدة ابنه خالد حفتر، الكتيبة 106، عتاداً وأسلحة متطوّرة من الخارج، ما جعل بعض وسائل الإعلام، في الكثير من الأحيان، تقارن بشكل متكرر بين كتيبه 106 وإحدى أكثر القوات نفوذاً وحرفية في عهد القذافي، اللواء 32 المعزز الخاضع إلى خميس، الابن الأصغر للقذافي.
وعندما بدأ حفتر هجومه على طرابلس، عاد إلى اللعبة القديمة، وهي استغلال الصراع القبلي العائلي، فوجد بغيته في مدينة ترهونة على أطراف طرابلس، مستغلا الخلافات القبائلية بين المدينتين، حيث ثلث مدينة طرابلس من قبائل ترهونة وقد تم ترحيلهم من المدينة بعد صراعهم مع بعض مليشيات طرابلس على السلطة هناك عام 2016، وهم يرغبون في العودة والثأر من هزيمتهم.
وربما يحاول حفتر استمالة ميليشيتين من أبرز ميليشيات طرابلس، وهما كتيبة ثوار طرابلس وقوة الردع الخاصة، حيث تشير تقارير صحفية أن هاتين المجموعتين لم تقم بالتعبئة الكاملة للتصدي للهجوم، وقد كان نصف الالتزام هذا خطوة مدروسة: فمن خلال نشر بعض القوات لمواجهة هجوم حفتر، في وقت تمتنع فيه فصائل أخرى عن المحاربة، تأمل الجماعتان أن تحتفظا ببعض النفوذ في أي اتفاق مستقبلي محتمل مع أي من الفصائل المتناحرة.
كل هذا الكوكتيل الذي يتكون منه جيش حفتر، يجعل من الانتصار – إذا حققه – انتصارا مؤقتا فما يلبث هذا الخليط الذي يعج بها جيشه وقواته أن ينقسم، ويؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار والحروب المستقبلية في ليبيا، التي لن تحل معضلتها إلا برفع الدول الإقليمية والدولية أيديها عن التدخل في شئونها، ووفاق يسري بين قبائلها وعائلاتها ومدنها ومناطقها.
(المصدر: مجلة البيان)