مقالاتمقالات مختارة

حسبكم! إن السميط رجل بأمة

حسبكم! إن السميط رجل بأمة

بقلم أحمد جلال

العلم له أسس وأصول لابد وأن يُأخذ ويُتلقى وفقها، وإلا صارت الدنيا فوضى، وسيدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) رواه البخاري، لذا عندما تعرض لنا مسألة ما لابد وأن نرجع إلى أهل التخصص لأن الله – سبحانه وتعالى – يقول : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (سورة النحل، 43) والقاعدة التي قال بها أهل العلم : (لا عبرة بقول من خالف أهل التخصص وهو على غير تخصصهم).

ما يدفعني لكتابة هذا المقال ما شاهدته في تويتر من خوض بغير علم وكلام بلا سند في حق الدكتور عبد الرحمن السميط وتجربته الدعوية الإغاثية، حيث بدأت الحكاية بنشر الكاتب والروائي الإماراتي عبد الله النعيمي تغريدة على تويتر هذا نصها (يسألني الكثير من المتابعين: لماذا لا تشيد بجهود عبد الرحمن السميط في مجال العمل الخيري؟ إجابتي بكل صراحة.. لأن هناك تداخل في جهوده ما بين العمل الإغاثي والدعوة إلى الإسلام، وهو نفس ما كان يفعله بعض رجال الدين المسيحيين في أفريقيا (التبشير للمسيحية)، ورفضناه بشده نحن المسلمين!) وتبع هذه التغريدة نقاش وأخذ ورد وعقب الكاتب عبد الله النعيمي بعدة تغريدات أخرى.

بداية أستاذ عبد الله النعيمي ماذا تقصد برفضك لتداخل العمل الإغاثي والدعوة إلى الإسلام؟ إذا كنت تعتقد أن من أساليب الدعوة إلى الإسلام التي استخدمها الدكتور عبد الرحمن السميط استغلال حاجة الناس وفقرهم، فأنت مخطئ، أو أن هناك أساليب ملتوية واستخدام للحيل في الدعوة إلى دين الله فأنت لم تقرأ عن الدكتور المبجل عبد الرحمن حمود السميط ولم تعرف سيرته ولا تدري قيمته، أدعوك للاستماع للدكتور السميط نفسه لتعرف أن الرجل اختار الدعوة إلى الله على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة، استمع له هل طلب من الناس الدخول في الإسلام حتى يحصلوا على إعانة أم قدم المساعدات ودعاهم إلى الإسلام وعرفهم به وأنار لهم سيبل الوصول إليه؟.

استمع يا أستاذ عبد الله إلى الدكتور السميط في ديوانية الحمدان وهو يقص مشاهد مما شاهده وعايشه في إفريقيا وكيف كان يدعو إلى الله وكيف تعامل مع طلبة المعهد الديني الذين جاء أكثر من نصفهم في أول يوم وعلى صدورهم الصلبان، هؤلاء ذوي الجذور الإسلامية حيث كان أجدادهم على الإسلام كيف دعاهم هو ومن معه من دعاة متخصصين؟ كيف بين لهم الحق؟

هل تعلم يا أستاذ عبد الله أن في أثيوبيا وحدها يوجد اثنان وخمسون قبراً لصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ هل تعلم أن الدكتور السميط – سحائب الرحمات عليه – شاهد في زيمبابوي قبراً مكتوباً عليه بالعربية القديمة الغير منقوطة (بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر سلامنا صالح الذي انتقل من الدار الفانية إلى الدار الباقية عام 94 من هجرة النبي العربي)؟ هل تعلم أن هناك مساجد في زنجبار عمرها أكثر من 1390 سنة؟ استمع للدكتور السميط حتى تتعرف على ما حل بالمسلمين على يدي المستعمرين وحملاتهم.

التداخل بين الدعوي والإغاثي بمعنى أن أدعو إلى الإسلام أثناء قيامي بعمل إغاثي أمر يثاب عليه المسلم لأننا لا نستخدم حاجة المحتاج للضغط عليه وإنما نبصره بالدين الحق وهو بالخيار إما أن يختار سبيل المؤمنين وإما أن يبقى على كفره، والمسلم مطالب بالدعوة إلى الله والصدع بإسلامه يقول – سبحانه – : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (سورة فصلت، 33)، يكون الأمر مشيناً عندما أستغل حاجة الناس وأساومهم بالإسلام مقابل الإغاثة، أما أن أقدم لهم الإغاثة والمساعدة وأدعوهم إلى دين الله وأجادلهم بالتي هي أحسن فهذا من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول – عز وجل – : (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (سورة النحل، 125).

أما ما أصابني بالدهشة هو أن تساوي بين الدعوة إلى دين الإسلام الذي قال الله عنه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة آل عمران، 85)، أن تساوي بينه وبين التبشير وفقاً للمصطلح الذي استخدمته والمصطلح الأدق هو التنصير، كيف تقع في مثل هذه المقارنة؟ هل قرأت أيها الكاتب والروائي عن الحملات التنصيرية؟ هل تعرفت على أدواتهم وأساليبهم؟ هل اطلعت على حيلهم ومكرهم وابتزازهم للفقراء المساكين؟ ألم تعلم كيف تغلغلوا عبر الدجل والتظاهر بالتواصل مع أرواح والعيش بين أفارقة بسطاء وتسريب مفردات مسيحية إليهم، بل وصل بهم الأمر أن استغلوا جهل قرية إفريقية وانقطاعها عن العالم الخارجي في دولة مدغشقر وحاولوا تنصيرهم بالخداع والكذب، حيث أقنعوا أهل القرية بأنهم مسلمون بروتستانت عندما وجدوا منهم تمسكاً باسم المسلمين واستغلوا اندثار شعائر الدين عندهم بأن أقنعوهم بالتعاليم البروتستانتية وأنها هي تعاليم الإسلام وقد ذكر هذه القصة الدكتور السميط في جلسته في ديوانية الحمدان والتي أشرت لها سابقاً في الرابط الأول وجاءت هذه القصة تحديداً بداية من الدقيقة 9 والثانية 24 حتى الدقيقة 24 والثانية 2 والقبيلة التي كانت تقيم في هذه القرية كان اسمها قبيلة الأنتيمور.

اقرأ أيضاً عن دور الحركات التنصيرية في الدماء التي سفكت في كوسوفا وإليك رسالة الماجستير هذه التي بعنوان (الأديان والحركات التبشيرية في كوسوفا)، لعلك تبصر الفرق بين التنصير والدعوة الإسلامية. لك أيضاً أن تبحث عن العلاقة بين المنصرين وأجهزة المخابرات وماذا كان دورهم في التمهيد للاستعمار (وإذا سميت الأشياء بمسمياتها لوجب أن نقول الاستخراب)؟ كيف ولغ المنصرون في دماء الأبرياء؟ وعلامات استفهام لانهاية لها يا أستاذ عبدالله.

أما الدعوة الإسلامية فقد بينتها واضحة ناصعة كالشمس في رابعة النهار يقول المولى – عز وجل – : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (سورة البقرة، 256)، وقد روي عن ابن عباس قوله : (لا إكراه في الدين) قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلًا مسلمًا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله فيه ذلك، وقال الزرقاني – رحمه الله – في “مناهل العرفان” (2 /406) : (أما السيف ومشروعية الجهاد في الإسلام فلم يكن لأجل تقرير عقيدة في نفس ، ولا لإكراه شخص أو جماعة على عبادة ، ولكن لدفع أصحاب السيوف عن إذلاله واضطهاده ، وحملهم على أن يتركوا دعوة الحق حرة طليقة ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله).

ثم من قال لك يا أستاذ عبد الله أننا كمسلمين لا نسمح للآخرين بأن يعرضوا دينهم وأن تقابل الحجة بالحجة، نحن لدينا حرية في النقاش وتقبل الحوار لا توجد لدى الآخرين، ألسنا نحن من سمحنا للمستشرقين أن يقيموا بين ظهرانينا وأن يكتبوا ويتحدثوا ويتناقشوا ويطرحوا ما لديهم ويقابل الكتاب بكتاب والندوة بندوة والشبهة بحجة فبهت الذي كفر، ومع كل هذا وضع كثير من المستشرقين أيديهم في يد الاستخراب (الاستعمار)، أتعلم لماذا صنعنا معهم ذلك؟ ولماذا حاورناهم؟ لأننا ربينا على قوله – تعالى – : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورة آل عمران، 64).

يا أستاذ عبد الله الحق أبلج والباطل لجلج، ها أنت تسوق في تدوينة جديدة مشهد من مسلسل ثم تعلق عليه قائلاً: (جاءت إلى الفاروق عجوز مسيحية تسأله حاجة، فتكفل بقضائها.. ودعاها إلى الإسلام، فامتنعت.. وبعد لحظات عاتب نفسه، واستغفر ربه لأنه استغل موقفاً ما كانت تصح الدعوة فيه! هذا المشهد يختصر فلسفتي في العمل الإنساني.. لا تستغلوا حاجة الناس لدعوتهم إلى دينكم.. فكل دين عزيز على أهله!) في أي كتب السير قرأت هذه القصة يا أستاذ عبد الله؟ ولماذا لا تكون من خيال المؤلف للمسلسل، طالما لم تأتي بمصدرها الموثوق؟

يا أستاذ عبد الله النعيمي، يا من درست الاقتصاد مما يعني بالضرورة أنك على دراية بخطوات التخطيط الأربع: تحديد الهدف، جمع المعلومات، وضع الافتراضات، وضع البديل، فأي هدف قد وضعت عندما قررت تناول موضوع أنت لا تعرف أبعاده، ولا تلم بجوانبه؟ هل بحثت وجمعت المعلومات عن الدكتور عبد الرحمن حمود السميط – رحمة الله عليه – ؟ هل بحث عن الرأي الشرعي؟ هل توجهت إلى أهل التخصص والإفتاء؟ هل تعلم أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات (حيث إمارة رأس الخيمة التي أنت منها تعد جزءًا من اتحادها) وكذلك هيئة الأعمال الخيرية في الإمارات وبعض الجمعيات عندكم أعضاء في (المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة) وهو هيئة إسلامية عالمية يضطلع بمهمة التنسيق بين جهود ما يزيد عن مئة من الهيئات والمنظمات الإسلامية الشعبية والرسمية في العالم، ويرأسه فضيلة شيخ الأزهر، نعم ما قرأته صحيح!، إذا كانت فلسفتك قد دفعتك لرفض كلام المتخصصين، فهل تملك القدرة على مطالبة أولياء أمرك بعدم التواجد في مثل هكذا منظمة دورها واضح من اسمها؟ وما أعظمه من دور وأشرفه من اسم!

تقول يا أستاذ عبد الله ضمن ما تقول: (فكل دين عزيز على أهله!) وهل معنى ذلك التوقف عن الدعوة إلى دين الله الحق؟ ألم يخبرك أحد بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رواه البخاري ومسلم، وكذلك قوله – تعالى – : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (سورة آل عمران، 19 )، الداعية لا يسخر ولا يستهزأ من دين أحد وإنما يوضح لأهل هذا الدين ما هم عليه من باطل، حتى يخرجهم من الظلمات إلى النور.

بقي أن أتوجه إلى أهل الكويت بل إلى كل المسلمين في أصقاع المعمورة، علموا أولادكم سيرة الرباني المعطاء الدكتور عبد الرحمن حمود السميط، تعرفوا على حياة هذا الرجل الكريم الذي أوقف حياته لله وظل قرابة الثلاثين عاماً يجوب البلاد يقيم المستشفيات والمساجد ويحفر الآبار ويكفل الأساتذة ويرعى الأيتام ويحدث الناس عن الإسلام ويبصرهم بطريق الله من خلال لجنة مسلمي إفريقيا التي تحولت في العام 1999 م إلى جمعية العون المباشر التي تكفل الآن أكثر من 2000 معلماً، وما يزيد عن 74457 يتيماً، وأكثر من 7775 طالباً للدراسات الجامعية، والكثير الكثير من إنجازاتهم التي يمكنك الاطلاع عليها من خلال هذا الرابط .

وهذا مقال للدكتور السميط يوضح فيه جوانب كثيرة تتعلق بالعمل الدعوي الإغاثي تحت عنوان (المؤسسات الخيرية الدعوية، جمعية العون المباشر، لجنة مسلمي أفريقيا) وأختم المقال بهذا الرابط لسيرة طيب الذكر الدكتور السميط، وأرجو المعذرة للإطالة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى