حركات التحرر الإسلامية والاستراتيجيات الأمنية
بقلم إسلام زعبل
فالعمل الأمني أحد الموضوعات المهمة التي ينبغي على حركات التحرر الإسلامية أن توليها اهتماماً عظيماً، خاصة مع تطور أساليب المواجهة بينها وبين خصومها، وتبدو أهمية الأمن واضحة وجلية في أثرها على بعض الجماعات والحركات التحررية في منطقتنا العربية؛ فقد أدت الضربات المتتالية من الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات إلى تغيير واضح في خطط هذه الجماعات؛ مما آل بها في أحيان كثيرة إلى الركون والمداهنة، وذلك بسبب عدم امتلاكها الأجهزة الأمنية المناسبة لصد هذه الهجمات والوقاية منها.
فعند النظر لمعظم التنظيمات الناجحة التي حققت أهدافها وخططها، نجد أنها تمتلك أجهزة أمنية تعمل في صمت؛ فالعمل الأمني ليس حكراً على الدول والحكومات؛ بل تتبناه معظم التنظيمات السياسية المعارضة في العالم من جماعات وأحزاب وقوى ضغط، ووصل الأمر إلى وجود أجهزة أمنية لشخصيات ورموز؛ كبعض رجال المال والأعمال، وكان سبباً لنجاح العديد من الثورات التحررية في العالم، مثل ثورة التحرير الجزائرية، والثورة الكوبية، والثورة الإيرانية.
لذلك سأتطرق في هذه السلسلة إلى العلوم والاستراتيجية الأمنية، والوعي والثقافة الأمنية، وفي هذا المقال أتناول مفهومه ومرجعيته ومحاوره وأبعاده وأهميته، وسيتبعه مقالات أخرى بإذن الله.
مفهوم وفلسفة الأمن
إن مفهوم الأمن من أصعب المفاهيم التي يتناولها التحليل العلمي، لأنه مفهوم نسبي متغير، وذو أبعاد ومستويات متنوعة، ويتعرض لتحديات وتهديدات مباشرة وغير مباشرة، من مصادر مختلفة تختلف درجاتها وأنواعها وأبعادها.
لغوياً: جاءت معانيه في القرآن الكريم فهو ضد “الخوف” أي الطمأنينة، وبالرجوع للمعاجم يعني السلامة من الخطر، أ م ن : الأمَانُ والأمَنةُ بمعنى فهم وسلم. (مختار الصحاح).
اصطلاحاً: ارتبط بكيفية استعمال القوة، لإدارة الأخطار التي تهدد الأفراد والتنظيمات، للحفاظ على استقرارهم واستقلاليتهم.
وهناك تعريفات أخرى مختلفة منها:
– يعرف باري بوذان الأمن بأنه (العمل علي التحرر من التهديد).
– أما أرنولد ولفرز ( Arnold Wolfers ) فيُعرف الأمن بغياب التهديدات للقيم والأفكار المكتسبة، وغياب الخوف من الهجوم عليها.
– ويتضح من تعريف والتر ليبمان ( walter lippman ) أن أي جماعة أو تنظيم تبقى في وضع آمن إذا لم تُضحِ بقيمها ومبادئها، وتحفظ أمنها إذا خرجت من معركتها حافظة لقيمها ومبادئها التي تدافع عنها.
ويتضح من التعريفات السابقة رؤي مختلفة حول موضوع الأمن، منها استعمال القوة لإدارة المخاطر التي تواجه التنظيمات، أما في تعريف باري بوذان فيصفه كلٌ من بوث (booth ) و ويلر (wheeler) بأن عملية التحرر التي يقصدها لا يمكن للأفراد والجماعات تحقيق استقرارها الأمني، إلا إذا امتنعوا عن حرمان الآخرين منه، وذلك إذا نُظر إليه على أنه عملية تحرر، أما التعريف الآخر للأمن فمرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة التنظيمات والأفراد على الحفاظ على قيمهم ومبادئهم، ويتحقق استقرارهم الأمني إذا حافظوا عليه. إذَن فالأمن هو الإجراءات والاحتياطات الوقائية اللازمة لمستويين: دفاعي وهجومي.
المرجعية الفكرية للوعي الأمني
إن القرآن الكريم يحتوي على الكثير من المعاني الأمنية، وجاء بالكثير من أساسيات العمل الأمني ومفاهيمه، وقد أكّدت النصوص القرآنية أنَّ للعمل الأمني أصلاً شرعياً من الأصول الإسلامية التي ينبغي للمسـلم أن يأخذ بها، ويستفيد منها، وينفّذها.
وهناك الكثير من الآيات التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني الأمنية، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
(.. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون: من الآية 4)
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83).
إن مفهوم الأمن يشمل كل ما يحقق الاستقلال وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ببُعدَيه الداخلي والخارجي، أي تأمين الكيان أو التنظيم من الأخطار التي تهدده داخلياً وخارجياً؛ لتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق الغايات والأهداف، ويرتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
1- تأمين الكيان أو التنظيم داخلياً وخارجياً.
2- تحقيق الاستقلال والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
3- تحقيق الرضا لدى أفراد التنظيم.
منهجية وأبعاد العمل الأمني
يقول روبرت مكنمارا (Robert Mcnamara) في كتابه (جوهر الأمن): “إن الأمن لا يعني تراكم السلاح، بالرغم من أن ذلك جزءاً منه، وليس القوة العسكرية بالرغم من أنه قد يشتمل عليها، وليس النشاط العسكري التقليدي بالرغم من أنه قد يحتوي عليه، إنما الأمن هو التنمية، فبدونها لا يمكن تحقيق الأمن”.
وبالتالي يتضح لنا بأن الأمن له العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمفهوم التنمية وليس المفهوم العسكري فقط؛ فإذا طبقنا مفهوم الأمن على التنظيمات والحركات فإنه يعني قدرتها على الحفاظ على هويتها واستقلالية قرارها وتكاملها، وتوفير الوسائل اللازمة للتصدي للمخاطر التي تواجهها وتواجه أفرادها.
ويتضح من ذلك أن هناك العديد من الأبعاد المفاهيمية للعمل الأمني، وهي:
– البعد الفكري والثقافي.
– البعد الاقتصادي.
– البعد السياسي.
– البعد العسكري.
– البعد المعلوماتي والاستخباري.
– البعد الجماهيري والإعلامي.
في العصر الحالي حدثت تغيرات كثيرة في مفهوم الأمن والمشهد الأمني بسبب تغير مفهوم القوة، والتي لم تعد في الأساس ترتبط ارتباطاً أساسياً بالعمل العسكري؛ لكن تعدته إلى التنمية الشاملة في المجالات التكنولوجية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعلوماتية.
فانقسم العمل الأمني إلى قسمين:
1- العمل الأمني الخشن.
2- العمل الأمني الناعم.
فالعمل الأمني الخشن يرتبط بالعمل العسكري وهي القوة التي كان يبنى عليها مفهوم الأمن منذ القِدم أما في العصر الحديث، فقد ظهر قسم آخر من العمل الأمني، وهو العمل الأمني الناعم، الذي يعتمد على القوة التحويلية، ويتميز بأنه أقل قهرية.
أهمية العمل الأمني للتنظيمات الثورية وحركات التحرر الوطني
تعي أنظمة الحكم القمعية مفهوم الأمن وأهميته للتحكم في الشعوب ومصائرهم، وقد أدى هذا إلى الاهتمام الكبير بالأمن وتخصيص الميزانيات والإمكانيات البشرية والمادية الضخمة له، والتي توفَّر لرجال الأمن بصورة خاصة؛ فأقيمت لهم أكاديميات تقوم بتدريسهم العلوم الأمنية وتفريغهم تماماً من أي مشاغل تجذب عقولهم لغير هذا المجال؛ كي يحققوا فيه أقصي درجات الابداع.
فجهاز المخابرات المركزية الأمريكية، والذي يُعد من أقوى الأجهزة الأمنية لدى الولايات المتحدة، لو نظرنا إلى بعض المخصصات المتاحة له، لعلمنا مدى أهمية العمل الأمني، فعلي سبيل المثال تقع مبانيها على مساحة 3000 دونم، وتتألف من سبعة طوابق، وفيها ما يزيد عن 1000 غرفة، ويعمل فيها 50000 موظف، ويسع موقف سيارتها 3000 سيارة، وقد كلف المبنى ما يقارب 46 مليون دولار، وعدد عاملي الجهاز في واشنطن العاصمة فقط 10000 شخص، وتضم أجهزته العديد من الاختصاصيين، من العسكريين والكيميائيين والفيزيائيين وعلماء القانون وعلماء النفس والاجتماع وعلماء ذرة وسياسيين وخبراء لغات.
فالأمن له أهمية لإفشال المؤامرات التي تحاك ضد التنظيم، لمنع الاختراق المباشر وغير المباشر للتنظيمات، والتعرف على الجواسيس، وحفظ أمن الأفراد والمعلومات والخطط. ولعل عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي أكبر دليل على ضرورة الاهتمام بهذا المجال.
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- محمد عمارة – الإسلام والأمن الاجتماعي – القاهرة دار الشروق 1998.
2- معجم مختار الصحاح .
3- سليمان عبدالله الحربي ، مفهوم الأمن: مستوياته وصيغة وتهديداته: دراسة نظرية في المفاهيم والأطر، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19 عام 2008م.
4- أنور ماجد عشقي – الاستراتيجية الأمنية العربية لمواجهة العولمة – مركز الدراسات البحوث 2006م.
5- جون بليس – الأمن الدولي في حقبة ما بعد الحرب الباردة- مركز الخليج للأبحاث. الإمارات العربية المتحدة 2004م.
6- كتاب جوهر الأمن، مكتبة الإسكندرية الإلكترونية.
7- https://drive.google.com/
8- أفاق الأمن الإسرائيلي الواقع والمستقبل / خالد وليد محمود / مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات / بيروت.
9- http://
10- الأمن الثقافي: مفهومة ودواعيه وعوامل تحقيقه، م. نهلة محمد أحمد جبر/ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية/ القاهرة .
11- https://www.cia.gov/