مقالاتمقالات مختارة

حرب استقلال تركية بنكهة عربية

حرب استقلال تركية بنكهة عربية

بقلم حمزة تكين

الكل يعلم حجم الصراع القائم اليوم بين تركيا الجديدة والولايات المتحدة الأمريكية التي تظن أنها مازالت تعيش في زمن استعباد الخلق والدول، صراع متجذر لا علاقة له بمجرد راهب أمريكي معتقل في تركيا ثبت تعامله مع تنظيمات إرهابية، صراع تسبب بالإضرار بالليرة التركية بفعل فاعل.

ما تعرضت له الليرة التركية ليس على الإطلاق بسبب أزمة اقتصادية تعاني منها تركيا، وليس بسبب ضعف العملة التركية، ولكن ما نراه اليوم هو نتيجة الصراع السياسي القائم، صراع تريد تركيا من خلاله أن تتحرر بشكل كلي من الهيمنة الأمريكية، هيمنة قد تنفع مع هذه الدولة أو تلك، ولكنها لا ولن تنفع مع تركيا الجديدة.

الهجمة الأمريكية على تركيا تتخذ من الراهب ذريعة، ولكن الحقيقة أن أمريكا غاضبة من هذه تركيا التي نراها اليوم، تركيا التي تسعى وبكل ما أوتيت من قوة لفك الأغلال الأمريكية، بعد أن فكت الأغلال الغربية في الانتخابات الأخيرة يوم 24 حزيران/يونيو الماضي.

أمريكا تريد من تركيا إعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل وقوي مع الكيان الصهيوني المحتل، وهذا ما ترفضه تركيا الجديدة.
أمريكا تريد من تركيا إيقاف دعم الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة ومدينة القدس المحتلة عاصمة دولة فلسطين، وهذا ما ترفضه تركيا الجديدة.

أمركيا تريد من تركيا إيقاف صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسي أس 400، والذي سيؤمن لتركيا دفاعا جويا من أي هجوم خارجي، وتركيا الجديدة ترفض الطلب الأمريكي الخبيث.

أمريكا تريد من تركيا قطع علاقاتها مع إيران، إيران التي تتمتع بأكبر علاقات تجارية مع حلفاء أمريكا، ولكن الأخيرة تغض الطرف عنهم لأنهم يسبحون ليل نهار بحمد ترامب وحسناواته الشقروات، وتركيا الجديدة لن تقطع علاقاتها بإيران.

أمريكا تريد من تركيا غض الطرف عن مشروع تقسيم سوريا، المشروع الخبيث الطائفي العنصري الذي يصب فقط في مصلحة إسرائيل، وتركيا الجديدة لن تسمح بهذا الأمر.

أمريكا تريد من تركيا إيقاف حربها ضد التنظيمات الإرهابية المدعومة أمريكيا، وخاصة تنظيميPKK وPYD، تنظيمات تقتل وتحرق وتعيث بأرض سوريا وتركيا فسادا وخرابا، ولكن تركيا الجديدة لن توقف حربها الضروس ضد هذه التنظيمات، وسنكسبها إن شاء الله.

أمريكا تريد من تركيا إيقاف مطالبتها بالإرهابي الأكبر “فتح الله غولن” المسؤول الأول هو وتنظيمه الإرهابي عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز 2016، ولكن تركيا الجديدة لن تسكت عن هذا المطلب الذي يشكف حقيقة من دعم المحاولة الانقلابية من خلال كل هذا الحب والحرص على “غولن”.

أمريكا تريد من تركيا إيقاف مشاريع التصنيع العسكري، وإيقاف المشاريع التنموية العملاقة في مختلف الولايات التركية، ولكن هيهات هيهات أن تخضع تركيا الجديدة لمثل هذا المطلب الأحمق.

أمريكا لا تريد أن ترى في تركيا رئيسا يقف ندا لند مع الرؤساء الأمريكيين، بل تريد أن ترى رئيسا تركيًا يقف كالتلميذ أمام رؤساء أمريكا كما كان في السابق، ولكن هيهات هيهات أن تعود عقارب الساعة للوراء.

المعركة اليوم ليست معركة تركيا وحدها ضد هذه العنجهية التي تريد أن تستمر بحكم العالم بهذه الطريقة الاستعبادية، المعركة اليوم هي معركة كل عربي إسلامي حر ديمقراطي شريف، فإما أن ننتصر فيها ونعز جميعا وإما أن ننهزم ـ لا قدر الله ـ فيدوسننا جميعا.

تركيا ليست بوارد أن تخسر هذه الحرب، لأنها بالفعل هي حرب الاستقلال الثانية، حرب بعد أن نعلن رسميا أننا كسبناها سيكون حال المنطقة كلها بل العالم مغايرا لما هو عليه اليوم، يومها ستكون الغطرسة والهيمنة والعنجهة والكبر في أميركا قد كسر لغير رجعة.

لن نقول “الأم صعب، والطرف الآخر قوي، ونحن لا نسطيع أن ننتصر”، بل سنقول “هي المعركة سنخوضها بإيماننا وقوتنا وشعبنا ومحبينا.. وسننتصر”.

هي حرب الاستقلال الثانية، ولكن ما يميزها عن حرب الاستقلال الأولى التي حفظت حدود الجمهورية التركية الحديثة، أن الحرب الأولى خاضها الشعب التركي فقط ضد القوى الغربية المحتلة، ولكن الحرب اليوم لا يخضوها الأتراك وحدهم بل يخضوها العرب معهم، والكلام عن الشعوب، وقليل قليل قليل من الحكومات.

حملات التضامن العربية التي نراها دعما لتركيا والرئيس رجب طيب أردوغان، حملات غير مسبوقة بالحجم والانتشار والمشاركة، أي أن الشارع العربي الواعي يخوض معنا اليوم هذه الحرب ضد سلطة الدولار وعنجهية مصنّعيه، وبالتالي فإن النصر سيكون لنا جميعا.

رأينا حملات تحويل العملات لليرة التركية، وكما قال النشطاء العرب “هذا أقل ما يمكن أن نقدمه لتركيا والرئيس أردوغان”، ونحن نقول لهم “بارك الله بكم وجزاكم الله كل خير، ونحن لن ننسى هذه الوقفة معنا، فنحن في مركب واحد وسنصل معا إلى بر الأمان والعزة والكرامة، مهما كانت الأمواج الأمريكية الصهيونية عاتية”.

حملات التأييد والتضامن العربية مع تركيا اليوم، لا تكفيها أي كلمات شكر، فهي حملات عابرة للحدود تؤكد أننا فعلا أمة واحدة لا تفرقنا أعراق وقوميات وألوان ولغات، وبهذه الروح سننتصر معا وسنفرح معا.

لا تقلقوا، تركيا قوية وصامدة واقتصادها قوي جدا ولن تركع أمام السياسات المجنونة التي تقاد من هنا وهناك، وبيد تركيا أوراق كثيرة يمكن أن تلعب بها… لم تكشف عنها حتى الآن.

حرب استقلال تركية ثانية، مطعمّة بنكهة عربية تزيدها قوة وفرصا على تحقيق الظفر والنجاح، فبارك الله بكل من يقف اليوم مع تركيا ولو بشق كلمة، أما من يشاركون ضدنا في هذه الحرب فإن سجلاتنا تحتضن أسماءهم بشكل واضح، وبعد أن نكسب هذه الحرب لكل حادث حديث.

(المصدر: موقع “تركيا بالعربي”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى