بقلم حمدي شفيق
هناك شُبهة حول حديث تأبير النخل الذي ورد فيه،قوله عليه السلام (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) إذ يُحاول البعض استخدام هذه “الزيادة” لإثبات الفصل بين الإسلام، وشؤون الحكم والسياسة. وقد خاب ظنّهم، وضلّ سعيهم، لأنها زيادة غير ثابتة، أوردها بعض الرواة، في إحدى روايات الحديث بشأن تأبير النخل. كما أن تأبير النخل هي مسألة فنية بحتة تتعلق بأمور الزراعة، ومن المنطقي أنه يعهد فيها إلى أهل الاختصاص مثل أي أمر فني أخر.
وليس مطلوبا من الحاكم المسلم أن يكون حائزًا على درجة الدكتوراه في كل فروع العلوم والمعارف! وفي الحديث صرّح -صلى الله عليه وسلم- بأن الأمر مجرد “ظن” بشرى منه بشأن تأبير النخل -اجتهاد بشري- وقد ترك -صلى الله عليه وسلم- الخيار لأهل المدينة في إصلاح شؤون نخلهم، فهم أعلم بذلك، لأنهم أهل بيئة زراعية وأصحاب نخيل منذ زمن سحيق، بخلاف أهل مكة التي نشأ فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والزراعة شأن فني بحت، بخلاف أمور الحكم وسياسة الأمم ورعاية البشر، فالأنبياء هم أهلها وأدرى الناس بها -صلى الله عليهم وسلم أجمعين-. وحتى لو سلّمنا جدلا بصحة الرواية -وهى ليست كذلك- فتكون الحكمة من هذه الواقعة، أن تتعلم الأمة الاجتهاد في كل الشؤون، وألا يرهب أحد هذا الاجتهاد خشية الخطأ البشرى، وقد يجتهد سيد ولد آدم في أمر دنيوي بحت ويخطئ -كبشر- بخلاف أمور الدين التي عصمه الله تعالى من الخطأ فيها -قطعاً- مثل باقي الأنبياء والمرسلين -صلوات الله عليهم أجمعين-.
وقد قرأت في موقع “ملتقى أهل الحديث” بحثاً حول هذا الحديث، انتهى إلى عدم صحة هذه الزيادة (أنتم أعلم بشؤون، أو بأمور دنياكم) وقال المحقّق جزاه الله خيرا: “الرواية الأولى، صحيحة الإسناد في بابنا هذا، هي -بعد ذكر مسلم لإسناده- كالتالي: “عن موسى بن طلحة عن أبيه قال مررت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوم على رؤوس النخل فقال “ما يصنع هؤلاء”؟ فقالوا: يلقّحونه (يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” [ما أظن] يغني ذلك شيئا”. قال فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال “إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني [إنما ظننت ظنا] فلا تؤاخذوني [بالظن] ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل”).
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم (ج : 15 ص 116): “قال العلماء: ولم يكن هذا القول “خبرًا”، وإنما كان “ظنًّا” كما بيّنه في هذه الروايات”.
إذًا يتبين من الرواية الصحيحة أن النبي لم يقل (أنتم أعلم بأمر دنياكم) وحاشاه أن يقول ذلك. كما بيّن النبي أن ذلك مجرد ظن منه، وبهذا يُعلم أن ذلك ليس نهياً أو أمراً أو سنة أو ندباً (وهذا ضابط مهم) فقال منذ البداية “ما أظن” ولم ينههم، ثم أكد هذا البيان مرة أخرى حين بلغه ما فعلوه فقال: “فإني إنما [ظننت ظنا] فلا تؤاخذوني بالظن “. وعلى سبيل القطع فإن الله الذي رضي لنا الإسلام ديناً إلى يوم القيامة أعلم بأمور دنيانا منا”.
المصدر: موقع الأمة.