حدثونا عن الوحدة الإسلامية حتى لا ننساها
بقلم أ. د. عبد الرزاق قسوم
يسألونك عن الوحدة الإسلامية! يسألك عنها الغائب والحاضر، والمقيم والمسافر، وأهل البدو والحواضر، وكل برّ وفاجر من الجزيرة إلى الجزائر.
يتساءل الناس عن الوحدة الإسلامية خصوصا عندما تشتد الأزمات، وتدلهم الخطوب والمؤامرات، وتنتشر في الوطن الواحد الطغمة والعصابات.
فإذا سألوك فقل إنها صمام الأمان للأوطان، وإنها المقدمة السليمة لكل وطن مسلم، تعصمه من الزلل، وتحصنه ضد كل أنواع الفتن، ونزعات ونزغات الإيديولوجيات والملل.
فقد ضعفت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، حينما رُفعت شعارات الدعوة إلى الجاهلية، ممثلة في العصبية الإقليمية، والطائفية المذهبية، والنعرة القبلية، واللافتات التمزيقية.
تحطمت رسالة الدعوة الإسلامية – إذن – على صخرة النعرات الجهوية، أو القومية الضيقة الدروب، المثقلة بالمصائب والكروب، فما يعيشه عالمنا الإسلامي اليوم من شتات وتفرق، ومن عنف وتمزق من بغداد إلى طبرق، إنما هو نتيجة فاسدة لمقدمات خاطئة.
وإلا فكيف نظمأ والماء العذب بين جوانبنا، وكيف نتيه في الظلامية والنور من حولنا يضيء مسالك غيرنا؟
إن المقدمات الفاسدة التي أدت إلى ما نعانيه من اعتلال واضمحلال، ومن استبداد واستعباد، إنما يكمن في خلو المنظومات المختلفة التي تحكم البلاد والعباد من حسن الانقياد.
أسندت المنظومة التربوية، وهي صانعة الوعي الشمولي العام، أسندت إلى فاقدي الإيمان بجوهر المنظومة التربوية، فكونت لنا جيلا من المعلمين والمتعلمين، مذهبهم أن لا مذهب لهم.
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا
واضطلع بالمنظومة الاقتصادية والمالية أناس فاقدو الضمائر، فخرّبوا الخزائن والعمارات والعمائر والدخائر.
وما ذكر عن المنظومة المادية والمعنوية ينسحب على باقي المنظومات؛ الاجتماعية، والأخلاقية، والإعلامية، وإن التخلف كما يقول المفكر مالك بن نبي كل لا يتجزأ.
والمفارقة العجيبة أننا نشأنا في وطن مكبل بقيود الاستعمار، فكانت الاستجابة للتحدي هي التشبث بمعاني الوحدة الإسلامية، والوحدة الوطنية.
فلا تزال ترن في أذني أنشودة المولد النبوي المحمدية، التي وضع كلماتها شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة والتي كنا نتغنى بها ونحن أطفال:
بِمُحَمَّدٍ أَتَعَلّقُ وَبِخُلقِهِ أتَخَلَّقُ
وَعَلَى البَنِيـنَ جَمِيعِهِمْ فِي حُــبِّهِ أتَفَوَّقُ
أنَا مُسْلِمٌ أَهْوَى الهُدَى بِسِوَاهُ لاَ أتَحَقَّقُ
بِخِلَالِ أَحْمَدَ أقتدي وَبِحُبِّهِ أَتَمَنْطَقُ
أو النشيد الوحدوي الذي كنا نترنم به ونحن أطفال:
بلادُ العُربِ أوطـــاني مــــنَ الشّــــامِ لبغدان
ومن نجدٍ إلى يَمَــنٍ إلى مِصـــــرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا ولا ديــــــــنٌ يفرّقنا
لسان الضَّـــــادِ يجمعُنا بغسَّانَ وعدنانِ
فكيف نأينا عن هذه القيم، وذبحنا ما لدينا من همم وذمم، فتدحرجنا إلى أسفل مصاف الأمم؟
حدث كل هذا عندما فقدنا وعي الانتماء، وضيعنا بوصلة الإقتداء، وصرنا نضرب في الأرض على غير هدى، وما درينا أننا أمة تملك من الطاقات البشرية، والمادية، ما تفتح به الحقول والعقول، وتضيء به القلوب والدروب.
إن هذا ينسحب على كل جزء من أجزاء الأمة الإسلامية، التي قطعت صلتها بربها وبأمتها، فهي تعاني الضياع، وسقط المتاع، وغياب أي إشعاع.
ففي جزائرنا الحبيبة، جزائر الجهاد والاستشهاد، ضاع مفهوم الوحدة الإسلامية من العقول، وبالتالي ضاع مفهوم الوحدة الوطنية من الأصول.
فعندما قطع الخطاب الوطني علاقته بالبعد الإسلامي الدقيق والعميق، وعندما فقد الخطاب الإسلامي الجزائري استقلاليته وأصبح ينتسب إلى غير علمائه، وإلى غير زعمائه، أصابه التطرف والإنسلاب، فضيع جوهريته في المحراب، وفي كل باب.
إن الامتحان الشاق الذي تجتازه الجزائر اليوم على أكثر من صعيد، ليجسد مدى بعدنا، عن الهاجس الوحدوي الإسلامي، وسقوطنا في فخاخ العصبية الجاهلية بكل أنواعها، وما لم نع حجم السقوط الذي وقعنا فيه، فلن نستعيد مجدنا التليد، ولا عزنا المجيد، الذي اكتسبناه بفضل العالم والمجاهد والشهيد.
آن الأوان – إذن – أن نخضع تجربتنا، وكل تجارب أمتنا إلى التأمل الموضوعي العلمي السليم، كي نستخلص من الأخطاء ما يعود علينا بالنفع العميم.
إننا نتطلع إلى مستقبل مفعم بشعاع الأمل نستدرك فيه بالعمل ما أصابنا بسبب العصابات والشلل.
فهذا الحراك الشعبي الميمون، الذي انطلق في 22 فبراير، كالكوكب المسنون، ينبغي أن نصونه من أي طيش أو جنون، وأن نحميه من التهور، والمجون، وسوء الظنون.
يجب أن نحيي في عقول أبنائنا وبناتنا، قيم الإسلام السمحاء، التي تعلو على كل جاهلية هوجاء، فنغرس لدى الجميع معنى التسامح مع من يخالفنا، والتناصح مع من يحالفنا فليس كالتصافح، والتناصح، والتسامح قيما أساسية لكل بناء، وليس أفضل منها منهجا للتشييد والإعلاء.
فكلما ضاقت بنا السبل، يجب أن تنعش الأفكار بقول الله تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾[ سورة عمران، الآية: 103].
سوف نظل – بالرغم من كل ما نعانيه – متفائلين بمستقبل وطننا وأمتنا، ذلك أن الوعي بالسقوط هو بداية النهوض، وأن إدراك مستوى التخلف هو في حد ذاته بداية التقدم.
لقد أمدنا الله بكل أنواع النهوض والتقدم؛ وطن من خير الأوطان جمالا وجلالا، بهاء ونماء، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، مزينة بإنسان الإيمان، والأمانة، وهذه هي الضمانات التي تجعلنا مؤمنين بأن المستقبل لنا في ظل الوحدة الوطنية، التي هي الدعامة الأساسية للوحدة الإسلامية.
فلنحرص على التشبث بوحدة ونبل الهدف، والوفاء للصالحين من السلف، ذلك أن الوفاء لعهد العلماء، والشهداء، الذين أبلوا بلاء حسنا، من أجل الوحدة الشاملة لمفهومها الوطني، وبعدها الحضاري الإسلامي هو الضامن للمستقبل المنشود.
فحدثوا الجيل الصاعد عن هذه الوحدة، واغرسوا قيمها في عقله وقلبه، حتى لا ينساها، وحتى ينشأ محصنا من داء فقد المناعة الحضارية، والوطنية، والعقدية.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)