مقالاتمقالات مختارة

حتى لا يتحوّلَ العدوان على الإسلام إلى «موضة»

حتى لا يتحوّلَ العدوان على الإسلام إلى «موضة»

بقلم د. حسن خليفة

التفاعل الذي تمّ في مسألة «الجامع الأعظم» وما نُشر في الصحيفة الفرنكوفيلية الذائعة الصيت وذات النفوذ، ثم ما تبع ذلك من محاولة استدراك وتصويب وتصحيح!… وأيضا عموم ما نُشر من تعليقات وكتابات يستحق أن يناقش وأن يدُار حوله بعض الحديث والتساؤل بحثا عن الـطريق الأصوب في بلورة الموقف الصحيح، ضمن مواقف كثيرة ينبغي أن تكون واضحة ودقيقة وصريحة في مجال «معاداة الإسلام» والتعبير عن كراهته بشكل صريح من قِبَل بعض الأطراف الإعلامية وغير الإعلامية، وأيضا بحثا عن «ساحة مشتركة» ضرورية للحوار والنقاش.
ولنسجل هذه النقاط الأولية:
1ـ المعروف أن هذه الصحيفة و(زميلاتها أو شقيقاتها من الرضاعة (من ثدي فرنسا) من الصحف الفرانكوـ….) كانت ولمّا تزل دائبة التعبير عن آرائها ومواقفها المعادية للدين، في هذا الخصوص، فليس هذا بجديد..
2ـ الأخطر من هذا أن هذه الصحيفة وزميلاتها كثيرا ما نطقت بـ «الخاطئ من الكلام» ونصحت بالكيد والغدر والتوجيه السامّ المسموم في كل ما يتصل بالعدوان على الثوابت، بل وكل منظومة القيّم التي يؤمن بها الشعب الجزائري. ومن يعود إلى الوراء يجد لهذه الصحيفة بالذات دورا خطـرا في كثير مما وقع في الماضي بالتأليب والاستعداء وما في حكمهما.
3ـ من يدقـق في طبيعة رسالة هذه الصحف وبعض الفضاءات الإعلامية والمواقع الإلكترونية يجد نفس الأهداف ونفس المرامي، وربما نفس الأساليب في التوهين، وضرب الرموز، وإيقاع الفـتن، وإحداث المشكلات وإثارة البلبلة، وكأنها ما وُجدت وأُنشِئَتْ إلا لهذا الهدف.
4ـ الغريب في الأمر هنا استسهال «الوقوع في فخ ردود الأفعال»؛ حيث ما تزال آلية «ردود الأفعال» هي السائدة لدى الكثير منّا (وطنيين وإسلاميين خاصة). وقد يكون ذلك أمرا طبيعيا في البداية، لكن أن يتحوّل إلى شيء دائم منتظم فهذا غير صائب؛ لأن ردود الأفعال لا تصنع الموقف المناسب عادة، بل هي ـ في أكثر الأحيانـ «عاصفة» ثم تــمرّ، وعندما يتعلـق الأمر بالثوابت والقيم والمنظومة الدينية والاجتماعية الوطنية الإسلامية لا ينبغي أن تعالج الأمور بردود الأفعال أبدا. وهذا يستوجب استيعابا حقيقيا لمسألة الصراع بأطرافه المختلفة.
5 ـ تكرّر العدوان على قيم الإسلام والتاريخ والوطن مرارا وتكرارا من هذه الصحيفة وغيرها (بالمقالات بالرسوم الساخرة، بنصوص لكتّاب محسوبين على المعرّبين) الخ..، ولكن لم نرَ مواقف ضد هذه «الخرجات» غير اللائقة في المستوى المطلوب، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والوطنية، وفي ذلك ما فيه من دلالات ومسؤولية السلطة هنا واضحة بيّنة.
6ـ مشكلة هذه الصحف وسواها من المنابر …أن أصحابها وملّاكها وربما كثير من محرّريها أنهم «مؤدلجون»(فوق اللزوم) لديهم قناعاتهم المتكلّسة الصلبة (الخاطئة بالتأكيد) عن الإسلام كدين؛ حيث يربطونه (الإسلام) بكل سوء وسيء ومذموم ومكروه وآخر التقليعات ربطه بالإرهاب وهذا يطرح إشكالا كبيرا في مسألة الحوار الجاد بين أبناء المجتمع الجزائري، ويطرح مشكلة الانفتاح على الآخر الذي ليس بالضرورة «عدوّا» وليس بالضرورة «سيئا».
وفي الحقيقة هذه مسؤولية السلطة التي ينبغي أن تفتح المجال واسعا للتثاقف والتحاور والنقاش العلمي الهادئ الرصين، وتوفر لذلك كل الأدوات والوسائل لتتلاقح الأفكار وتتواصل العقول، ولكن يبدو أن هناك من له رأي آخر في هذه المسألة بالذات …الحوار والنقاش والتساؤل والتواصل والتفاعل.
7ـ إن من يتابع سير النقاشات والطروحات وتبادل الآراء في المجتمعات الأخرى يلحظ ذلك المستوى الرفيع من الطرح والنقاش، الذي قد يصل في حدّته إلى التهارش بالأيدي، والحماسة الزائدة في الإساءة إلى الطرف الآخر، ولكن «اختلاف الرأي لا يفسد للوطن قضية»… فكل ما يجري إنما هو لفائدة الوطن والمجتمع …ولكن عندنا الصورة تختلف …من اختلفتَ معه في الرأي …يقصيك ويعمل على «إزالتك» ومحوِك َ تماما، فردا كنت أو هيئة أو جماعة. وهذا أمر قبيح للغاية ولا تنهض المجتمعات إلا بالتنوع والاختلاف وإدارة الحوار بشكل فعّال وصحيح.
8 – يلاحظ أن الشُّقة أو «الفجوة» بين المتخاصمين في مجتمعنا تزداد وتتعمّق للأسف، على خلاف ما ينبغي أن تكون عليه وهي أن «تضيـق» وتتجه إلى المشتركات العامة (وهي كثيرة جدا وهامة جدا للجميع) وهذا إشكال لابد له من حــلّ؛ ولأنه مهمّ في استقرار المجتمع وانسجامه وتواؤمه، والاستخفاف بهذا الأمر قد يقود إلى نهايات مهلكة، يصير استخدام أمور أخرى غير الرأي والفكر والنقاش هي السائد…
9 ـ صناعة الفتــن والبلبلة والتشويه والتقبيح صناعة قديمة لها خبراؤها وفنانوها ومقاولوها وإحدى أهم الأدوات في إثارة الفتــن هي «الكلمة» سواء في صحيفة أو إذاعة أو قناة أو موقع أو وسيلة من الوسائل الأخرى الكثيرة. والإشكال في الاستخفاف بـ«دور الكلمة» بناء وهدما، والإشكال أيضا في بطء معالجة القضايا ذات الصلة بدور الكلمة ومسؤولياتها الكبيرة، فمن الواجب تأطير وتنظيم الأمور في هذا المجال، ولكن ليس على أساس سياسي (من معي ومن ضدي) بل على أساس قيمي مبدئي أخلاقي وطني. من يبني ومن يهدم؟
10 ـ صار الفضاء الأزرق الكبير مجالا رحيبا للتعبير عن الرأي والفكرة والرؤية، وهو أيضا مجال للرد والتصويب والتوجيه، ولكن الحاجة ماســّة لتعلّم أدبيات الحديث والحوار مع بعضنا، غير ذلك.
فما أجمل أن ينزل أهل الفكر والعلم والثقافة والخبرة والرأي السديد بثقـلهم ووزنهم وعلمهم في هذا المعترك تصويبا وتصحيحا وتنويرا، دون تجريح، ودون مزايدات، ودون مصادرة للنوايا، بل بأدب جمّ وفكر ثاقب وحجــة قوية ناهضة، وأسلوب مؤثر حكيم…فلقد أثبتَ هذا الفضاء أنه يمكن أن يُميل الموازين حيـن تستقيم الأقلام والأفكار .. ويكون الانتظام في التوضيح والإنارة والتذكير، دون انفعال وفي غير سياق ردود الفعل، وكل ذلك يُسلم إلى «إيقاف» العدوان على الإسلام الذي يكاد يتحوّل إلى «موضة».

المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى