مقالاتمقالات مختارة

“جوهر دوداييف” فكرة.. والفكرة لا تموت

بقلم هيا توركو (كاتبة شيشانية)

لم يأتِ الإنسان عبثاً، بل إنه قد بُعِثَ لِيترك أثراً طيباً في هذه الحياة، شتان بين من يغادر الحياة بدعوة مظلوم وخطيئة مقهورٍ كمن يظلم الشعوب ويستبدّها ويَبيدها، وبين من يغادر الحياة بكلمة حق ترد للأمة حقها المسلوب.

ها قد مضى أكثر من عشرين عام على رحيل القائد جوهر دوداييف أو دعونا أن نقول اغتيال القائد، فالقائد لا يرحل وإنما يُقتل أو تغتاله أيادي الظلم، يظل القائد قابعا يترصد طريق جنوده، يضيء لهم دروب النصر، وجوهر كان ولا يزال شمعة الشعب الشيشاني التي لا تذوب، إشارة ضوئية تقف في قارعة الطريق وتوجه الشعب الشيشاني كيفية المضي نحو الحصول على حقهم في الاستقلال، جوهر دوداييف.. إنه جوهر الأمة الإسلامية المقاومة.

ولد جوهر في ١٥ شباط ١٩٤٤ في قرية يالخوري في الشيشان، وتربي في كازاخستان مع عائلته التي هجّرت في عام ١٩٤٤ ذات سنة ميلاده حيث كان لا يزال رضيعاً، ليعود فيما بعد إلى أرض الشيشان وهو ١٣ عاماً، في سنة ١٩٥٧م. درس في كلية الطيران العسكري ونال أوسمة عديدة ليكون دوداييف أول مسلم يحصل على منصب قائد لفرقة عسكرية في القوات الجوية السوفييتية آنذاك. كان جوهر بمثابة رجل حق لا يُساق إلى الباطل حتى لو كان ذلك يخدم مصالحه الشخصية، ولقد اختار طريق الحرية الوعر على طريق النفاق السياسي المزهر.

إلى أن أتى يوم طلبت فيه روسيا من جوهر أن يتصدى لحملات الاستقلال التي تشن في بلاد البلطيق طالبة منه أن يستعمل قوته العسكرية ليرفض ذلك بكل قوة قائلاً جملته المشهورة (لا أحارب قط شعبا يناضل من أجل استقلال بلاده) لتعلن بعدها روسيا حربها مع جوهر وتقوم بنفيه إلى غروزني حينها، فيما تقدم دوداييف بعد ذلك باستقالته.

كيف سيسطّر التاريخ بطولات الشعب الشيشاني إن لم يكن بيننا جوهر وشامل باساييف وخطاب العربي وغيرهم

استمرت الخلافات بين جوهر وروسيا حتى عام ١٩٩٦ حتى قامت روسيا الشيوعية باغتيال القائد وبتعاون مع ملك عربي خائن عبر تدبير اتصال هاتفي بين الملك العربي وبين جوهر ليتم حينها تحديد موقع جوهر دوداييف عبر الهاتف وقصفه بقاذفات مقاتلة روسية نوع سوخوي 25 في 21 نيسان من عام 1996 في قرية جيخي تشو جنوب الشيشان. بعد مقتل البطل جوهر دوداييف، راح العديد من الناس يقتلون فكرة الحرية، بالرغم من أن جوهر فكرة والفكرة لا تموت، إلا أنهم قتلوا في البعض هذه الفكرة.

يقول جوهر دوداييف رحمه الله: (العبد الذي لا يطمح للتحرر من عبوديته يستحق عبودية مضاعفة). يحارب البعض جوهر بأفكاره مدّعين أن جوهر لم يجلب للأمة إلا الدمار والحروب والتشرد والقتل (قائلين أنه لا يجيد السياسة)، ولكن في الحقيقة أن الشعب الشيشاني بأسره ممتن لما قدّمه الشهيد للشعب الشيشاني من هيبة ووقار.

ماذا لو لم يكن فينا جوهر؟، كيف لنا أن نتحدث حينها عن الحرية، وقيود الشيوعيين حينئذ تضيق حول ذرائعنا، كيف سيسطّر التاريخ بطولات الشعب الشيشاني إن لم يكن بيننا جوهر وشامل باساييف وخطاب العربي وغيرهم؟ هم دفعوا ثمن حريتنا، باعوا أرواحهم واشتروا لنا الإسلام وهل هناك أغلى من سلعة الله!!

أذكر منذ نحو خمسة أعوام شاهدت فيديو على اليوتيوب كيف لم يقبل القائد زليم خان التفاوض مع روسيا حتى يغير يلتسين الروسي مكان جلوسه طالبا منه أن يجلس مقابله مباشرة لا إلى جنبه، ليصر زيلم على ذلك ولا يقبل التفاوض ولا حتى الجلوس إلا بعد أن أرغم يلتسين بالجلوس مقابله.. فأي وقار هذا؟ يقول جوهر في وجه جنرال روسي: (يجب أن تقتلوا كل الشيشان في العالم حتى تستطيعوا قول كلمة انتصرنا فإن بقي شيشاني واحد سينجب ويحاربكم وسننتصر). بإمكانهم قتلنا وتشريدنا وسحق عظامنا بالدبابات ولكنهم لن يستطيعوا محو روح الحرية والاستقلال منا.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى