جواهر التدبر (٢٩٥)
مقومات الوعي الجمعي(٥)
بقلم أ. د. فؤاد البنا
– إبراز العداوات الخارجية واستخدام مبدأ المماثلة:
من الأمور التي تنسي البلدان والجماعات خلافاتها الداخلية، استحضار مؤامرات العدو الخارجي، وبلا شك فإن أمة الإسلام تناصبها العداء أطراف متعددة حتى ليمكن القول بثقة بأن “الكفر ملة واحدة”، كما جاء في الأثر، وهذا لا ينفي بالطبع الاختلافات النسبية بين ملل الكفر، ولا يلغي المبدأ القرآني في هذا الإطار والذي يقول عن الكفار وأهل الكتاب بالتحديد: {ليسوا سواء}.
ومع أن تعايش المسلمين مع غيرهم أمر مطلوب، ولكن لا يصح أن ينسيهم أحقاد الأعداء، ولا ينبغي لهم أن يغفلوا عن المؤامرات التي تحاك ضدهم والمحارق التي تعد لهم، ويجب استثمار العداوات والحروب التي تهب عليهم من خارج بلدانهم في ردم الفجوات الداخلية بين مكونات المسلمين وصهر الفوارق القائمة بينهم؛ بحيث يصبحون كتلة واحدة بحق ويرصّون صفوفهم، على الأقل في المنطلقات العامة والغايات الكلية التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وما يمتلكون من ثروات أمام ظاهرة التكالب عليهم التي تعتمل في واقعنا المعاصر بشكل سافر !
ولو أخذنا مفردة القتال وهي منتهى منظومة العداوة، سنجد أن الله يؤكد لنا ثبات العداوة التي يحملها مخالفو الإسلام ولا سيما أهل الكتاب الذين يفترض أنهم الأقرب للمسلمين، فقد قال تعالى عنهم: {ولن ترضَ عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: ١٢٠]، وبالطبع فإن حرف (لن) يستخدم في لغة العرب للنفي وهو هنا تأبيدي؛ لأن الخطين الموازيين لا يمكن أن يلتقيا، واتباع المسلمين لملل الكفر مستحيلة، على الأقل بالنسبة للمجموع!
ومن المؤكد أن الأمر ليس مجرد مشاعر قلبية بعدم الرضى عن المسلمين أو بالكراهية لهم، فإن شعور الأعداء باحتكار الحق والامتلاء بمشاعر الغرور ونشوة القوة؛ يزرع فيهم اعتقادا بإمكانية دفع المسلمين لاتباع ملتهم، عبر الغزو الفكري والعسكري وسائر وسائل الترغيب والترهيب وأساليب الإغراء والإغواء!
ومن هذه الأساليب الاندفاع لمقاتلة المسلمين كلما وجدوا فرصة سانحة لذلك، كما قال تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: ٢١٧]، ومن الواضح أن جملة (ولا يزالون) تحمل معنى الديمومة والاستمرار وتؤكد الإصرار والتصميم.
ومع أن أتباع كل ملة يحقدون على أتباع جميع الملل والنحل نتيجة اعتقادهم بامتلاك الحق المطلق؛ فإن الحقد يزداد على الإسلام نتيجة وجود ثلاثة عوامل:
الأول: القوة الذاتية للإسلام والتي جعلته وتجعله قادرا على كسب عقول البشر وقلوبهم واجتذاب أعداد كبيرة إليه منهم، حتى في عصور تخلف المسلمين وسوء تمثيلهم لقيم الإسلام، كما في عصرنا هذا فهو أكثر الأديان انتشارا، كما تقول الأرقام الصادرة من جهات كثيرة، رغم الأوضاع المشينة للمسلمين والتي تشوه صورته!
الثاني: ظهور الإسلام تأريخيا في آخر سلسلة الأديان، بعد الملل والنحل كلها وخاصة الكبيرة، وتوسعه بشريا وجغرافيا على حسابها، فقد قضى على عبادة الأصنام والأوثان في شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا وغربها ووسطها، وأطفأ النار المقدسة عند المجوس إلى الأبد في بلاد فارس وحل محلها، وتوسع على حساب الهندوسية في مناطق شاسعة من شبه القارة الهندية، وانتزع بجهاده الناعم إندونيسيا وماليزيا ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا من البوذية، وانتزع من المسيحية بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا كلها وآسيا الصغرى ومناطق في شرق قارة أوروبا، وانتزع مناطق واسعة في شمال غرب الصين من الكونفوشية، مما جعل القائمين على جميع الأديان يحملون راية العداء للإسلام معتقدين أنهم يثأرون لهزائمهم في الماضي، ويستبطنون شعورا بالخوف من منافس أقوى منهم!
الثالث: الموقع الوسطي والعبقرية الجغرافية، فإن معظم مساحة العالم الإسلامي تقع في قلب اليابسة التي يستوطنها البشر وفيها ظهرت كبرى الديانات والحضارات، مع سيطرة على أهم البحار والمضائق في العالم، ومن ثم فإن لبلدان المسلمين حدودا ملتهبة بسبب انشداد أولئك إلى الماضي، فالعالم الإسلامي له حدود واسعة مع الهندوسية والبوذية والكونفوشية وهناك حدود تماس أكبر مع العالم المسيحي، أما المجوسية فقد انتهت منذ زمن، واليهودية قليلة العدد لكنها كثيرة الحقد وخاصة بعدما صار أتباعها في عصرنا أكثر نفيرا!
وبالطبع فإن الصراع الأكثر التحاما من الناحية الجغرافية والتاريخية هو مع العالم المسيحي، بحكم عوامل كثيرة من ضمنها أن النصارى والمسلمين أكبر أمم الأرض عددا، ويتنافسان استراتيجيا على صدارة العالم، بجانب أن العالم المسيحي ليست له نقاط تماس مع الأمم الأخرى لا البوذية ولا الهندوسية باستثناء نقاط بسيطة جدا مع الكونفوشية عند الحدود الصينية الروسية، مما جعله يصب أحقاده كلها على الإسلام والمسلمين!
وعن دعوة الإسلام لمعتنقيه إلى استخدام مبدأ المماثلة في القتال الجمعي، قال تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}، وهو رافد جديد للتسلح بالوعي الجمعي.