مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٧٧) .. شمائلُ المخبتين

جواهر التدبر (٢٧٧)

شمائلُ المخبتين

 

بقلم أ.د.فؤاد البنا

– معادلة الإخبات:
ذكر القرآن الكريم أن القلوب المريضة والقاسية تمثل بيئة خصبة لشبهات الفتنة التي يلقيها الشيطان [الحج: ٥٣]، وانتقل للحديث عن المؤمنين الذين يمثلون النقيض للكافرين، فقال عنهم جلّ ذكرُه: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} [الحج: ٥٤]، فالذين يملكون حظا من العلم النافع في أي من حقول المعرفة، حينما يقرؤون القرآن بروية وتدبر يعلمون أنه بكماله وجماله لا يمكن أن يكون إلا كلام الله صاحب العلم المطلق والقدرة التامة والحكمة التي لا منتهى لها، وهذه بعض معاني كلمة (الحق من ربهم)، ويقودهم العلم بأن القرآن حق إلى الإيمان به كمصدر للهداية والتوجيه، وهذا يقودهم بدوره إلى امتلاء القلوب بالإخبات للقرآن، وهو الخضوع والتذلل والانكسار والانقياد لكل ما يقوله، مما يمنحهم زاد الاستقامة الدائمة في سائر الأقوال والأفعال وفي شتى ميادين الحياة.
وهكذا فإن الإخبات ينطلق من تدبر القرآن وينتهي بالمسارعة إلى تطبيقه في كل زوايا الحياة الفردية والاجتماعية.

– القلوب السليمة:
أوضح الله أهمية عبادات القلوب وخطورتها في آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: ٨٨، ٨٩]، وصاحب القلب السليم هو من تتوافر له هذه الخصال:
١- أن تكون إرادته بقوة إيمانه بالله وعلى قدر يقينه بموعوده، وهذا يقتضي خلو القلب من شرك الأنداد. والأسباب
٢- أن يكون قلبه خاليا من الضغائن والأحقاد والحسد على ما منح الله غيره من فيوضات عطائه المادي والمعنوي، الدنيوي والأخروي.
٣ – أن يخلو قلبه من حب ما عدا الله، ذلك الحب الذي يجعله يسير في فلك الحبيب ويجعل كل ما سواه سبباً للوصول إليه ووسيلة لاجتلاب مرضاته واجتذاب رحمته، ولا نقصد بالحب العاطفة الطبيعية التي لا تحولك إلى عابد للمحبوب.
٤ – أن يزخر قلبه بالخوف من الله وإجلاله وتعظيمه والرهبة بين يديه، ويخلو من الخشية لغيره، بحيث يطمئن قلبه إلى أن من يملك أنفاس الحياة وأسباب الرزق هو الله، وأن كل من عداه وما عداه لا يملكون ضراً ولا نفعا لأحد من الخلائق.
٥ – أن يمتلئ قلبه بالرضى التام عن الله في ما منح وما منع، وأن يؤمن بأن الله يحب له ما هو أصلح وأنفع، وأن يدفعه الإيمان بالأقدار إلى أن لا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما أعطاه.

– صفات المخبتين:
في إطار حديث القرآن عن شعائر الله ومناسكه في سورة الحج ورد قوله عز وجل: {وبشّر المخبتين} [الحج: ٣٤]، ثم افتتح آية جديدة أورد فيها تعريف المخبتين من خلال تعداد أبرز شمائلهم ومآثرهم، فقال عز من قائل: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [الحج: ٣٥]، ونستنتج من هذه الآية أن الإخبات ليس مجرد شعور يملأ القلب بالوجل بل هو منظومة كبيرة تتضمن سائر مقومات التقوى. ولكن لماذا نقل مصطلح الإخبات من منطقة المشاعر التي تسكن القلب إلى منطقة الأفعال العبادية الشاملة في محراب الأرض؟
يمكن اختزال إجابة هذا السؤال بالقول بأن الإخبات يخلق الدافع القوي للتخلق الحسن، والصبر الجميل، والعمل الصالح، ويحث على إقامة الصلاة بأركانها المادية والروحية وهي عنوان لحقوق الله، وعلى إعطاء الزكاة ومد اليد بالصدقات بطيب نفس ومن دون منٍّ أو أذى، وهي عنوان لحقوق الإنسان!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى