مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٧٠) .. لفتاتٌ حول الموضوعية

جواهر التدبر (٢٧٠)

لفتاتٌ حول الموضوعية

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– التركيز على المرض:
إن مصطلح المرض بظلاله السلبية، والذي يصيب قلوب صنف من المنافقين، ورد في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضعا، ولم يصف الله هؤلاء بأنهم مرضى في أي موضع منها وإنما ظل يقول: {الذين في قلوبهم مرض}، وهذا توجيه رباني إلى مهاجمة المرض لا المرضى وكره المعصية لا العصاة، وهذا بالطبع بعد استنفاد الأدوية والتأكد من العجز عن المعالجة بإكسير الحكمة!
وللعلم فقد وسَم الله الناس بالمرض في عشرة مواضع سواء بالمفرد أو بالجمع، وكلها تتحدث عن المرض الحسي الذي يصيب أجسام جميع الخلق، ولا علاقة لها بالمرض المعنوي، مما يبين دقة المصطلحات القرآنية ووصوله إلى منتهى الموضوعية والرأفة حتى بمرضى القلوب!

– دقة الوصف وعدم التعميم حتى مع الكافرين:
أوردنا في كتابنا (التفكير الموضوعي في الإسلام) آيات عديدة تبين موضوعية الإسلام وعدله في النظر لغير المسلمين، والتعامل معهم بما يراعي الفروق الموضوعية والذاتية بينهم، واستوقفتنا هنا آية تبين مدى دقة التعبير القرآني رغم انبنائه على الإجمال، مع ما يحمل ذلك من إمكانية التعميم؛ فلقد قال تعالى: {وقطّعناهم في الأرض أمماً منهم الصالحون ومنهم دون ذلك…} [الأعراف: ١٦٨]، فلم يقل الله: ومنهم الكافرون أو الفاسدون ولكن قال: {ومنهم دون ذلك}، وهذه العبارة تشمل كل ملل الكفر بمختلف درجاته، والشرك بجميع أنواعه، والنفاق بمختلف نوعياته، والفسق بشتى دوائره، والعصيان بجميع اتجاهاته، ولأن كل هؤلاء ليسوا من الصالحين فإنهم يدخلون تحت سقف (دون ذلك)!

– أحسن الناس:
إذا تفحصنا آيات القرآن سنجد أنه في منتهى العدل والإنصاف في التعامل مع شتى البشر، حتى في التوصيف الذي يراعي درجات الإحسان ومستويات الإساءة، وبالطبع فإن الإحسان هي أعلى درجات معسكر الإيمان.
ولو تأملنا عبارات القرآن المتصلة بالإحسان؛ لوجدنا أن أحسن الناس هم من يحسنون التعامل مع من حولهم وما حولهم، ومن أبرز ملامحهم أنهم:
يتبعون أحسن ما أنزل إليهم من ربهم
يردون تحيات الناس بأحسن منها
يستمعون القول دون النظر للقائل فيتبعون أحسنه
لا يقربون مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
يجادلون من يختلف معهم أو يخالفهم بالتي هي أحسن
يجتهدون في أن يقولوا لعباد الله التي هي أحسن
يدفعون السيئات بالتي هي أحسن من الأقوال والأفعال.
وبلا شك فإن هؤلاء سيجزيهم الله بأحسن ما كانوا يعملون؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وقد قال تعالى: {وما جزاء الإحسان إلا الإحسان}

– الأعمال الصالحة للكافرين:
أخبرنا القرآن في مواضع عديدة وبصياغات متنوعة بأن الله يحبط أعمال الكافرين يوم القيامة؛ بسبب كفرهم وكرههم لما نزل الله، ويتضمن هذا الإحباط اعترافا إلهيا بأن لهم أعمالا صالحة وأخلاقا حسن ولكنها تتبخر وتصير مجرد سراب عندما تسطع عليها شمس الكفر!
ولا يتوقف عدل الله عند الاعتراف بمحاسن الكافرين، ولكنه يتجاوز ذلك إلى إعطائهم التمكين في الأرض إذا كانت القيم التي تقوم عليها الحضارة عندهم أكثر فاعلية من قيم المسلمين، كما نرى في عصرنا الحديث، وهذا ما قرره الله في كتابه الكريم حينما قال: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين}[الأنبياء: ١٠٥، ١٠٦]، ومن الملاحظ أن الله سماهم (عبادي الصالحون) أي الصالحين لعمارة الأرض وصناعة الحياة، أما في الآية الثانية فقد جعل الله تعالى هذه الحقيقة المؤكدة بمؤكدات لفظية ومعنوية، جعلها بلاغا لمن يعبدون الله؛ حتى يدركوا أن الله لا يحابي أحدا من خلقه وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن أجر إحسان العمل هو التمكين الدنيوي، ومن ثم فإن على المسلمين أن يتخلقوا بأخلاق ربهم في العدل مع الخصوم والأعداء ومن باب أولى مع بعضهم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى