مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٦٧) .. أسلحة معنوية للمؤمنين

جواهر التدبر (٢٦٧)

أسلحة معنوية للمؤمنين

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– سلاح التحريض:
التحريض سلاح معنوي فتاك؛ حيث يرفع من فاعلية المؤمنين ويفل بأس الكافرين ويطمس فاعليتهم النسبية، وهذا جزء من وظائف التوجيه المعنوي كما نرى في واقع العالم المعاصر كله، وقبل هذا وبعده، نستنبط هذا المعنى من بعض آيات القرآن الكريم.
وبالنسبة لدور التحريض في رفع فاعلية المؤمنين، قال تعالى: {يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال: ٦٥]، فالتحريض الإعلامي يزيد من صبر المؤمنين وثباتهم، حيث يُذكي طاقاتهم المخبوءة ويشعل شجاعتهم الكامنة، ومن ثم فإن فاعليتهم ترتفع بحيث يصبح المتوسط العام لقوة المؤمنين بمعدل مسلم مقابل عشرة من الكفار، مع وجود مؤمنين بفاعلية أكبر من هذا الرقم بكثير، من أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن معد الزبيدي وسعد بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي!
وعلل القرآن الفارق الكبير في الفاعلية بأن الكفار لا يفقهون، وهي عبارة عريضة تحتوي على الجهل بكثير من السنن والأفكار والأسرار التي تفجر طاقاتهم وتقوي عزائمهم وتعلي فاعليتهم الكبيرة، وأولها الإيمان بالله وبأقداره المطلقة، وباليوم الآخر وما يحتويه من مقاعد عالية في أعلى الجنان الخالدة للمجاهدين والشهداء، وآخرها الصبر والثبات!
وبالنسبة لدور التحريض في تحييد بأس الذين كفروا، قال تعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلا} [النساء: ٨٤]، وقد ثبت في المعارك التأريخية للمسلمين أن سلاح التحريض الذي يرمز هنا للحرب المعنوية عموما وما تفعله وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في عصرنا من قصف فتاك وقتل ناعم، حيث يلعب التحريض دورا مقدرا في إرعاب الأعداء وملئ قلوبهم بالهلع وتسلل الهزيمة إلى دواخلهم من الثقوب المشار إليها في خاتمة الآية الأولى: {بأنهم قوم لا يفقهون}، مما يضعف فاعليتهم ويصيب وعيهم الجمعي بالتلف، ويزلزل ثقتهم بأنفسهم وما يحملون من عقائد وأفكار ومشاعر، دافعاً إياهم نحو الانهزام، خاصة إن أجاد قائد المسلمين عمل تكتيكات ذكية تُظهر قوة جنوده وبأسهم وانضباطهم وإقدامهم وعشقهم للموت، كما كان يفعل القادة العظام للمسلمين!

– سلاح الذكر:
وحول هذا السلاح المعنوي المؤثر قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الأنفال: ٤٥]، وهذه الآية توجه المؤمنين إلى تجاوز خوفهم البشري الغريزي والدوس على هواجسهم المنبعثة من المكون الترابي، عبر التسلح بعزيمة الثبات والتصميم على الانغراس في الأرض حتى يصبح الفرار خارج قاموس المقاتلين، مع تذكر أن الفرار من الموبقات السبع التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أنها تورد أصحابها النار إن ماتوا بدون توبة بجانب أضرارها الدنيوية الفادحة، وبعد ذلك وأثناءه ينبغي اللجوء لذكر الله فرديا وجماعيا بحسب الظروف والحاجة، بحيث يلهج اللسان بذكر الله وتمتلئ الجوانح بمشاعر جلال الله وعظمته، وتذكر قدرة الله التي تحكم هذا الكون وتستطيع أن تقول للشيء كن فيكون، وتذكر نصره عز وجل للمؤمنين مهما كانت فئتهم أقل عددا وأضعف عدة، ما داموا قد بذلوا المستطاع واستفرغوا الوسع، وما داموا ينصرون دينه ويثبتون في مواجهة الأعداء، مؤمنين بأن المنايا لا تأتي قبل الأوان، وأن الآجال لا تتقدم ولا تتأخر، هذا كله بجانب استحضار أن الشهادة اصطفاء رباني لا يمنحه الله إلا للأصفياء من خلقه، وأنها ترتقي بأصحابها إلى مقامات الرفعة بجانب النبيين والصديقين.
وللذكر الجماعي دور كبير في الثبات وارتفاع المعنويات مقابل انخلاع قلوب الأعداء الذين يفعل فيهم ذكر الله فعل السحر، بمؤثر غيبي لا يعلمه إلا الله ومؤثر سنني تعلمه علوم النفس والتوجيه المعنوي في كل جيوش العالم وأجهزته الاستخبارية!
وهنا ينبغي التفريق بين الذكر الفردي في النفس الذي ينبغي أن يظهر كمال الانكسار والتذلل بين يدي الله، وبين الذكر الجماعي الذي ينبغي أن يكون من القوة بمكان؛ بحيث يحقق هدفه المنشود باقتحام الدواخل وزلزلة القلوب!

– سلاح الرعب:
ذكرنا في الفقرة السابقة أن لذكر الله تعالى أثناء القتال تأثيرا رهيبا على قلوب الأعداء بفعل غيبي وآخر سنني، وقد يكون الفعل الغيبي ما أورده الله تعالى في قوله: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين} [آل عمران:  ١٥١]. وهذا وعد رباني من المولى عز وجل بأنه سيلقي في قلوب المشركين الرعب؛ بسبب شركهم بالله ما لم ينزل به سلطانا، بجانب العقوبة الأخروية.
وينبغي أن يكون المؤمنون جنود الله في زرع أسباب الرعب داخل قلوب الأعداء، كما كان يفعل السلف الصالح، ومن هؤلاء الصحابي المعروف القعقاع بن عمرو، فقد ورد في كتاب (أسد الغابة) لابن الأثير قول أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: “لصوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل”!
وإن الصوت الواهن الذي اجتهد صاحبه في إطلاقه بأقصى قوته سيصبح زئير أسد حينما يصل إلى أسماع الكافرين مقتحما قلوبهم!
واتكاءً على تدبر الآية نختم بفائدة أخرى، فحينما تنقلب المعادلة لا قدر الله، ويصيب المسلمين الرعب من مقابلة الكافرين، فينبغي أن يفتشوا قلوبهم للبحث عن الشرك الخفي الذي أورثهم الخوف، مثل تعظيم الأسباب والتعامل معها كأنها أنداد لله، من حيث إضافة النفع والضر لها، مع مراجعة واقعهم للبحث عن الثغرات ونقاط الضعف لمعالجتها وتكميل جوانب النقص!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى