مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٦٤) .. أنواع الهداية (١)

جواهر التدبر (٢٦٤)

أنواع الهداية (١)

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– هداية السنن:
قال تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم} [النساء: ٢٦]، فقد احتوت قصص القرآن الكريم على سنن الله في التقدم والتخلف، الاتحاد والتفرق، القوة والضعف، الانتصار والانهزام، وأظهرها عز وجل وهي تعمل في الواقع لمن كان له عقل يتفكر في طرائق إعمالها وقلب يتدبر في كيفية توطينها واستثمارها، وفؤاد يعتبر بمآلاتها.

– هداية الاعتبار:
قال تعالى: {أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم} [طه: ١٢٨]، وسنة الإهلاك هي من السنن المذكورة في القرآن، ومن يبذلون الجهد في فهم القرآن فإن الله يمنحهم هداياته المتعددة ومنها هداية الاعتبار، ولقد نبه الله الذين تصل إليهم وراثة الأرض أن يدرسوا العوامل التي نزعت هذه الأرض من سابقيهم وأوصلتها إليهم فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}[الأعراف: ١٠٠]، ذلك أن تكرار نفس الأسباب يستدعي نفس النتائج، وهذا الأمر لا يتخلف ولا يتبدل أبدا.

– هداية الإلهام:
بجانب خلق الله للإنسان من عنصري القبضة الترابية والنفخة الروحية، فقد ألهم كل نفس بشرية نزعتي الخير والشر، فقال تعالى: {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها}[الشمس: ٧، ٨] واستعدادات الانبعاث موجودة في عنصري التراب والروح، وقد بدأ بالفجور قبل التقوى، لأن الفجور من أوضار التراب، والإنسان خلق من التراب قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، وتقوم التقوى بمجاورة الفجور.
وذكر الله هذا الإلهام بلفظ آخر وهو الهداية، وذلك في عدد من الآيات، مثل: {وهديناه النجدين} [البلد: ١٠] اي ألهمناه معرفة طريقي الخير والشر، ولكي يبين الله أن هذا الإلهام محايد وأن الإنسان هو الذي يختار أو يرجح احد الطريقين، فقد قال تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان: ٣].

– هداية الدلالة والإرشاد:
وهذه الهداية مبذولة من جميع الأنبياء ومن ورثتهم في وظيفة الدعوة إلى الله على بصيرة في كل زمان، ولكل الناس والأقوام والأمم، كما حدث لقوم ثمود، قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: ١٧]، حيث أبان لهم نبيهم صالح طريق الرشاد بكل معالم الهداية الضرورية للانسلاك فيه، لكنهم رفضوا اتباعه والسير فيه وأصروا على الانسلاك في سبل الغي، رغم دعم الهداية بمعجزة الناقة!
وقد أوضح هذا الأمر بصورة أكبر مؤمن آل فرعون حينما قال: {يا قومي اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد} [غافر: ٣٨]؛ بمعنى أن سبيل الرشاد لا يصبح متاحا بمجرد قيام الهادي بدوره، ولا بد بجانب ذلك من اتباع المدعوين للداعية؛ لأن سبيل الحق يوصل إلى الجنة ولا يدخل أحد الجنة إلا بملء إرادته وإيمانه الاختياري وبأعماله الصالحة التي يجترحها خالصة لوجه ربه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى