مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٥٨) .. القوام المعنوي للحياة

جواهر التدبر (٢٥٨)

القوام المعنوي للحياة

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

الحياة هي المرآة التي يتجلى فيها جمال الإنسان أو قبحه، خيره أو شره، سموّه نحو درجة الملائكية أو انحطاطه في اتجاه دركة الشياطين، وكما أن للإنسان قوامين متصلين بالجانبين المادي والمعنوي (الروحي)؛ فإن للحياة قوامين بذات الطريقة.
وحينما نتمعن في آيات القرآن سنجد أن الله تعالى قد جعل الماء عماد القوام المادي للحياة، كما قال جل شأنُه: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، واستخدم القرآن مصطلح شيء ليشمل الإنسان والنبات والجماد من باب التغليب لأن الجمادات أكثر من النباتات والكائنات الحية، أو أنه أراد القول إن الماء عماد حياة الأشياء الجامدة فمن باب أولى الكائنات الحية، مع وضع كلمة كل قبل شيء لتشمل كل أحد وتستغرق كل شيء، وهذا ما يؤكده العلم الحديث، وبإمكان القارئ الكريم البحث عن التفسير العلمي لهذه الآية أو الإعجاز العلمي فيها وسيجد الكثير من العجائب!
وبالنسبة للإيمان فإنه عماد القوام الروحي، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}؛ لأن الإنسان بدون عقل يتفكر وقلب يتدبر، ومن دون مشاعر ترفرف في الآفاق وأحاسيس تطير في الأجواء، إنما يصير أقرب إلى الأنعام أو الأموات كما وصف الكفار والمنافقين في أكثر من موضع في القرآن الكريم!
ورغم أن الماء شيء مادي والإيمان شيء معنوي فإنه يوجد بينهما قدر من التشابه، ويتجسد الجانب الأكبر من التشابه في أنهما سببان أساسيان لحياة الإنسان على هذه الأرض، وبدونهما تتصحر الأرض ويجدب القلب، وتأتي رياح الشر الخريفية على أوراق الخير الإيمانية!
وكما أن الماء يتكون من اتحاد عنصري الهيدروجين والأوكسجين، فإن الإيمان يتكون من امتزاج عنصري العلم والإخلاص، ومن العجيب أن القرآن استخدم المثال المائي حينما تحدث عن فقدان الأعمال لعنصري العلم والإخلاص أو أحدهما، فقال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..}، والأعمال هنا هي التي يتوافر لها عنصر العلم الذي يمنحها الشكل المادي، لكنها تفتقد للروح وهو الإخلاص، ولذلك فإنها لا تصير ماء يروي وإنما مجرد سراب يخدع الرائي!
ومن المؤكد أن الإيمان الحق يثمر أعمالا صالحة، لكن الأعمال بدون علم تصير ضلالاً يبتعد بالمرء عن جادة الاستقامة، وإذا فقدت عنصر الإخلاص صارت رياء ناقعاً!جواهر التدبر (٢٥٨) .. القوام المعنوي للحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى