مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٥٥) .. عطاء الفاعلية

جواهر التدبر (٢٥٥)

عطاء الفاعلية

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– يمين العطاء والجزاء:
يتخذ القرآن الكريم في العديد من آياته، من اليد اليمنى رمزا للفاعلية الإيجابية والعطاء الكريم الذي يفك الرقاب من ربقة العبودية، ويخلص البطون من جوع المسغبة، ويدفئ الأيتام من صقيع الفقد، ويحرر المساكين من ذل الحاجة، كما ورد في قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فكّ رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أولئك أصحاب الميمنة} [البلد: ١١ – ١٨]، فقد قدم الله صفات أصحاب الميمنة قبل ذكرهم، وجعلهم مقتحمين للعقبات ومعتقين للرقاب ومطعمين للجوعى ولا سيما الأيتام والمساكين، بجانب التسلح بالإيمان العميق والتواصي بالصبر والتراحم.
وكأن اليد اليمنى هي الناظمة لكل هذه الأعمال، فهي التي تزيل العقبات من طريق الضعفاء، وهي التي تفك رقاب المساكين وتخلصها من أغلال العبودية والضعف والاستكانة، وهي التي تمتد لبلسمة جروح المنكسرين وإعطاء المحرومين، فتجفف دموع اليتامى وتمسح على رؤوس المساكين!
ولأن الجزاء من جنس العمل فإن الذين مدوا أيمانهم بما جادت به أنفسهم السخية؛ سيجازيهم الله يوم القيامة بجعلهم يأخذون كتب أعمالهم بأيمانهم، والذين أدخلوا السرور إلى قلوب المكلومين والمحرومين سيرزقهم الرحمن سرور الفرحة الكبري حين استلامهم لكتبهم بأيمانهم، كما قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا} [الانشقاق: ٧ – ٩].

– حياة الفاعلية:
يتقلب المسلم المعاصر بين الأفكار الميتة المتدحرجة من أعماق التأريخ وبين الأفكار المُميتة والقادمة من أكناف المادية الغربية؛ إذ تتضافر مع بعضها وتتظاهر لتطفئ فاعليته، مهما اختلفت في المنطلقات والمقاصد، وبدون الحركة والفاعلية فإن المرء يعد في عداد الموتى، والحياة لا تكون إلا ثمرة وحي رباني يربط العقل بالنقل وعالم الشهادة بعالم الغيب، ويوصل الأرض بالسماء والدنيا بالآخرة، ولهذا فقد قال تعالى: {يا أيها الذي آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}؛ ففي الوحي إكسير الحياة للعقول والقلوب والأرواح!
وفي المقابل فقد وصف الله الذين يدعون من دون الله بأنهم {أموات غير أحياء وما يشعرون ايان يبعثون} [النحل: ٢١].
ولقد قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصم الدعاء} [النمل: ٨٠]، وكرر العبارة ذاتها في مقام آخر، وذلك في الآية الثانية والخمسين من سورة الروم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى