جواهر التدبر (٢٥٣)
أهمية التفكر في المآلات
بقلم أ. د. فؤاد البنا
– التفكير بمآلات المحرمات:
عندما نتدبر القرآن نجد أن الله يريد منا إيمانا يقينيا جازما يقوم على البراهين العقلية والمنطقية والمصلحية والواقعية، وهذا لا ينطبق على العقيدة وأركان الإيمان فقط، ولكن على كل شرائع الإسلام وأخلاقه، حيث يريد منا أن نعرف أسرار الواجبات وثمارها المرجوة، وأن ندرك أضرار المحرمات ونفكر يمآلات التمادي فيها.
ومن الآيات التي دعتنا للتفكير في أضرار المحرمات ومآلاتها، قوله تعالى: {قل تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} [الأنعام: ١٥١].
والشاهد في الآية يكمن في خاتمة الآية: {ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون}، فاسم الإشارة (ذلكم) استخدم للإشارة إلى كل ما مر من التوجيهات؛ ولذلك استخدم اسم إشارة للبعيد، ثم إن الله لا يوصي إلا بأشياء في غاية الأهمية وتدخل في صميم خدمة الإنسان حيث جلب المصالح في ما يتعلق بالكليات الخمس الكبرى ودرء المفاسد عنها، وحتى عندما تغيب عنا العلة في الإيجاب أو التحريم ينبغي أن نعتصم بأمرين:
الأول: الثقة القلبية اليقينية بحكمة الله، وأنه لا يوصينا إلا بما ينفعنا في المعاش والمعاد، والمشار إليه في جملة (ذلكم وصاكم به).
الثاني: التفكير العقلي في أضرار هذه المحرمات والبحث العلمي والنفسي والاجتماعي عن مآلات الانغماس فيها والتمادي في مقارفتها، والمشار إليه بقوله: (لعلكم تعقلون).
ولارتباط الأمرين ببعضهما ارتباط القلب بالعقل فقد صاغ الله الأمرين في عبارة واحدة لا يمكن تجزئتها!
– التفكر بمآلات الخطايا:
دعا الله المؤمنين للسير في الأرض وقراءة آيات الله في الأنفس والآفاق والاعتبار بمصائر الأمم والنظر في مصائر القرى التي عاقرت الخطايا واجترحت الآثام وكيف أصابتها مختلف الأضرار وصولا إلى تنزل العقوبات والعذاب الاستئصالي.
وعلى سبيل المثال حينما مر الله على قصة قرى سدوم التي كفرت بنبيها لوط واقترفت أبشع الخطايا، قال لمشركي قريش ولكل المخاطبين حتى قيام الساعة: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: ١٣٧، ١٣٨]، يعني أفلا تشغلون مدارككم العقلية لتروا كيف كانت النتائج (العذاب) من جنس المقدمات (الخطايا)، وإذا رأيتم ذلك هل تعتقدون أن تكرار نفس المقدمات لن يؤدي إلى ظهور نفس النتائج؟!
وذكر الله قصة أولئك المنحطين الشاذين في موضع آخر، وبعد أن ذكر كيف اجتثهم مع قراهم قال: {ولقد تركنا منها آية بيّنة لقوم يعقلون}[العنكبوت: ٣٥]، والآية البينة هي البحر الميت الذي بقي من آثار عذاب الله لتلك القرى الفاسدة، حينما خسف الله بها الأرض وجعل عاليها سافلها حتى صارت أخفض منطقة في الأرض، ثم طهرها الله بأمطار لا تصلح مياهها للحياة ولا للأحياء، ولكن من لم يعتبر بالآية المادية البينة فكيف سيعتبر بغيرها من الأمور المعنوية؟!