جواهر التدبر (٢٤٣)
من آداب الدعاء
بقلم أ. د. فؤاد البنا
– الانكسار أمام جلال الله:
يخبرنا استقراء قصص الأنبياء الواردة في القرآن بأن من آداب الدعاء إظهار كمال التذلل أمام باب الله والانكسار أمام جلاله، وتعمد اختيار أبرز عنوان لانكسارك في الواقع الذي تعيشه، فقد دعا نوح ربه بمظلوميته وغلبته أمام قومه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر}، ودعاه زكريا بكبر سنه وضعف جسمه: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي واشتعل الرأس شيبا}، ودعاه أيوب بمرضه الذي أضر بجسمه: {إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، واستعطف يونس ربه بتقصيره الذي قاده إليه ضعفه البشري، لكنه فزع من ذنبه وتاب منه وندم عليه: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
– طمع الداعين:
مع أن الطمع مصطلح ذو دلالات سلبية إلا أن له بعض الظلال الإيجابية حيث يأتي بمعنى شدة الرجاء من الله، ولهذا فقد كان الطمع مطلوبا في دعاء المؤمن لربه، كما قال تعالى: {وادعوه خوفا وطمعاً} [الأعراف: ٥٦]، بحيث يتم المزج بين الخوف من عقاب الله مع الطمع بعفوه وفضله بمقادير متوازنة، وقد أورد الله هذه الثنائية ضمن صفات المؤمنين فقال تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعاً..} [السجدة: ١٦]، وهذا يعني بأن الله يحب الطماعين الملحاحين بما في يديه من عفو ومغفرة ورحمة، مثلما أنه لا يحب الذين يطمعون بما في أيدي الناس!
– الحذر من الوقوع في الاعتداء:
الاعتداء منظومة متعددة الأبعاد ومتعدية المجالات، ويمكن أن تصل إلى الداعين لربهم، ولهذا فقد أوصى مولانا جل وعلا عباده فقال: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: ٥٥]، وفي قوله (إنه لا يحب المعتدين) تحذير من الوقوع في أي واحدة من صور الظلم، ومعناه المباشر مجاوزة الحد في مبناه أو معناه، ويتم في مبناه برفع الصوت بطريقة غير طبيعية، فقد ضبطت الآية السابقة إيقاع الداعي بقوله تعالى: (وخفية) أي بصوت واهن، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت في الدعاء، ويكون كذلك بالتكلف في الصياغة والانشغال بالألفاظ على حساب المشاعر!
أما الاعتداء في المعنى فيكون بتجاوز القوانين والسنن الإلهية وبتجاوز التعليمات الرحمانية، مثل سؤال الله تعالى ما لم يجوزه شرعاً من الإثم وقطيعة الرحم والحصول على أموال الآخرين أو الوصول إلى أعراضهم، أو طلب شيء من الله مع الانغماس في الحياة بأعمال تناقض الطلب!
قال ابنُ القيِّم: الاعتداءُ في الدُّعاء هو كلُّ سؤال يناقض حكمةَ الله، ويتضمَّن مناقَضَة شرعه وأمره، أو يتضمَّن خلاف ما أخبر به؛ فهو اعتداءٌ لا يحبُّه الله ولا يحبُّ سائلَه.”!