مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٧) .. ريح الرهبة

جواهر التدبر (٢٣٧)

ريح الرهبة

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

في إطار ترتيب القرآن للصف المسلم ورد قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}[الأنفال: ٤٦]، حيث احتوت الآية على أمرين ونهي، في الأمرين دعوة للتحلي بقيمتي طاعة الله ورسوله والصبر، وهما مصدر القوة والمنعة ورهبة العدو، وبينهما النهي عن السبب الأساسي في إهدار هذه القوة، وهو التنازع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح، والريح هنا تعبير عن الرهبة التي تسكن قلوب الأعداء من المسلمين بسبب ما يمتلك الإسلام من خصائص ذاتية وقوة هائلة تنعكس على أدائهم بالفاعلية، لكن التفرق يُذهبها بجانب تسببه في صناعة الفشل والهزيمة في المعارك الخشنة أو الناعمة، ويبدو أن في تسمية الرهبة بالريح إشارة إلى أنها تتجاوز الحدود والمسافات وتقتحم الجدران والقلاع وتتسلل إلى القلوب والنفوس بصورة غير مرئية، كما ورد في الحديث: “نصرتُ بالرعب مسيرة شهر”، هذه القوة المعنوية التي تحرص الجيوش على حيازتها وامتلاك مقاليدها، من أجل رفع معنويات جنودها وإرهاب خصومها، وتنفق في سبيل ذلك أموالا طائلة!
ولأن الرهبة قد تحسم المعارك قبل بدئها فقد أمر الله المؤمنين، بعد اثنتي عشرة آية من الآية السابقة، بإعداد كل قوة مادية ومعنوية ترهب أعداءهم، فقال عز من قائل: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..} [الأنفال: ٦٠].
وقد ازدادت خطورة الإرعاب المعنوي والإرهاب النفسي في عصرنا؛ بسبب التطور الرهيب في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لما تمتلكه من قدرات رهيبة في النفاذ إلى حنايا الإنسان والتأثير على قناعاته وقواه الخفية، ولأن الإعلام يحتاج إلى مال وفير، فقد ختم الله هذه الآية بقوله تعالى: {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون} [الأنفال: ٦٠]، ويكفي أن نعرف أن كل مال ينفق من أجل إرهاب أعداء الله فإنه ينفق في سبيل الله، لكي نعرف أهمية هذا الأمر وخطورته!
ونختم هذه الوقفة التدبرية بالإشارة إلى كلمة (ريحكم) التي وردت بلفظ المفرد، رغم أنها جاءت تعبيرا عن القوة المعنوية لأمة مترامية الأطراف تتكون من بلدان وطوائف ومذاهب وتيارات وجماعات وأعراق وألوان، وهذا تأكيد على أن الأمة جسد واحد وأن ذهاب ريح قسم منها هو ذهاب لريحها كلها!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى