مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٤) .. نفحاتُ التفاؤل

جواهر التدبر (٢٣٤)

نفحاتُ التفاؤل

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– ثمرة التفاؤل:
أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نلتزم بقيمة التفاؤل في كافة شؤوننا الحياتية، وأن نبتعد عن آفة التشاؤم من أي شيء أو التطير بأي أحد، ومنحنا القرآن عددا من الدروس المرتبطة بهذا الشأن عبر شخصية الكليم عليه السلام، فعند فرار موسى من فرعون بعد قتله بالخطأ لشخص قبطي، اتجه شرقا ناحية منطقة مدين، ورغم أن الأرض ضاقت عليه دائبا في البحث عن فرص ومتفائلاً بأن الله سيهديه لما فيه نفعه، كما قال عز وجل حاكياً عنه: {ولما توجّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} [القصص: ٢٢]، وقد هداه ربه كما أحب وربما أكثر؛ حيث اهتدى إلى المنطقة التي يسكنها نبي الله شعيب من غير معرفة سابقة، وهناك وجد السكن والعمل والزوجة الصالحة، وقبل ذلك وبعده وجد الهداية المتمثلة في رسول الله شعيب عليه السلام!
ونبقى مع الكليم موسى عليه السلام، ففي طريق عودته هو وأهله من مدين إلى مصر رأى من بعيد في ظلمات الليل بصيص ضياء، ويبدو أنهم كانوا في ظلام دامس وبرد قارس ومن دون وسيلة استضاءة أو تدفئة، فقال لأهله: {امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} [طه: ١٠]، فقد كان يطمع بقبس يستدفئ به من قرّ الصحراء القارس ويستضيء به في ظلمات الليل الحالك، بل وكان يتمنى أن يجد من يدله على الطريق بعد أن اختفت معالمه في دجى الليل البهيم، كما تفيد جملة {أو أجد على النار هدى}، وكان كرم الله أكبر من كل أمل وتفاؤل، فلم يجد مخلوقا يهديه إلى الطريق السالك إلى مصر، بل وجد خالق الوجود كله يدله على الطريق إلى السماء، حيث اختاره عز وجل ليكون هاديا إلى الله في حياة الابتلاء ومحرراً لشعب يعقوب من أغلال الاستعباد، بل وجعله كليما له وواحدا من أولي العزم!
لقد أراد قبسا يستدفئ به من برد الليل القارس فوجد الإيمان الذي يمنح الروح الدفئ والسعادة والأمان!
ورغم أن موسى واجه واحدا من أعتى جبابرة العالم، وهو وسط شعبه وجيشه، وفي ذات الوقت كان يواجه خذلانا رهيبا من الأقلية اليهودية المضطهدة التي خاطر بحياته من أجل تحريرها، لكنه لم يتوقف أبدا عن بث نفحات التفاؤل وإشعال مصابيح الرجاء، وعلى سبيل المثال حينما قال له قومه: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} [الأعراف: ١٢٩]، قال لهم في نفس الآية: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}، وكلمة (عسى) هذه تفتح بابا عريضا للرجاء من الله حيث النصرة والفرج والتمكين لعباده الصالحين. ونلاحظ حكمة موسى حينما قال (عدوكم)، ولم يقل أعداءكم مما يبث شعورا بأن الأمر أقل صعوبة مما يحسبون وأسرع تحققا مما يتوقعون!

– الرجاء الباعث على العمل:
يفرق الإسلام تفريقا حاسما بين الأماني والرجاء، فالأماني مجرد طاقة وجدانية لا يصحبها عمل من قبل الجوارح، لكن الرجاء طاقة عقلية وقلبية تملأ الجوانح باليقين في تحقق المطلوب وتذكي الجوارح للعمل الحثيث من أجل تجسيد الأماني وتحويلها إلى واقع، ومن ذلك قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: ١١٠]، فالراجي الحق هو الذي يعمل بجد ودأب لتحقيق المأمول، ويخلص هذا العمل مبتغياً به وجه الله، وهذا يرفع من مستوى تجويده وتحسينه؛ مما يجعل إنتاجية المسلم في منتهى الفعالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى