مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٣) .. منافعُ التعلم المنهجي

جواهر التدبر (٢٣٣)

منافعُ التعلم المنهجي

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– الاستفادة المثلى من العلم:
لقد مدح رب العالمين نبيه يعقوب عليه السلام فقال: {وإنه لذو علم لما علّمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: ٦٨]، يعني أنه صاحب عقل ذكي ومنهج سليم مما مكنه من الاستفادة المثلى من العلوم التي علمه الله إياها، وتخبرنا خبراتنا في الحياة بأن أناسا أجادوا استثمار معارف قليلة فنفعوا وانتفعوا، وذلك بسبب توافر المنهجية السليمة، ومن مفرداتها استحضار روح التعبد لله بطلب العلم والتصرف في الحياة بحسب ما تعلم، وكم وجدنا أناسا تزدحم المعارف في عقولهم لكنهم لا يستطيعون توليد أفكار منها ولا تنعكس على سلوكهم وأخلاقهم، ومهما فعلوا فإنهم لا يستطيعون استخراج حلول للمشكلات المستجدة من ثروتهم المعرفية المحفوظة، ذلك أنهم حينما حصّلوها وطّنوها في الذاكرة فقط ومن دون أي تفعيل لمدارك: التحليل والتركيب والاستنباط والاستقراء والخيال والنقد، مما يجعل فائدة المعارف محدودة، بل قد تصبح وبالاً على بعض أصحابها، كما حدث لكثير من الفرق التي حفظت ولم تفقه كالخوارج والشيعة!

– اتساع النفع وعمق التعقل:
يؤكد لنا المولى عز وجل عبر سؤال استنكاري أن الفرق شاسع جدا بين من يعلمون ومن لا يعلمون، فقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: ٩]، وقد ختم الآية بحصر التذكر والاستفادة من الثروة المعرفية في أصحاب العقول، وهم الذين شغّلوا المدارك العقلية كلها وليس الذاكرة وحدها التي تساوي سُبع العقل فقط، وكأن الآية تشير إلى أن من لم يُفعلوا مداركهم العقلية فإنهم يصيرون بلا عقول!
وفي هذا السياق يؤكد كثير من أساطين التربية أن حشو العقل بالمعلومات والمعارف من دون منهجية علمية في الطلب والترتيب والاستفادة، بحيث تهضم هذه المعلومات وتغربلها، وتضع ما هو نافع منها ضمن المنظومة الذاتية؛ إنما يجعل هذه المعلومات عبئا على العقل، ولا يستطيع صاحبها أن يبني عليها لكي يأتي بجديد!
ومما يؤكد أن التعلم المنهجي يحتوي على محطة غربلة تجعل صاحبها قادرا على التمييز ليس بين ما هو حسن وسيء فقط بل بين ما هو حسن وأحسن، قوله تعالى بعد بضع آيات من الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب} [الزمر: ١٨]، ونلاحظ كيف ختم الآية بعبارة أولو الألباب التي وردت في نهاية الآية السابقة، لكنه هناك أورد أنه لن يتذكر إلا أولو الألباب، وهنا أكد أن المتصفين بجملة من الصفات وآخرها القدرة على الغربلة والاستفادة مما هو أحسن، هم أولو الألباب!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى