مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٠) .. مآسي اليأس

جواهر التدبر (٢٣٠)

مآسي اليأس

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– انتحار اليأس:

الانتحار في الرؤية الإسلامية جريمة كبرى في حق الإنسانية كلها، ويستحق المنتحر الخلود في النار. وينقسم الانتحار إلى قسمين:

الأول: يتضمن إهلاك القوام المادي للإنسان من خلال إزهاق الروح وقتل الجسم بأي وسيلة أو طريقة.

الآخر: يتضمن القضاء على القوام المعنوي للإنسان، وذلك من خلال العيش في بيداء التشاؤم ورؤية العالم من ثقب أسود، وصولا إلى اعتناق أفكار اليأس ومعاقرة مشاعر القنوط؛ إذ يتسبب اليأس في قتل إرادة الإنسان واجتثاث عزيمته، ليصير سلبيا في شؤون حياته، حيث يصير متواكلاً غير معانق للأسباب، مما يجعله مجرد غثاء مرمي في قارعة الحياة، ويتولى سيل التيار الاجتماعي أخذه معه حيثما ذهب!

ولأن اليأس صورة من صور الانتحار أو قتل النفس؛ فقد وجدنا القرآن الكريم يقول: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يُذهبنّ كيده ما يَغيظ} [الحج: ١٥]، أي فليمدد اليائس بحبل إلى سقف بيته ثم ليشنق نفسه فيختنق ويموت، ثم لينظر هل يُذهب ذلك ما يجده في نفسه من غيظ نتيجة سوء الأوضاع!!

التشاؤم سلاح شيطاني:

لا توجد آية صريحة تؤكد أن التشاؤم من أسلحة الشيطان، لكن تدبر الآيات المتصلة بعداوة الشيطان عموما و تكشف عن أن حقن الإنسان بفيروز التشاؤم هو من أسلحة الشيطان الذي أخبرنا الله بأنه عدو ويجب اتخاذه عدوا، بإغلاق المداخل التي يتسلل منها، وتفعيل استراتيجية الحماية وعماداها الفكر والذكر، ذلك أنه لا ينفذ إلا إلى الجاهلين الغافلين الذين لا تنشط عقولهم في التفكير ولا تشتغل ألسنتهم وقلوبهم بالذكر.

ولقد أقسم الشيطان أمام الله بأنه سيفترس ذرية آدم، وسيستخدم كافة الأسلحة لتحقيق هذه الغاية، وذكر من ضمن اسلحته أنه سيأتيهم عن أيمانهم وشمائلهم، ومن معاني الأيمان والشمائل الإتيان بأفكار متطرفة عن جهتي اليمين والشمال، مثل الأماني التي لا تسمن ولا تغني من جوع، في مقابل التشاؤم الذي يزرع في المرء يأسا وإحباطاً يقتلان فيه إرادة التغيير والشغف بالحياة!

ومن المعلوم أن التخويف من أسلحة الشيطان، كما ورد في الآية ١٧٥ من سورة آل عمران، ويدخل التشاؤم والتطير ضمن التخويف، وإيقاع العداوة والبغضاء من أسلحة الشيطان، كما في الآية ٩٠ من سورة المائدة، والتشاؤم من أي إنسان أو التطير به يوقع العداوة والبغضاء. ويدخل التشاؤم ضمن نزغات الشيطان ووسوساته وفتنته التي ذكرت في القرآن كأسلحة شيطانية ينبغي الحذر منها!

وهكذا، فإن التشاؤم سلاح شيطاني لا يفله إلا سلاح رباني وهو التفاؤل الذي يقوي الأخذ بمنظومة الأسباب ويوثق رابط التوكل على الله، ويذكي العمل لتحقيق الأهداف المنشودة في هذه الحياة ضمن منظومة العبادة الشاملة لله.

ومن هنا فقد دعا الله المؤمنين للدخول إلى الإسلام من كافة الأبواب، ونهى في ذات الآية عن اتباع خطوات الشيطان الموجودة عند هذه الأبواب قاطبة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: ٢٠٨]، وكأن الانحراف عن أي باب من أبواب الإيمان، يمكن أن يتم من خلال خطوة واحدة من خطوات الشيطان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى