جواهر التدبر (٢٢٤)
أسلحة الشيطان
بقلم أ.د.فؤاد البنا
– موهبة إبليس:
يؤكد القرآن الكريم أن إبليس مصمم ذكي ورسام ماهر؛ فهو يزين الأعمال القبيحة لأصحابها حتى تظهر لهم في شكل لوحات فاتنة وألوان آسرة. وفي هذا الإطار قال تعالى: {وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم} [الأنفال: ٤٨]، وقد جاءت هذه العبارة في سياق الحديث عن مشركي قريش حينما حبب لهم الخروج لمقاتلة المسلمين يوم بدر، مع أن القافلة كانت قد نجت بقيادة أبي سفيان من تربص المسلمين، وذكر مثل ذلك عن تزيين قتل مشركي العرب عموما لأولادهم [الأنعام: ١٣٧]، وعن جرائم قومي عاد وثمود الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد [العنكبوت: ٣٨]، وعن قوم سبأ الذين زين لهم الشيطان عبادة الشمس [النمل: ٢٤]، وينطبق هذا التزيين الشيطاني على سائر الأمم الكافرة، فقد كان الشيطان حاضرا في تزيين انحرافها وتحبيب معاصيها، وإن كانت مشيئة الله قد سمحت ببروز حقيقة ذلك التزيين، لكن ذلك لا يقلل من جرم الإنسان ولا من دور الشيطان [الأنعام: ١٠٨].
وبلا شك فإن تزيين الخطايا للناس يسهم في إذكاء رغبتهم بها إلى حد الافتتان وفي دفعهم للمواظبة عليها إلى حد الإدمان!
– استحواذ الشيطان:
لأن الشيطان يدرك أن أسلحته لا تأثير لها في ظل حضور ذكر الله، فإنه يكثف وسوساته ويضاعف نزغاته، ولا يزال يحشد زيناته وإغراءاته حتى يُنسي المسلم التدرع بسلاح الذكر الذي هو درعه الحصين من سهام الوسوسة، وحينما ينجح في نزع درع الذكر عنه وإلباسه ثياب الغفلة فإنه حينئذ يكون قد استحوذ عليه تماماً، كما قال تعالى: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} [المجادلة: ١٩]، حيث ربطت الآية الاستحواذ بإنساء الذكر!
ولهذا فقد حذر الله من التفريط بسلاح الذكر، فقال تعالى: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف: ٣٦]، وإذا كان أحد الحكماء قد قال: قل لي من تصاحب أقل لك من تكون، فكيف نتوقع حال من كان الشيطان قرينه الذي يلازمه عن يمينه وشماله ومن أمامه وخلفه؟!
– دهاء الشيطان:
لا تكمن خطورة الشيطان فقط في كونه وذريته وجنوده كائنات خفية لا يراها الإنسان، وإنما في أنه نذر نفسه لاحتناك ذرية آدم كلها من غير يأس حتى من الأنبياء المعصومين، مع امتلاكه لذكاء حاد وعلم وفير في فهم النفوس البشرية والتعامل الماكر معها، مع وفرة في أسلحة الإغراء والإغواء في ظل القابلية التي يوفرها التكوين الترابي للإنسان، ويمتلك الشيطان بجانب ذلك نفسا طويلا ومثابرة غريبة، بحيث لا يترك أي ثغرة في تركيبة الإنسان دون أن يحاول الولوج من خلالها، ولخطورة الأمر فقد ألّف علماء عديدون كتبا كثيرة حول مداخل الشيطان وأسلحته وطرق الاحتماء منه، ويبدو لي أن أبرز هؤلاء العلماء هو الإمام ابن قيم الجوزية الذي ألّف كتابين خالصين عن الموضوع:
الأول: كتاب (مداخل الشيطان)، وقد أبرز فيه سبعة مداخل رئيسية للشيطان ووضح كيفية إغلاقها في وجهه.
الثاني: كتاب (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) أورد فيه ثلاثة عشر بابا، حدد فيها مصائد الشيطان وسبل الوقاية منها، بطريقة علمية رائعة امتزجت فيها الشريعة بالعلوم الإنسانية وأبرزها علم النفس؛ وبسبب هذا الكتاب وغيره اعتبره بعض علماء النفس في عصرنا من أساطين علم النفس في التأريخ الإسلامي!
ولخطورة الشيطان على الإنسان فقد ورد ذكره بصيغ المفرد والجمع في ٨٨ موضعا من القرآن الكريم، وجاء ذكر إبليس في ١١ موضعا.
ويخبرنا القرآن بأن أعداء المؤمنين يكتسبون الكثير من الكيد والدهاء عن طريق إيحاء الشياطين ووسوساتهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٧]، والأولياء هم المحبون والمعينون والمناصرون، والمجادلة صورة من صور الدعم الذي تقدمه الشياطين لأعداء المؤمنين، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]!