جواهر التدبر (٢٢١)
الحذر من الجبناء
بقلم أ.د.فؤاد البنا
من يتأمل مطلع سورة (المنافقون) بشيء من التدبر؛ سيجد أن الله قد أورد عددا من الدلائل على اتسام المنافقين بالجبن الشديد، وأهمها:
١ – شهادتهم المنمقة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة كذبا وخوفا، مع اعتقادهم الراسخ بأنه ليس مرسلا من الله أو بأن الله غير موجود ابتداء بالنسبة لأصحاب النفاق الاعتقادي، وما يؤكد كذبهم في هذه الشهادة أن الله كذّب شهادتهم في نفس الآية، وهي الآية الأولى من سورة المنافقون: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}، وقد استخدم الله مؤكدين في هذه الجملة فتأملهما!
٢- اتخاذ الأيمان المغلظة أداة لحماية أنفسهم من نقمة المؤمنين، حيث يخافون من انكشاف ما هو مخبوء في قلوبهم المريضة، كما قال من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور: {اتخذوا أيمانهم جُنة فصدّوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} [المنافقون: ٢].
٣- الحرص على تجميل الظاهر بقدر كبير من التأنق المتكلف فيه، في صورة من صور إخفاء الباطن خوفا مما يختلج فيه من كره للمؤمنين وحب لإخوانهم الكافرين، وكذلك التجمل بالكلام المنمق والمطرز بالكلمات البديعة والمسلح بالأساليب البيانية الساحرة، وذلك من أجل أن لا تنكشف المعتقدات الخبيثة التي يطوونها في قلوبهم العليلة، قال تعالى في ذلك: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم}[المنافقون: ٤]، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من عشاق الجمال والفصاحة والبيان، وكان يحتفي بالأناقة ويثني على البلغاء!
٤- التوجس الدائم من أي شيء ومن كل أحد، واعتمال الهواجس والمخاوف في حنايا النفوس، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: ٤]، حيث يظنون بأنهم المقصودون من أي إشارة خفية، وتكاد قلوبهم أن تطير خوفا ورعبا من أي كلمة مبهمة!
وبعد هذا التوصيف لجبنهم وهلعهم وخورهم، فقد أخبر الله رسوله محمدا بقوله: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: ٤]، آمرا إياه بالحذر منهم، فكيف يأمر الله رسوله أن يأخذ حذره من مجموعة من الجبناء والرعاديد؟!
لقد ثبت من استقراء حالات لا حصر لها أن الذين يجمعون في قلوبهم بين الجبن والخبث هم أخطر الناس بين الناس؛ لأنهم يلجأون إلى معسول الكلام من أجل بث الطمأنينة وتخدير مشاعر الحذر، لكن الغدر يجري فيهم مجرى الدم وإذا وجدوا فرصة مواتية فإنهم لا يترددون عن طعن من وثق بهم في ظهره، ولا يكفّون عن بث البلبلة والإرجاف داخل الصف المسلم، ولا يزالون يتآمرون مع العدو المتربص بالأمة الدوائر فيوصلون له الأسرار ويكشفون له الثغرات، ولا يتورعون عن استخدام سائر أسلحة الكيد والمكر والمخاتلة!
ويمكن الختم بالقول إن مصدر خطورة هؤلاء الجبناء هو مهارتهم الشديدة في الظهور بثياب الرهبان مع أنهم يحملون قلوب الشياطين!