جواهر التدبر (٢٢٠)
آفاتُ النسيان
بقلم أ.د.فؤاد البنا
– ثغرة النسيان:
إن القعود مع الظالمين يسهل على الشيطان قذف أسلحته إلى قلب الإنسان ومنها سلاح الإنساء، ولهذا فقد أوصى الله جل جلاله نبيه محمداً عليه السلام فقال: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام: ٦٨].
وكأن الجلوس مع الظلمة ينقل طاقة سلبية منهم تضعف جهاز المناعة الإيماني للضحايا الطيبين، ومن ثم تنفتح للشيطان ثغرة النسيان فيدخل منها إلى الجوانح، هذا بجانب أن في الإنسان طبيعة التأثر والتأثير، ومن جانب آخر فإن الظالم الذي يجالسه الصالحون بصورة طبيعية لا يشعر بمظالمه بل يتمادى في ظلمه، ثم إن الخطوط الموضوعة بين الصالحين والفاسدين تنمحي في أعين عامة الناس لتختفي القدوة ويتشجع المزيد من العامة على الانضمام إلى قافلة الظالمين!
– تسلل إبليس:
كان إبليس من الذكاء بمكان، بحيث تعرّف على نقاط الضعف في آدم، فتسلل من خلالها أثناء وسوسته لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة، قال تعالى عن هذا الأمر: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما}، بمعنى أن ضعف الذاكرة وضعف الإرادة من أهم مداخل إبليس إلى الإنسان، ولذلك أوجد الإسلام منظومة تذكيرية كبيرة، ومنها إقامة الصلاة خمس مرات في اليوم، فقد قال تعالى: {أقم الصلاة لذكرى}، وواضح من الأمر الإلهي ان تذكر الله واحدة من غايات إقامة الصلوات إن أقيمت بحضور العقل وخشوع القلب، ومنها التفكر في آيات الله وآلائه المنبثة في صفحات كتاب الوجود، مع الثناء على الله بأذكار مأثورة خاصة بكل محطة منها، وبالمثل هناك أذكار وقتية مخصصة بمواسم يومية وأسبوعية وسنوية، وغيرها من الأذكار في مختلف الظروف والأحوال.
– طائفُ الإنساء:
كم يتمكن الشيطان من الإنسان المؤمن عندما يغشاه النسيان، حيث يرسل طائفاً من قبله على الغافلين، وهذا الطائف قد يصيبهم بالعمى عن رؤية آيات الله المبثوثة في كتاب الكون أو بالصمم عن سماع آيات الله المسطورة في كتاب القرآن، وليس المتّقون بمنأى عن هذه الآفة ولكنهم إذا وقعوا ضحايا لهذا الطائف فإنهم سرعان ما يفيئون، ولهذا قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: ٢٠١]، ونلاحظ هنا أن الله لم ينزع عنهم لباس التقوى، ما دام هذا الضعف من جبلة الإنسان ويأخذ وقتاً قصيراً، ليعود مصباح التذكر يرسل أنواره فيعود الإبصار إلى أصحابه.
وحذّر في الآية التي بعدها من أصدقاء السوء، مؤكدا أنهم يمدونهم في الغيّ ولا يدخرون وسعا في غوايتهم، وعاد في الآية التي بعد هذه ليؤكد أن آيات القرآن الكريم مجموعة من البصائر التي ينبغي الاستضاءة بها، قال تعالى: {هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [الأعراف: ٢٠٣]، ومن أجل أن نضمن استمداد الأبصار لقوة الإبصار من بصائر القرآن على أكمل وجه، فقد قال تعالى في الآية التي تليها: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: ٢٠٤]؛ ذلك أن القرآن رغم عظمته لا يؤتي ثماره بطريقة تلقائية وإنما عبر جهد الإنسان، مع وجود فروق نسبية بين الناس بحسب الفروق الكمية والنوعية وسط هذه الجهود، فلكل مجتهد نصيب، وهذا منتهى العدل!
– أضرار النسيان:
لا يزال النسيان المضر سلاحاً من أسلحة الشيطان، فلقد قال الله عن رفيق يوسف في السجن: {فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} [يوسف: ٤٢]، حيث نسي ما قال له يوسف عندما خرج من السجن: {اذكرني عند ربك} [يوسف: ٤٢]، وكانت العاقبة أن يوسف ظل بالسجن بضع سنين ظلماً، وهذا فتى موسى يقول: {فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [الكهف: ٦٣]، مما كلفهم العودة إلى مكان كانوا قد تجاوزوه، مع ما في ذلك من ضياع للجهد والوقت، وهذا يذكرنا بأهمية عمل خارطة للتذكر ومقاومة الغفلة والنسيان.