جواهر التدبر (٢١٩)
دور البطانة في فَرعنة الحاكم
بقلم أ. د. فؤاد البنا
نستنتج من تفاصيل قصة الكليم موسى عليه السلام والطاغية المتأله على الناس فرعون، أن البطانة المحيطة بفرعون كانت قاعدة قوية لجموح طغيانه الذي وصل إلى ادعاء الألوهية حينما قال: {أنا ربكم الأعلى}، وبعد ما زاد النفخ فيه والتعظيم له انتقل إلى مرحلة أبعد وهي نفي وجود أي إله غيره، كما ورد في قوله تعالى: {ما علمتُ لكم من إله غيري}، فقد تولت البطانة الفاسدة تحريضه ضد خصومه بشكل سافر ومتواصل، وأول نقطة تحريضية كانت ضد موسى حينما أخبر فرعون بأنه رسول الله إليه طالباً منه أن يطلق بني إسرائيل من الاستعباد، وردّ فرعون بأن طلب منه آية بينة على أنه مرسل من الله، فأبرز موسى معجزتين في آن واحد وهما العصا التي يلقيها في الأرض فتنقلب إلى ثعبان مبين، واليد التي ينزعها من كمها فإذا هي بيضاء للناظرين من غير أن يصيبها سوء، وقبل أن يرد فرعون على ما فعله موسى تدخلت البطانة، كما قال الله تعالى: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} [الأعراف: ١٠٩، ١١٠]، ونلاحظ تعظيمهم لفرعون باستخدامهم صيغة الجمع معه ثم تمليكه أرض مصر ومن عليها وما عليها (أرضكم)!
وبعد ما عاقب فرعون سحرته لأنهم آمنوا بموسى من دون إذنه، وذلك بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم القيام بصلبهم، تدخل الملأ لاستثمار فورة الطغيان عند فرعون ضد عموم بني إسرائيل وليس موسى فقط، قال تعالى عنهم: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟! قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} [الأعراف: ١٢٧]، وكانت ثمرة هذا النموذج من التحريض الذي ورد على شكل سؤال استنكاري، أن فرعون تمادى كثيرا وأصدر قرارا ملكيا بقتل كل من كانوا في سن الشباب من قوم موسى، وهذا ما تشير له عبارة (أبناءهم) ومن دون استثناء رغم أن العدد كان كبيرا، وهذا ما تشير له عبارة (سنقتّل) التي أتت على وزن سنفعّل بتشديد العين وكسرها وهي من صيغ المبالغة التي تفيد الكثرة، وزاد من طغيانه ليجعل من كل النساء رقيقات في البيوت للخدمة والاستمتاع وهذا أشد من قتل الشباب، ثم من بقي منهم ولم يدخل ضمن الصنفين السابقين فإنهم سيكونون فوقهم قاهرون بسياسة الإذلال الممنهجة واستباحة كل الحقوق والحرمات بصورة تامة!