جواهر التدبر (٢٠٧)
آفاتُ المتدينين
بقلم أ. د. فؤاد البنا
– حُساد الرؤيا:
هناك أصناف من الناس يستوطن الغل في قلوبهم ويتغلغل الخبث في حناياهم، إلى حد أنهم يحسدون الناس على أي شيء نالوه من فضل الله، حتى ولو كان ما زال في عالم الغيب وجاءت البشارة به من خلال الرؤيا التي قد تصدق وتتحقق بعد آن وقد لا تصدق وتصبح مجرد أضغاث أحلام، ومن هؤلاء إخوة يوسف الذين أعمى الحسد أبصارهم وبصائرهم حينما علموا أن أخاهم يوسف رأى في المنام ما رأى!
ويبدو أن والدهم يعقوب كان يعرف هذه الخصلة فيهم، فقال ليوسف: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً}، لكن يوسف ولطيبته وقلة خبرته بالناس والحياة لم يكتم رؤياه فوصلت إلى أسماعهم، مما أدى إلى تحريك كوامن الحقد واستيقاظ طاقة الكيد في أنفسهم الحاسدة، وحدث ما حدثتنا عنه سورة يوسف!
– الصلاح صعود:
إن الذي يحرص على تحقيق صفات الصلاح الحق في نفسه، يعتلي مراقي الصعود عقليا وقلبيا وروحيا وخلقيا وسلوكيا، ولا يمكن أن يصل إلى سدة الصلاح من يسير في طريق الهبوط الشعوري والنزول السلوكي والانحطاط الأخلاقي، ولا تنفع الحيل في هذا المضمار، كما فعل إخوة يوسف حينما قالوا: {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين}، فقد عزموا على ارتياد ساحات الصلاح بعد السقوط في حُفر القتل والكذب والتآمر!
– التنطع اليهودي:
التنطع خلل في العقل يؤدي إلى اختلال سلّم الأولويات، وآفة في النفس تتسبب في تكبير ما هو صغير وتصغير ما هو كبير وفي تحقير ما هو عظيم وتعظيم ما هو حقير وفي تقديم ما ينبغي تأخيره وتأخير ما يجب تقديمه، ويؤدي بالمتنطعين إلى صنع تناقضات غريبة، وقد يتحججون بأعذار هي أقبح من الذنوب نفسها!
وقد حدثنا القرآن في هذا السياق أن بني اسرائيل عندما ذهب موسى لميقات الله في جبل الطور بشبه جزيرة سيناء، قد جمعوا الحلي الذي أخذوه من آل فرعون وأحله لهم موسى، وصنع لهم السامري منه عجلاً اتخذوه إلهاً، فلما رجع موسى غضبان أسفا وعنفهم على ما فعلوا، قالوا: {إنا حُمّلنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري}، أي أنهم تورعوا عن حمل ذلك الحلي كما تفيد كلمة (حُمّلنا)، فقذفوه في الأرض فصنع لهم السامري به عجلاً له خوار وقال لهم: إن هذا إلهكم الذي ذهب موسى يبحث عنه، فصدقوه وعبدوا العجل، ولم يصدقوا موسى في أن هذا الحلي حلال لهم لأنه مال من حاربهم وعذبهم وسلبهم حقوقهم وجعلهم سخريا له طيلة عهود من الزمن!
وهكذا فقد دفع التنطع بهؤلاء إلى تصديق صعلوك يسمى السامري على حساب كليم الله موسى عليه السلام، ثم إن موضوع التصديق متباين، فقد أحل لهم موسى أموالَ من ذبّح أبناءهم واستحيا نساءهم للخدمة، بينما أحل لهم السامري عبادة عجل له خوار على حساب ربهم الذي نجاهم من طغيان فرعون ومن الغرق في البحر وأعطاهم المن والسلوى وفجر لهم اثنتي عشرة عينا من الماء الفرات!