جواهر التدبر (٢٠٣)
عندما يصدّ المسلمون عن سبيل الله
بقلم أ. د. فؤاد البنا
أشار القرآن الكريم إلى أن المسلمين الذين لا يعملون بتعاليم إسلامهم ويعانون من وجود مسافة كبيرة بين ما يقولون وما يفعلون، أشار إلى أنهم يشوهون الصورة الوضيئة للإسلام في أعين الناس، ومن ثم فإنهم يصدونهم عن الاقتراب منه ويقللون من إمكانية اعتناقهم له؛ ولذلك كان من دعاء المؤمنين، كما جاء في القرآن الكريم: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا}[الممتحنة: ٥]!
وبالطبع فإن المنافقين محسوبون على المسلمين، وقد أورد القرآن إحدى خطاياهم وهي اتخاذ الأيمان حماية لهم من أعين المؤمنين حتى لا ترى التناقض الحاصل بين أقوالهم وأفعالهم، موضحا أنهم بهذا الصنيع يصدون عن سبيل الله، قال تعالى: {اتخذوا أيمانهم جُنةً فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} [المنافقون: ٢]، وقال أيضا: {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين}[المجادلة: ١٦]، والجُنة هي الحماية والوقاية والدرع،وقد أبانت خاتمة الآية الأولى أن هذا الصد هو أسوأ أعمالهم؛ لأنه كبيرة متعدية إلى عدد كبير من البشر، ولهذا فقد ختمت الآية الثانية بالتأكيد على أن لهؤلاء عذابا مهينا، يتناسب مع الإهانة التي وجهوها للإسلام بسوء تصوراتهم وتصرفاتهم.
وتشير عبارة {اتخذوا} في الآيتين إلى تلك العادة الراسخة في طباعهم الدنيئة، إذ كلما انبعثت نواياهم السيئة وتكررت فعالهم الخبيثة شعروا بأن أعين المؤمنين ستفضحهم فذهبوا مسرعين إلى الأيمان التي تنضح حروفها بالصدق وتمتلئ حقيقتها بالكذب، وما زال هذا الأمر يتكرر بكثافة حتى أنهم ليبذلون جهودا كبيرة في صياغة هذه الأيمان وتكرارها، وقد عبر القرآن في مواضع أخرى عن هذه الظاهرة بقوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم…}[النور: ٥٣]، وتشير عبارة {جهد أيمانهم} إلى الجهد المبذول والتفنن في اصطناع الأعذار الواهية وصياغة الأيمان الكاذبة!
وبالتأكيد أن من يفعلون هذا الصنيع فإنهم يقدمون صورة قاتمة عن الإسلام ويحجبون محاسنه ويشوهون مكارم شريعته، مانعين غير المسلمين من اعتناق الإسلام، بحيث يتحول المسلمون إلى فتنة للذين كفروا كما هو حاصل اليوم بعد أن كانوا إعلانات عملية متحركة لعظمة الإسلام وقيمه الحضارية الزاخرة بالعلم والقوة والحرية والعزة والعدالة والعمل والشجاعة والكرم والتضحية!