جهود أردوغان لدعم الأقليات المسلمة حول العالم
بقلم معتز علي
منذ وصولها للسلطة عام 2002، لا تنقطع جهود الحكومة التركية لدعم الإقليات المسلمة والمسلمين المضطهدين حول العالم، سواء في فلسطين المحتلة، أو في محيطها الحيوي حيث يعاني المسلمون في بلغاريا واليونان ودول البلقان الأخرى، أو حتى على بعد آلاف الأميال من الأراضي التركية، حيث تصل معونات هيئات الإغاثة التركية لمسلمي الروهينجا والفلبين. كما تتواصل الجهود الدبلوماسية والسياسية مع الحكومة الصينية لوقف الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها مسلمو الإيغور، فضلا عن استقبال عشرات الآلاف من الإيغورالفاريين إلى الأراضي التركية.
بعد وصوله للسلطة قام أردوغان عام 2004 بطلب الحماية الرسمية لمساجد المسلمين في بلغاريا بعد وجود أنباء عن تحويل بعض المساجد لمطعم وملهي، كما استمرت المفاوضات بين الحكومة التركية وحكومات بلغاريا المتعاقبة، من أجل إعادة ترميم عشرات المساجد في بلغاريا، وهو ما تكلل بترميم مسجدين في بلغاريا من قبل حكومة تركيا وافتتاح أحدهما عام 2019، مقابل ترميم كنسية الأقلية البلغارية (الكنيسة الحديدية) في إسطنبول وافتتاحها في 2018.
يعاني مسلمو الإيغور في تركستان الشرقية من اضطهاد ديني وعرقي مشابه لما يحدث في إقليم أركان، والسبب هو محاولة الصين تذويب الهوية العرقية والدينية لسكان الإقليم، بعد زيادة أهميته الجيوستراتيجية |
كانت اليونان هي البلد الأوروبي الوحيد الذي لا يسمح بفتح مسجد في عاصمته حتى وقت قريب، إلا أن الضغوط التركية لدعم الأقليات المسلمة في اليونان، توجت بافتتاح مسجد صغير بداية 2019، فيما ساوم أردوغان الحكومة اليونانية على فتح مسجد (فتحية) التاريخي والذي يعد أقدم مسجد تم بناؤه في العهد العثماني باليونان، مقابل السماح بفتح أحد المعاهد اللاهوتية اليونانية في تركيا. ومن ناحية أخرى تضيق السلطات اليونانية على الأقلية المسلمة وتقوم بغلق بعض المدارس الخاصة بهم وتمنعهم من اختيار مفتيين لتطبيق الشريعة الإسلامية في أحوالهم الشخصية، إلا ضغوط أردوغان على الحكومة اليونانية تتكلت عام 2018، بمصادقة البرلمان اليوناني علي منح الأقلية المسلمة في تراقيا الغربية، حق انتخاب المفتي والاختيار بين الشريعة الإسلامية والقانون المدني اليوناني، والذي يمنح للمسلمين حق الاختيار بين الشريعة الإسلامية التي يطبقها المفتون، والقانون المدني اليوناني في الخلافات العالقة بين أفراد الأقلية في مسائل الميراث والأسرة مثل الزواج والطلاق، فيما تستضيف تركيا عدد كبير من أبناء الأقلية المسلمة للدراسة في تركيا بعد تضييق السلطات اليونانية عليهم في هذا المجال.
كانت زيارة أردوغان التاريخية للقدس عام 2005، محور هاما في مسار الأحزاب السياسية الفلسطينية، فقد تم الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على وقف الانتفاضة وتفكيك مستوطنات غزة، فضلا عن 4 مستوطنات في الضفة، حيث أقنعت الحكومة التركية كلا من تل أبيب وواشطن بضرورة إدماج حركة حماس في الحياة السياسية، في محاولة لوقف العنف، وهو ما أدي لمفاجأة غير متوقعة في الانتخابات النيابية، حيث تمكنت حركة حماس من تشكيل الحكومة منفردة، مما شكل معضلة حقيقة للاحتلال، وهو الأمر الذي مكن حركة حماس من إثبات شرعيتها للعالم، وفي نفس السياق كان ملف حصار قطاع غزة حاضرا في كل النقاشات بين الجانب التركي والإسرائيلي، حيث تمكن الأتراك من توصيل المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإغاثة لسكان القطاع عام 2016، ضمن صفقة شملت جوانب اقتصادية، إلا أن التدخلات السياسية من جانب حكومة السيسي وإدارة ترامب الجديدة عام 2017، قد جمد تلك الاتفاقيات بشكل كبير.
تكللت جهود تركيا في الفلبين في إنجاح اتفاق السلام بين جبهة تحرير مورو والحكومة الفلبينية، والذي يقضي بإقامة حكم ذاتي للمسلمين، حيث وافق مسلحي جبهة مورور على تسليم أسلحتهم على مراحل للجهات الضامنة التي تشمل هيئة الإغاثة التركية، على أن تخزن الأسلحة في الأراضي الخاضعة للحكم الذاتي للمسلمين، ويعد موافقة مسلحي حركة مورو على تسليم أسلحتهم للجانب التركي، استثمار لشعبية أردوغان الكبيرة في أرجاء العالم الإسلامي، فضلا عن أن موافقة الحكومة الفليبينية على ذلك الإتفاق كان ضمن صفقة تشمل بيع تركيا للفلبين طائرات مروحية حديثة وطائرات بدون طيار وسفن حربية وقوارب عسكرية، فيما افتتحت هيئة الإغاثة التركية عدد من المشاريع الخيرية في مناطق الأقلية المسلمة في الفلبين، شملت مساجد ودور أيتام وحفر أبار للمياه، وإنشاء عدد من المدارس.
خرجت وثيقة تاريخية من الأرشيف العثماني عام 2017 وأظهرت تقديم مسلمي أركان للدعم المالي للأرامل والإيتام في الدولة العثمانية، التي تضررت نتيجة حرب البلقان، وهي التي برر بها أردوغان للمعارضة التركية سبب الدعم السياسي والمادي الكبير لتلك الاقلية المضطهدة، فيما أقنعت تركيا حكومة بنجلاديش باستضافة 600 ألف لاجئ من بورما، مقابل توفير سبل الرعايا طبية والإنسانية من مسكن ومأكل، حيث أرسلت تركيا 4 سفن للمنطقة بغرض الإغاثة العاجلة لذلك العدد الكبير، كما قام الجيش التركي عام 2017 بتوزيع المساعدات داخل ميانمار عبر طائرات الهليكوبتر، بعد إتصال هاتفي بين أردوغان ورئيسة حكومة ميانمار أونج سان سو كي.
ويبدو الحل السياسي لتلك الأزمة بعيدا، حيث تسكن تلك الأقلية المسلمة في إقليم أركان الإستراتيجي على خليج البنغال، ويلزم لحل الأزمة التفاوض مع الصين مباشرة بصفتها القوي الأكبر في المنطقة، لأن مشروع طريق الحرير الصيني يمر أحد روافده ببورما وإقليم أركان، حيث قامت الصين بإنشاء مشروعات لنقل النفط والغاز من خليج البنغال إلي مناطقها الجنوبية مباشرة دون الدخول إلى بحر الصين الجنوبي، في محاولة لفك الحصار الأمريكي على بحر الصين الجنوبي. تاريخيا فقد ساعد ممر بورما في تزويد الصين بالسلاح والمعدات من تلك المنطقة في الحرب العالمية الثانية إبان الحرب الصينية اليابانية، بعد حصار اليابان لسواحل الصين، وهو الأمر التي تخشي الصين من تكراره عبر دعم الغرب لإنفصال الأقلية المسلمة، وبالتالي منع استخدام الصين لذلك الممر. لذلك تتواصل جهود الدبلوماسية لتركيا وماليزيا في محاولة لنزع فتيل الأزمة وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف بما يضمن عودة اللاجئين المسلمين، مع عدم المساس بمشاريع الصين الاستراتيجية.
يعاني مسلمو الإيغور في تركستان الشرقية من اضطهاد ديني وعرقي مشابه لما يحدث في إقليم أركان، والسبب هو محاولة الصين تذويب الهوية العرقية والدينية لسكان الإقليم، بعد زيادة أهميته الجيوستراتيجية، فمنذ إطلاق الصين لمشروع طريق الحرير، أصبح ذلك الإقليم رمانة الميزان لتلك الفكرة، حيث يربط ذلك الإقليم الصين ببحر العرب عبر باكستان، كما ترتبط الصين عن طريقه بكل من كازاخستان ودول أسيا الوسطي وصولا لتركيا وإيران بسكك حديد سريعة، وتخشي الصين من فشل مشروعها العملاق الذي يربطها مع دول وسط أسيا وأوروبا، في حال قامت ثورات شعبية لشعوب الإيغور والتبت بغرض نيل إستقلالهم، حيث إحتلت الصين تلك المناطق عام 1951.
ومن ناحية أخرى كانت قضية معاناة الإيغور من المحرمات في تركيا قبل أردوغان، حيث هددت الصين بدعم حزب العمال الكردستاني إذا قامت تركيا باستقبال الإيغور وإفساح المجال لهم لنشر قضيتهم، حتى أن رئيس الوزراء التركي مسعود يلمظ حظر في عام 1999 المشاركة الرسمية في أنشطة تركستان الشرقية وغيّر اسم الحديقة التي تقع في منطقة السلطان أحمد والتي كانت باسم زعيم الأويغور عيسى يوسف ألبتكين، كما حظر استخدام علم تركستان الشرقية في تركيا، وفي هذا الوقت كان أردوغان رئيس بلدية إسطنبول، وقد عارض بشدة هذا القرار، وقال إن هذا القرار خيانة ليس فقط للأويغور بل لجميع العالم التركي.
ومع وصوله للسلطة فتح أردوغان الباب لمسلمي الإيغور مرة أخرى، وعرض قضيتهم للعالم مرة أخرى برغم التهديدات الصينية المتكررة، وعلى صعيد آخر فقد دفع تصاعد الاستقطاب السياسي العالمي بين الصين وروسيا من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى، إلى رسم جديد للأحلاف السياسية، حيث أرتأت تركيا أن الدعم الأمريكي الأوروبي للأحزاب الانفصالية الكردية ومحاولة شن حرب اقتصادية عليها، لا يمكن الوقوف ضده إلا بالتحالف مع قوة سياسية مكافئة، لذلك قررت تركيا توجيه الدفة اقتصاديا جهة الصين وروسيا، بالتزامن مع زيادة الجهود الدبلوماسية لحل أزمة الإيغور، وهو ما ظهرت بوادره أخيرا بعد إعلان الصين عن الإفراج عن الإلاف من مسلمي الإيغور مع السماح للجنة مراقبة تركية، بغرض تفقد الأمور.
تتوالي جهود أردوغان لتزايد الوجود التركي بين مسلمي البلقان وعدم ترك الساحة خالية مرة أخرى لعدم تكرار مأساة البوسنة مرة أخرى، حيث تتزايد الاستثمارات التركية في كل من ألبانيا والبوسنة وكوسوفو فضلا عن 400 شركة تركية في صربيا، حيث يدفع تلاقي المصالح الاقتصادية بين تركيا ودول البلقان، لإعادة التقارب الحضاري والثقافي بين شعول تلك الدول مرة أخرى، فضلا عن منع تشرزم تلك الشعوب علي إثر التنافس بين روسيا وأوروبا على خاصرة أوروبا التاريخية.
(المصدر: مدونات الجزيرة)