جنّة اجتهاد لا ساحة معركة – الشيخ سالم الشيخي
قديمًا كنت أدرس على شيخنا الأصولي العلامة محمد المختار الشنيقطي – رحمه الله – كتاب روضة الناظر وعندما وصل إلى باب الحقيقة والمجاز وبدأ يفصّل المسألة واختلاف العلماء وأخذ في الرد على مذهب شيخ الإسلام ابن يميمة – رحمه الله – في نفيه للمجاز ، شعر بأنّ بعض طلبة العلم معنا لم يعجبهم هذه المناقشة وبدأوا في مناقشة الشيخ – رحمه الله – فقال لهم : سبحان الله نحن من أول الكتاب وقفنا على كثير من مسائل الخلاف عند الأصوليين وهي أخطر وأعظم من هذه المسألة فلماذا لم يعجبكم ذكر الخلاف في هذه المسألة بالذات؟! ثم أخذ يبين لنا أنّ الحوار العلمي والمناقشة التأصيليّة لا ينبغي أن تقف عند حدود أيّ اجتهاد أو رأي أيّ إمام مادام صاحبها يقدّم ذلك بالدليل وبالبرهان، ويتخلّق بأخلاق أهل العلم والإيمان . تذكّرت هذه القصة وأنا أتصفّح ردود الأفعال بخصوص مجموعة من الفتاوى المتعلّقة بجائحة كرونا وآثارها على حياة الناس ، وآخرها فتوى الاتحاد العالمي بخصوص الصلاة خلف المذياع ،فهذه جميعها مسائل اجتهاديّة والخلاف فيها مقبول مادامت قد صدرت من أهلها-أي ممكن ملك أدوات النظر والاجتهاد – وفي محلها – أي في المسائل الذي يجوز فيها الاجتهاد ولم تخالف نصًّا قطعيًّا أو إجماعًا صحيحًا – والذين أفتو في هذه المسائل لا نظنّ بهم إلّا خيرًا – وعلى طالب العلم الشرعي أن يناقشها بعلم أو يسكت عن علم ،وأن يوطن نفسه على أخلاق العلماء وأدب الخلاف، وأن لا يظن أنّه أغير على دين الله من علماء هذه الأمّة ، وأن يترك التعصّب للآراء والأشخاص .
أخي طالب العلم عليك أن تتذكّر عندما تناقش المسائل العلمية أنّك في دوحة جميلة وحديقة غنّاء وبين أناس ينتقون أطايب الكلام كما ينتقون أطايب الثمر ، ولست في ساحة حرب تنتظر الانتصار على الخصم وهزيمته ،رافعًا سلاحك مستعدًّا للنزال، أنت لست في معركة تحتاج فيها إلى لسان حاد ،وقلم جارح، ونفسيّة متوترة وضرب من تحت الحزام بأساليب مختلفة.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)