جنون الاستبداد وما بعده
بقلم محمد عايش
موجة القمع والاستبداد غير المسبوقة التي يشهدها العالم العربي حاليا، والتي وصلت إلى مستوى التوحش الأعمى لا يمكن أن تأتي بخير على المنطقة؛ لأن لكل فعل رد فعل، وما نشهده الآن في المنطقة هو الأفعال التي نتوسل إلى الله أن يحمينا من مآلاتها ومن الردود عليها.
النتيجة المنطقية للقمع والاستبداد والطغيان والقهر والحرمان وغياب العدالة والديمقراطية وانعدام الاحترام لحقوق الإنسان، كل هذا نتيجته الطبيعية المتوقعة هو مزيد من العنف والإرهاب الذي سيقوده جملة المحبطين وغير القادرين على التغيير السلمي، وهذا ما أثبتته التجارب التاريخية فعلا في السابق، عندما كانت كل موجة قمع تتبعها موجة من الإرهاب والعنف.
واقعُ الحال أننا أمام حالتين من التطرف، الأولى أنظمة مستبدة تتطرف في قمع شعوبها واستعبادهم والتنكر لمطالبهم، والثانية رد فعل متطرف يستخدم الإرهاب لتحقيق مآرب وأهداف سياسية يجد نفسه غير قادر على تحقيقها بالمشاركة السياسية السلمية. وهنا من المهم والمفيد الإشارة إلى أن حركات الإسلام السياسي على اختلاف أفكارها وأيديولوجياتها ليست هي المحرك لتوليد الإرهابيين، ولا هي البيئة الحاضنة لهم، وإنما يجد المحبطون والجانحون نحو الإرهاب، في بعض أدبيات الدين الإسلامي، وبعض تراثه التاريخي، ما يُبرر الإرهاب والتطرف، فيلجأون إليه دون غيره.
العالم العربي يشهد اليوم حالة يمكن أن نطلق عليها اسم «جنون الاستبداد»، وهذه الحالة نتجت في أعقاب ثورات الربيع العربي، التي أطاحت ببعض الأنظمة، وهددت الأنظمة الأخرى بالانهيار، فما كان من القابضين على مفاصل الحكم في بعض الأنظمة وبعض الأماكن إلا الجنوح نحو موجة جديدة من القمع والطغيان والاستبداد، أملا في أن يزول الخطر الذي بدأ باندلاع الثورات الشعبية، لكن المشكلة هنا وفي هذه الحالة هو أنَّ هذا «الاستبداد المجنون» يؤكد على أن الأنظمة العربية -أو بعضها- لم تصلها الرسالة الصحيحة، ولم تدرك الطريق الأفضل لاستقرارها السياسي.
تجربة السنوات الأخيرة تؤكد على أن الإصلاح السياسي، والانفتاح، وتعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، هي التي يمكن أن تحقق الاستقرار، ويمكن أيضا أن تحفظ للحاكم البقاء في كرسيه وللنظام الاستمرار في إدارة الدولة، والأنظمة التي فهمت هذه المعادلة حققت الرضا -ولو جزئيا- لشعوبها، بينما الأنظمة التي جنحت نحو «جنون الاستبداد» لم تُحقق ما حققه غيرهم.
في السنوات الأخيرة شهدت كل من المغرب والأردن وسلطنة عُمان والكويت إصلاحات سياسية، استطاعت إلى حد كبير أن تُلبي طموحات الناس، وحتى الذين لم تُعجبهم الإصلاحات ولا حجمها عادوا إلى منازلهم ولم يخرجوا إلى الشارع؛ لأن النظام السياسي فتح الباب أمام المشاركة السلمية، وعزز من احترامه للناس، وهو ما كرس الاستقرار في هذه الدول، وجنب كلا من الأنظمة والشعوب ويلات الاصطدام الداخلي.
الشعوب العربية تحتاج فقط لبعض الإصلاحات، ومزيدا من الانفتاح السياسي والمشاركة السياسية، ومحاربة الفساد، والرد على هذه الحاجات بالقمع والقهر والاستبداد هو وصفة بالغة الخطورة؛ لأن القمع والطغيان يولد ردود فعل مشابهة، ما يعني الانزلاق إلى دوامة العنف والإرهاب المرعب.
والنصيحة الأخيرة التي يمكن إسداؤها للأنظمة العربية هي: لا تحاربوا الناس لأن الشعوب لا تموت، وإنما هادنوهم، وأعطوهم ولو شيئا من مطالبهم، وإياكم والقمع، فإنه سيترك وراءه جيلا من المحبطين اليائسين الشاعرين بالظلم، والمؤهلين للجنوح في أي لحظة نحو التطرف والإرهاب.
عن صحيفة القدس العربي
(المصدر: عربي21)