‘‘جمهوريَّة كأنَّ’’: نموذج واقعي لتحقُّق أهداف الماسونيَّة 1من 5
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
ينتمي الرُّوائي المصري، الدُّكتور علاء الأسواني، إلى التَّيَّار العلماني الليبرالي؛ ويُعرف عنه معارضته للأنظمة الاستبداديَّة غير الدّيموقراطيَّة. وجَّه الأسواني في روايته الشَّهيرة عمارة يعقوبيان (2002م) نقدًا صارمًا لنظام حسني مبارك في أوج سطوته، مندّدًا بتحكُّم الطَّبقة الحاكمة في مفردات الحُكم في البلاد؛ والتَّضييق على أبناء الطَّبقة الفقيرة في منْح الفرص، الَّذي يدفع بعضهم إلى الانضمام إلى جماعات تكفيريَّة تعادي النّظام؛ ونفاق بعض المحسوبين على التَّيَّار الإسلامي من أصحاب النُّفوذ المتستّرين وراء تلك الهويَّة لإبعاد الشُّبهة عن أعمالهم المخالفة للقانون. تعرَّضت الرُّواية لانتقادات لاذعة بسبب ترويج الرُّوائي لممارسات اجتماعية تتنافى مع التَّقاليد المتوارثة، منها انتشار البغاء والمثليَّة، وفساد رجال الدّين الإسلامي وتحريضهم على الإرهاب، وسهولة التَّفريط في الشَّرف بحجَّة الحفاظ على مصدر كسْب الرّزق، وزواج المال بالسُّلطة. غير أنَّ الأسواني أصرَّ على أنَّ ما أُخذ عليه طرْحه منتشر بالفعل في المجتمع، وليس من اختلاقه. ولو تأمَّلنا في ترويج الرُّوائي للعلاقات الجنسيَّة المحرَّمة، وتقديمه بعض رجال الدّين على أنَّهم من رعاة الإرهاب، وتشويهه صورة بعض المنتمين إلى التَّيَّار الإسلامي من السّياسيين، سنجد أنَّ ذلك يدخل في إطار المخطَّط الماسوني لنشْر الفحشاء والإباحيَّة، وتقويض التَّكوين الاجتماعي التَّقليدي، والاستهزاء بالدّين؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّ الرُّوائي فعل ذلك عن قصد على اعتبار أنَّه يعتنق عقيدة الماسونيَّة.
وتعريفًا بالدُّكتور علاء الأسواني، فهو طبيب أسنان وروائي هاوٍ، تلقَّى تعليمه في إحدى المدارس التَّبشيريَّة الفرنسيَّة، ويتقن 4 لغات أوروبيَّة. قدَّم الأسواني عددًا من المؤلَّفات الرُّوائيَّة والمقالات النَّقديَّة، ولعلَّ أحدث عمل روائي أنجزه كان رواية جمهوريَّة كأنَّ (2018م)، يتناول فيها أبعاد الثَّورة المضادَّة الَّتي أجهزت على انتفاضة الشَّعب المصري عام 2011م، وقوَّضت حُلم تأسيس نظام ديموقراطي عادل، معتبرًا أنَّ السّلطة الرَّسميَّة في البلاد تواطأت مع وسائل الإعلام وأقطاب التَّيَّار الدّيني للحيلولة دون إنجاح الثَّورة. وقد نشَر الأسواني مقالًا في 19مارس 2019م، على موقع دويتشي فيلي الألماني، تحت عنوان “نعم أنا مُلاحَق قضائيًّا”، أشار فيه إلى أنَّ يواجه تهمة إهانة الرَّئيس المصري، عبد الفتَّاح السّيسي، والتَّحريض ضدَّ النّظام، لما قدَّمه في روايته عن تجاوزات من النّظام الحاكم في حقّ الشَّباب الثَّائر على الأوضاع المعيشيَّة المتردّية. دافع الأسواني عن نفسه بقوله “جريمتي الوحيدة أنني كاتب أعبر عن رأيي وأوجه النقد إلى من يستحقه حتى لو كان (الرَّئيس) السّيسي نفسه”، متعهّدًا بالاستمرار في الكتابة حتَّى يلقى ربَّه، مهما كانت المعوّقات. وقد مُنعت الرُّواية من كافَّة الدُّول العربيَّة، باستثناء تونس والمغرب ولبنان.
رئيس الجهاز الأمني: نموذج لاستبداد النّظام واستيلائه على مقدَّرات البلاد
يفتتح الأسواني أحداث الرُّواية بالإشارة إلى شخصيَّة أحمد علواني، اللواء في جهاز أمني تابع لوزارة الدَّاخليَّة ومعروف عنه استخدام القمع المفرط في التَّعامل مع المواطنين. يتجلَّى نفاق علواني في حفاظه على أداء صلاة الفجر في وقتها، حتَّى أنَّه “يستيقظ وحده” و “لا يحتاج إلى جرس منبّه”، برغم معاملته القاسية للمحتجزين لديه وسبّهم بشتائم تمسُّ الشَّرف (ص7). يعيش اللواء في مسكن فاخر يتَّسع لتشييد مسجد صغير، لكنَّه رفَض الاقتراح، حرصًا منه على أن يصلّي مع العامَّة، كأيّ رجل عادي. أثناء وجوده في المسجد، ينتقل علواني إلى عالم آخر، يُنسيه الدُّنيا وهمومها، ويجعله يتأمَّل في تهافُت النَّاس على سراب زائل؛ ويثنيه تواضُعه عن إمامة المصلّين في الصَّلاة، برغم خشوعه وعذوبة صوته (ص8):
عُرف عن اللواء علواني العفَّة والالتزام بأداء الفروض، والإحسان إلى الفقراء، والامتناع عن أكل الحرام. مع ذلك، فاللواء لا يمتنع عن متابعة الأعمال الإباحيَّة، برغم حُرمة ذلك، إلَّا أنَّه يبرّره بأنَّ ذلك من الصَّغائر الَّتي يغفر الله للمؤمن التَّائب (ص10):
يتوجَّه اللواء إلى مقرّ عمله في الجهاز الأمني الَّذي يترأَّسه، بعد تلاوة القرآن والصَّلاة ومضاجعة زوجته بعد مشاهدة عمل إباحي، ويباشر مهامَّه بسبّ أحد المتَّهمين، يصرُّ على إنكار تهمة منسوبة إليه، ويهدّده باغتصاب زوجته أمامه، إن لم يتحدَّث. يعترف المتَّهم بأنَّه عضو في تنظيم إسلامي، بعد تجريد زوجته من ملابسها أمامه. بعد استجواب المتَّهم، بعد ضربه وسبّه واستباحة شرف زوجته، اختلى اللواء بنفسه لشعوره بالضّيق، “وراح يحرّك أصابعه على مسبحته ويستعيذ من الشَّيطان الرَّجيم” (ص17). يتأمَّل اللواء في سبب ضيقه، برغم فضل الله الكبير، حيث “أنعم عليه بحلاوة الإيمان، وعزّ الطَّاعة، والتَّوفيق في عمله” (ص17). يسترجع علواني ثناء رئيس الجمهوريَّة على كفاءته في العمل؛ لدرجة أنَّه أراد تعيينه رئيسًا للوزراء، لولا عدم ثقة الرَّئيس في شخص آخر يتولَّى الجهاز الأمني الرَّفيع. بأسلوب ساخر، يعدّد الأسواني ممتلكات علواني الَّتي جمعها بكفاحه وكدّه، ومنها قصر منيف مساحته 10 فدادين، ومجموعة فيلَّات في عدد من المدن السَّاحليَّة، وشقق في عواصم أوروبيَّة ومدن أمريكيَّة، بالإضافة إلى حسابات مصرفيَّة في بنوك أجنبيَّة، وشركات مقاولات باسم شقيق زوجته. ربَّى اللواء وزوجته أبناءهما على الفضيلة، وقد وصلوا إلى أرقى المناصب في الدَّولة، في إشارة إلى أنَّ المحاباة ومجاملة كبار رجال الدَّولة أساس توزيع الفرص. غير أنَّ الرُّوائي يتعمَّد إثبات ذلك من خلال إنكاره، بأن يدَّعي أنَّ اللواء يتواصل مع المسؤولين لمعاملة أبنائه معاملة عاديَّة ودون مجاملته!
تظهر في الأحداث ابنة اللواء علواني، وهي طالبة في كليَّة الطّب، تتمتع بقدر من اللباقة وطيب الخُلُق. تفاتح الفتاة والدها في مسألة بشاعة ما يتعرَّض له المعتقلون والمتَّهمون من تعذيب في الجهاز الأمني، لتجد منه معارَضة صريحة لتعليقها على استخدام التَّعذيب، الَّذي يعتبره لا غنى لإجبار المتَّهمين على الاعتراف. تصرُّ الفتاة، ذات التَّوجُّه الليبرالي والحافز الإنساني على احترام حقوق الآخرين، على ضرورة عدم استخدام التَّعذيب في التَّحقيقات؛ حيث ترى أنَّه “لو أفلت عشرة مجرمين من العذاب أحسن من أن يُظلم برئ واحد” (ص58). تفاجئ الفتاة أباها بأنَّها زارت مع زملاء لها والدة خالد سعيد، الشَّاب السَّكندري الَّذي قُتل على يد عناصر من الشُّرطة، مطالبة أباها بمحاكمة عادلة لقاتليه. يعترض اللواء على كلام ابنته، ويتَّهمها بأنَّها تردّد “كلام جمعيَّات حقوق الإنسان اللي بيقبضوا من الاتّحاد الأوروبي”، مضيفًا أنَّ الإسلام يبيح التَّعذيب، متسائلًا “هو الجَلد والرَّجم وقطْع اليدين مش تعذيب”، وموضحًا أنَّ في الإسلام عقوبة التَّعزير، الَّتي تبيح للحاكم تقدير التُّهمة وتنفيذها (ص60).
يوظّف الأسواني واقعة مقتل خالد سعيد في إبراز انتهاكات الشُّرطة المصريَّة لحقوق الإنسان، ويدفع بشخصيَّة جديدة إلى الأحداث، هي شخصيَّة المهندس الشَّاب، مازن، زميل المدرّسة أسماء في حركة كفاية. يشعر مازن بالسَّخط على الأوضاع في البلاد، بسبب خصخصة الشّركات الحكوميَّة، وشراء مستثمرين أجانب لها، وإساءة المستثمرين الجدد استغلال ثروات الشَّعب. يتعرَّض مازن للإساءة والاعتداء البدني على يد عناصر من الشُّرطة، وحينها لا يجد إلَّا أحد حلَّين لمشكلته “إمَّا أن أهاجر إلى بلد آخر يحترم آدميَّة الإنسان، إمَّا أن أسعى للتَّغيير”؛ فينضمُّ مازن إلى حركة ‘‘كفاية’’ (ص73). ويرى الشَّابُّ أنَّ الحلَّ في إسقاط النّظام القمعي لإعادة بناء البلد على أساس من العدل وحفْظ حقوق الآخرين، معتبرًا أنَّ المسار الصَّحيح هو “النّضال من أجل دولة ديموقراطيَّة ومجتمع اشتراكي” (ص74).
نشأة الحركات التَّمرُّديَّة والتَّهيئة لإشعال ثورة يناير
ينقل الأسواني التَّركيز إلى شخصيَّة جديدة، تُدعى أسماء زناتي، وهي شابَّة تعمل مدرّسة للغة الإنجليزيَّة في مدرسة إعداديَّة للبنات، وعضو في حركة ‘‘كفاية’’ المعارضة لنظام مبارك. تأسَّست تلك الحركة عام 2004م، ورفعت حينها شعار “لا للتَّمديد…لا للتَّوريث”، وهي حركة ليبراليَّة ومؤسّسوها من العلمانيين. تروي الشَّابة عن معاناتها مع زملائها المتدينين، الَّذين يريدون فرْض الحجاب عليها، بينما هم عبارة عن عصابة تجبر الفتيات على أخذ دروس خصوصيَّة، في إشارة إلى نفاق الملتزمين من المسلمين. ترفض أسماء الزَّواج، لأنَّها لا تعتبر نفسها سلعة تُباع لمن يدفع أكثر؛ وتعيب على خطَّابها ضحالة ثقافتهم، وانعدام وعيهم السّياسي، وعدم اكتراثهم بتمسُّك الرَّئيس بالسُّلطة ونيَّته توريثها لابنه، برغم تردّي الأوضاع. يبالغ الأسواني في تشويه صورة الملتزمين بزعمه أنَّ الفتاة غير المحجَّبة تتعرَّض للتَّنمُّر، لدرجة أنَّ مدير المدرسة يقدّم في أسماء شكوى في الإدارة التَّعليميَّة، مدَّعيًا أنَّها ترتدي ملابس غير لائقة. تتناقض نذالة المسلمين المتدينين مع شهامة ومروءة رجل مسيحي تلجأ إليه المدرّسة للاختباء في بيته أثناء هروبها من عناصر الشُّرطة عند مطاردتها خلال مشاركة في مظاهرات 25 يناير. المفارقة أنَّ ذلك الرَّجل المسيحي، أو “القبطي” كما يشير إليه الأسواني، رجل مدمن على الخمور والحشيش، ومعتاد على ممارسة البغاء مع نساء غير زوجته، من بينهم الخادمة المسلمة، الَّتي لا تمانع معاشرته ولا تتمتَّع بأبسط حدود الحياء. يصرُّ الرَّجل المسيحي على إيواء أسماء في بيته كي لا يُلقى القبض عليها، ويلوم زوجته بعنف ويتَّهمها بانعدام الرَّحمة، مؤكّدًا “البنت لجأت لي ويستحيل أتخلَّى عنها” (ص197).
رموز المؤسَّسة الدّينيَّة: تجسيد للنّفاق والمتاجرة بالدّين
يستكمل الرُّوائي انتقاده اللاذع للملتزمين دينيًّا في مصر، الَّذي يصل إلى حدّ الافتراء، مقدّمًا شخصيَّة الشَّيخ شامل، هو من دعاة الفضائيَّات، يتمتَّع بشعبيَّة جارفة، وثراء فاحش، وقدر لا بأس به من الوسامة والأناقة. يظهر الشَّيخ شامل لأوَّل مرَّة وهو يقصد قصر اللواء علواني، حيث يلقي دروسًا يحضرها لفيف من كبار رجال المجتمع، من بينهم مسؤولون كبار ورجال أعمال وفنانات، بعضهن معتزلات يرتدين الحجاب وأخريات يفكّرن في الاعتزال. يحضر الشَّيخ، مع اثنين من زوجاته الأربع، في سيَّارته الأنيقة، ويتسابق الحاضرون على تحيَّته، بل “وينحني بعضهم لتقبيل يده الكريمة، لكنَّه يسحبها بسرعة، ويستغفر الله بصوت مسموع” (ص47). أمَّا سيرة شامل، فهو خرّيج كليَّة الآداب قسم اللغة الإسبانيَّة، وقد عمل مرشدًا سياحيًّا، ثمَّ سافر للعمل في السَّعوديَّة في نادٍ رياضي، وهناك بدأ يتلقَّى العلم عن أحد المشايخ الكبار. يقصد الأسواني أنَّ الدَّاعية لم يتلقَّ تعليمًا شرعيًّا في إحدى الأكاديميَّات المتخصّصة في ذلك، ولا يشير إلى أنَّه حفظ القرآن الكريم، أو درس السُّنَّة النَّبويَّة. يلخّص الشَّيخ دراسته للإسلام بكلمات موجزة تشير إلى عدم صلاحيَّته للدَّعوة الإسلاميَّة (ص48):
جدير بالذّكر أنَّ هناك تشابهًا بين دراسة الشَّيخ شامل في الرُّواية ودراسة الدَّاعية المصري حجازي محمَّد يوسف، الشَّهير باسم أبو إسحق الحويني؛ حيث درس في قسم اللغة الإسبانيَّة في كليَّة الألسن، وعمل مرشدًا سياحيًّا قبل أن يسافر إلى السَّعوديَّة، حيث تتلمذ على يد كبار علماء الإسلام هناك، مثل صالح آل الشَّيخ وابن عثيمين. لا يذكر موقع الشَّيخ الحويني أنَّه تخرَّج من جامعة في السَّعوديَّة، بل يذكر أنَّه كان يتردد على المساجد ومجالس العلماء، وهو ما يذكره الأسواني عن الشَّيخ شامل في الرُّواية، حيث يقول عنه “فتح الله عليه، وتعرَّف في المسجد إلى الشَّيخ الغامدي الَّذي توسَّم فيه خيرًا، وأفاض عليه من علمه. وعاش الشَّيخ شامل عشر سنوات في السَّعوديَّة، ثمَّ عاد إلى مصر، وقد آلَ على نفسه أن يكرّس حياته للدَّعوة إلى الله” (ص48). ومن بين خصال النّفاق في الدَّاعية المتمدّن حبُّه للنّساء، ولكن فيما لا يغضب الله، حيث “لا يعيب الشَّيخ شامل حبُّه للنّكاح، مادام لا يكشف ذكره على حرام، كما أنَّه-وقد تجاوَز الخمسين-مازال يجذب النّساء” (ص49). يتناول الشَّيخ شامل في درسه مسألة الحجاب، مؤكّدًا على أنَّه من فروض الإسلام، وواصفًا حملة معارضته بأنَّها “من العلمانيين، عملاء الصُّهيونيَّة والغرب الصَّليبي” (ص51). ينتقد الشَّيخ العلمانيين بشدَّة، ويعتبرهم عملاء للغرب ينفّذون مخطَّطًا خبيثًا ضدَّ المسلمين (ص51):
تحمل كلمات الشَّيخ، الَّذي يقدّمه الرُّوائي باعتباره نموذجًا للنّفاق والمتاجرة بالإسلام والتَّربُّح باسم الدّين، إساءات لليهود والنَّصارى، واتّهامات لهم بالتَّآمر على المسلمين، بينما يُظهر الرُّوائي الدَّاعية بأنَّه المسيء الحقيقي للإسلام والمتآمر الفعلي على المجتمع بنشر أفكار ظلاميَّة تعادي دعاة التَّحرُّر والتَّحوُّل الدّيموقراطي.
حرب على صحيح الدّين ودعوة مبطَّنة للإلحاد
يواصل الرُّوائي تسليط الضَّوء على نفاق المسلمين، ويطرح مشكلات لا حلَّ لها سوى في تقويض مفهوم الزَّواج التَّقليدي وإباحة التَّحرُّر في العلاقات والإجهاض، من خلال إظهار شخصيَّة لمذيعة تلفزيونيَّة يعرض عليها أستاذها في الجامعة، وقتئذ كانت طالبة، معاشرتها دون زواج بإغراء مادّي؛ وبعد أن ترفض الأمر لأنَّه حرام شرعًا، يتزوَّجها أستاذها دون علم زوجته وأبنائه، ثمَّ يطلب منها إجهاض نفسها بعد أن تحمل منه. تجد الفتاة نفسها في مشكلة، ما كانت لتمرّ بها لولا تمسُّكها بعدم ارتكاب ما يحرّمه الشَّرع. ومن بين الأساليب الخبيثة المتَّبعة للتَّشجيع على الإلحاد ونبْذ الدّين تأمُّل ابنة اللواء علواني كلام أبيها عن إباحة الإسلام للتَّعذيب، حيث تسأل نفسها “أليس الإسلام دين الله العادل الرَّحيم؟ كيف يسمح بتعذيب النَّاس وإهدار كرامتهم” (ص96). تبدأ ابنة اللواء المحجَّبة، الَّتي كانت “من مريدات الشَّيخ شامل المتحمّسات”، في إعادة النَّظر في كثير من المسلَّمات، بعد أن تقرأ مقال لزميل لها في الكليَّة نشْره في مجلَّة الحائط، يقول فيه “إنَّ الأخلاق من دون دين، أفضل من الدّين بلا أخلاق” (ص97). تثور ثورة طالبة الطَّب، وتنتقد ما كتَبه زميلها، واسمه خالد مدني، لكنَّه يقنعها بأنَّ هناك من الملحدين من يتمتَّعون بالأخلاق، برغم عدم إيمانهم بوجود إله؛ حيث يكون وازع التَّحلّي بالأخلاق “الضَّمير بدل الإيمان” (ص98). وتجدر الإشارة إلى أنَّ ما يدعو إليه زميل طالبة الطّب في الرُّواية، هو ما حذَّر منه رالف ايبرسون في كتابه النّظام العالمي الجديد (1995م)، بشأن دعوة عقيدة الماسونيَّة إلى اعتبار العقل الإله الحقيقي الَّذي يوجّه تصرُّفات الإنسان. لن ننسى أنَّ ألبرت بايك، حبر الماسونيَّة في القرن التَّاسع عشر للميلاد، قد قدَّم الأخلاق على العقيدة الدّينيَّة في مؤلَّفه عن الفلسفة الباطنيَّة Morals and Dogma-الأخلاق والعقيدة (1871م)، وإن ادَّعى أنَّ الأديان أصلها واحد ودعا إلى التَّسامح الدّيني.
يعبّر الأسواني عن ذلك على لسان طالب الطّب في الرُّواية، الَّذي يشكّك في ضرورة أداء الفرائض الدّينيَّة، ويتَّهم البعض بعدم فهْم صحيح الإسلام، وآخرين باستغلاله لتحقيق مآرب سياسيَّة، معتبرًا أنَّ غاية الدّين الأساسيَّة هي نشْر الأخلاق؛ وإلَّا فما للدّين من فائدة (ص99):
تقتنع ابنة اللواء بحُجَّة زميلها خالد، الَّذي يرمز اسمه إلى أيقونة ثورة يناير، خالد سعيد، وتتمنَّى الارتباط به، لولا الفوارق الاجتماعيَّة؛ فهو من أُسرة بسيطة وأبوه سائق، ويمكن أن يدمّره أبوها لو عرف رغبته في الارتباط بها. يواصل الأسواني طعنه في ثوابت الإسلام على لسان خالد مدني، الَّذي يصرّح بأنَّ العقوبات القانونيَّة المأخوذة عن الشَّريعة الإسلاميَّة يجب إلغاؤها، معلّلًا ذلك بأنَّ “العقوبات نفسها كانت موجود في الشَّريعة اليهوديَّة وتمَّ إلغاؤها”، ومعتبرًا أنَّ التَّخلُّف والرَّجعيَّة مرتبطان بتطبيق الشَّريعة، وأنَّ يروّجون لضرورة تطبيق الشَّريعة هم من النَّفعيين أصحاب المصالح السّياسيَّة والمادّيَّة (ص106):
وكعادته في دسّ السُّم في العسل، يتناول الرُّوائي مشهدًا من المفترَض أنَّه يعبّر عن اللُّحمة الوطنيَّة، عن اشتراك المسلمين والمسيحيين في الصَّلاة، بأن ألقى شيخٌ خطبة الجمعة، وتبعه كاهن في إلقاء كلمة؛ ثمَّ أقيمت صلاة الجمعة بعد كلمة الكاهن، وتبعها قدَّاس لصلاة المسيحيين، ليُصاب المراسلون الأجانب بحالة من التَّأثُّر أمام تلك “التَّجربة الإنسانيَّة الفريدة” (ص241):
وردًّا على تساؤل أحد المشاركين عن صحَّة اشتراك المسلمين والمسيحيين في صلاة واحدة، يقول أشرف ويصا، المسنّ المسيحي الَّذي آوى الفتاة أسماء عند هروبها من قوَّات الأمن والسّكّير مدمن الحشيش، “صلاتنا هنا مع بعض أحسن عند ربّنا من أيّ صلاة يعملها الشُّيوخ والقساوسة الَّذين يأخذون تعليمات من ضبَّاط أمن الدَّولة” (ص242). يمرّر الأسواني بتلك الطَّريقة فكرة ابتداع صلاة مشتركة بين المسلمين وغيرهم، من خلال إدانته للمؤسَّسة الدّينيَّة الرَّسميَّة في البلاد، الَّتي يراها متواطئة مع النّظام ضدَّ الشَّعب. ولا شكَّ في أنَّ في ذلك ما يتوافق مع مخطَّط الماسونيَّة لتوحيد الدّيانات تحت مسمَّى الدّين العالمي الجديد.
(المصدر: رسالة بوست)