مقالاتمقالات مختارة

جمعية علماء الهند ودورها في حركة تحرير البلاد

جمعية علماء الهند ودورها في حركة تحرير البلاد

بقلم د. محمود حافظ عبد الرب ميرزا جامعة (جواهر لال نهرو) دهلي الجديدة

     اقترح مولانا كفاية الله ضرورة مقاطعة مراسم حفلة الانتصار الإنجليزي في الحرب العالمية الأولى، وذلك في اجتماع انعقد في 13/ نوفمبر 1919م لمؤتمر الخلافة تحت رئاسة مولانا فضل الحق . وقام بتأييد هذا الاقتراح عدد كبير من العلماء بالإضافة إلى غاندي . كما انعقدت حفلة لمؤتمر الخلافة في 22/ نوفمبر عام 1919م في مدينة دهلي ، حيث اشترك فيها أكثر من 25 عالماً من العلماء البارزين في البلاد. وفي خلال هذا الاجتماع تم الاتفاق على ضرورة تأسيس جمعية خاصة بالمسلمين تقوم برعاية مصالحهم ، وتحاول بشتى الوسائل معالجة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية ، وتهتم بأمور دينهم حتى لا يقعوا فريسة للحركات التبشيرية والتنصيرية التي تقوم بها الحكومة البريطانية . واتفقوا على أن يتم فتح فروع لهذه الجمعية في جميع أرجاء البلاد أيضًا .

     على صعيد آخر، قام مولانا محمد أبو المحاسن سجاد بتأسيس منظمة صغيرة في ولاية بهار خاصة بالمسلمين سماها بمنظمة علماء بهار (أنجمن علماء بيهار) ، وحاول أن يوسع هذه المنظمة أيضًا لتصبح منظمة لعموم الهند . ونظرًا لجهوده اجتمع نخبة من العلماء في دهلي في 22/ نوفمبر 1919م، ومن بينهم الحاجّ محمد إسحاق ، ومولانا نور الحسن، ومولانا السيد سليمان الندوي ، وآزاد سبحاني ، ومولوي إكرام خان ، ومولانا محمد سجاد ، وحكيم أجمل خان وغيرهم ، وعهد هؤلاء العلماء بقيادة عبد الباري الفرنكي محلي بالاتحاد وعدم ترك أي فراغ للاختلافات بينهم . وبعد هذا العهد قاموا بتشكيل منظمة باسم «جمعية علماء الهند» واختاروا مولانا كفاية الله رئيسًا موقتا لهذه المنظمة .

     وبعد أن تم الاتفاق على هذا الاقتراح الذي عرض في هذه الحفلة ، ظهرت جمعية علماء الهند على مسرح الوجود ليحصل المشاركون في هذه الحفلة على عضويتها ، وتم انتخاب مولانا مفتي كفاية الله كرئيس موقت للجمعية.(1)

     وبعد سنة كاملة أي عام 1920م تم عقد اجتماع لهذه الجمعية في مدينة دهلي الجديدة ، وتم انتخاب شيخ الهند مولانا محمود حسن الديوبندي كرئيس للجمعية ، ومولانا مفتي كفاية الله كنائب للرئيس ؛ إلا أنه بعد وفاة شيخ الهند وقع الاختيار على مولانا كفاية الله ليتحمل مسؤولية رئاسة الجمعية على كتفية ، فاستمر كرئيس لها طوال مدة تزيد على عشرين عاما.(2) وقد أقيمت الحفلة الثانية لهذه الجمعية في شهر أكتوبر من عام 1920م برئاسة الشيخ محمود حسن ، الذي أصدر فتوى بعدم التعاون والموالاة مع الحكومة الإنجليزية في شهر يونيو من نفس العام .

     لم يتم تأسيس هذه الجمعية على نظام يهتم بأمور المسلمين الدينية ، وينحصر في نشر العلوم ، وتوفير الخدمة الإنسانية للمسلمين فقط ؛ بل كانت هذه الجمعية منذ أول يوم من تأسيسها تهتم بالأمور السياسية ، وكانت مرتبطة بمعظم الأمور المتعلقة بالدولة والديانة . وبما أن ظلم الحكومة البريطانية واضطهادها لأبناء الهند قد زاد حدة في تلك الأيام، كان على هذه الجمعية أن  تقوم بالخوض في الأمور السياسية منذ بداية الأمر؛ حيث يعلم الجميع بأن العلماء في الأغلب يحاولون التقيد بأمور التعليم ، والتدريس ، وإصلاح أبناء البشر، ونشر الإسلام والعلوم الدينية ؛ ولكن بسبب العوامل السياسية التي أجبرتهم على التدخل والاهتمام بالشؤون السياسية، فإن الشكل الظاهري كان يوحي بأن هؤلاء العلماء كانوا يهتمون وبشكل رئيس بالحفاظ على الديانة الإسلامية ، وكانوا يقومون بعملياتهم النضالية ضد الحكومة البريطانية من أجل الدفاع والذود عن الإسلام والمسلمين ؛ إلا أن الدلائل تشير وبكل وضوح أن العلماء لو لم يقوموا بمواجهة العلميات التبشيرية التي كانت تسود البلاد تحت رعاية الحكومة المستعمرة ، لأصبحت الهند شبيهة ببلاد الأندلس ، ولأصبحت الحرية والاستقلال من براثن الاستعمار بعيدة عن متناول أبناء البلاد ؛ ولكن هؤلاء العلماء استطاعوا أن يحبطوا جميع آمال هؤلاء البريطانيين بهدم ناطحات السحاب التي كانوا يبنون أساسها على قــواعد الحــركات التنصيرية . إن الأعمال التي قام بها العلماء في شبه القارة الهندية جديرة بألا يتغاضى عنها كل من يقوم بدراسة تاريخ الهند وكفاح أبنائه لنيل الاستقلال من براثن الاستعمار الأجنبي ؛ حيث يعتبر ذلك علامة رئيسة توحي للجميع بمدى خبرتهم في المجال السياسي، وبصيرتهم الفذة ، وحنكتهم السياسية ، الأمر الذي يمكن اعتباره بأنه قلما يوجد له نظير في تأريخ العالم.

     أما نشاطات هذه الجمعية السياسية ، فإنه لا يسع أحدًا أن يجحد دور هذه الجمعية في شتى المسائل السياسية التي كانت تتعرض لها الهند قبل الاستقلال ، وما يرد على المسلمين من مشاكل سياسية حتى الآن . وبما أننا بصدد دورها في كفاح القوة الأجنبية الغاشمة ونضالها للحصول علىالاستقلال، فإنني سأحاول أن أعرض سياستها تجاه بعض الأمور السياسية التي كانت تظهر في سماء البلاد قبل الاستقلال ، وأنه كيف استطاعت هذه الجمعية أن تدبر أعمالها ونشاطاتها لتنال الهند استقلالها .

     ففي الحفلة الثانية لجمعية علماء الهند التي أقيمت في مدينة دهلي عام 1920م ، تم اتخاذ قرار عدم الموالاة مع الحكومة البريطانية ، وأصدرت الجمعية فتاوى تحرم التعاون مع الحكومة البريطانية . ولكن في عام 1921م قامت الحكومة البريطانية بمصادرة هذه الفتاوى التي قام أكثر من خمسمائة عالم بالتوقيع عليها ، وقامت بزج زعماء هذه الجمعية في السجون لمدة تزيد على عامين .

     لقد كان عام 1923م عامًا شهدت فيه الهند عددًا من الاضطرابات الطائفية وأنواع العنف بين المسلمين والهندوس ، فقامت الجمعية برفع شعار الوحدة بين أبناء الوطن ، وحاولت إخماد نيران هذه الاضطرابات بشتى الوسائل .

     وفي عام 1927م اتضح أمام أعضاء الجمعية بأن الحكومة البريطانية قامت بتشكيل لجنة «سايمن» والتي ستصل إلى الهند في فترة وجيزة لتقوم بإعداد تقرير يقدم من خلاله بعض التوصيات وجدول الأعمال في المستقبل للحكومة المستعمرة ؛ لذا أعلنت الجمعية على الفور بمعارضتها وعدم موافقتها مع هذه اللجنة . وبهذا الخصوص عقدت حفلة خاصة للجمعية تحت رئاسة العلامة أنور شاه الكشميري في سبتمبر 1927م، ومن خلال هذا الاجتماع تم مناشدة جميع أبناء الهند بضرورة مقاطعة هذه اللجنة .

     وعندما ظهر الدستور الذي قامت بتقديمه لجنة تحت رئاسة «موتي لال نهرو» والذي عرف بـ«تقرير نهرو»، بعد مطالبة رئيس الوزراء البريطاني في إحدى كلماته التي ألقاها في البرلمان من أبناء البلاد الذين كانوا يكافحون لنيل الاستقلال بالقيام بإعداد دستور شامل على الأقل . قامت هذه اللجنة التي شكلت تحت رئاسة «موتي لال نهرو» بتقديم دستورها. إلا أن هذا الدستور قد ذكر فيه بأن المسلمين هم أهالي هذه البلاد من الدرجة الثانية وكان يضم بعض النقاط الأخرى التي كانت تعارض تعاليم الديانة الإسلامية ، علمًا بأن هذا الدستور قد تغاضى عن مصالح المسلمين أيضًا ؛ لذا قامت هذه الجمعية برفع صوتها ضد هذا الدستور وقامت بعرض مخالفتها له بشكل صريح(3).

     وفي عام 1929م اشترك أعضاء هذه الجمعية في حركة الملح ومسيرة داندي (داندي مارتش) التي دشنها غاندي ومنهم مولانا حفظ الرحمن ومفتي عتيق الرحمن العثماني ؛ لذا تم إلقاء القبض عليهم وعلى مولانا فخر الدين المراد آبادي ، ومولانا السيد محمد ميان الديوبندي ، ومولانا بشير أحمد بهت وغيرهم .

     وفي عام 1930م تم عقد حفلة لجمعية علماء الهند في مدينة «أمروها» الواقعة في مديرية «مراد آباد» تحت رئاسة مولانا شاه معين الدين الأجميري ، وتم اتخاذ قرار لتأييد حزب المؤتمر القومي الهندي في حركة تحرير الهند من براثن الاستعمار الأجنبي . وأعلنت الجمعية مشاركتها في جميع نشاطات حزب المؤتمر القومي الهندي وبكل قوة ونشاط . وبذلك أصبح نشاط الجمعية منحصرًا في ضرورة حصول الهند على الاستقلال التام الذي ناشد به مولانا حسرت موهاني(4).

     وفي 5/ أغسطس 1942م أصدر أعضاء الجمعية بيانًا صحفيًا مطالبين الإنجليز بضرورة ترك الهند ومغادرتها . وفي 8/ أغسطس من نفس العام تبنى حزب المؤتمر القومي الهندي نفس القرار المتضمن في شعار «quit India Movement» أو «do or Die» ونتيجة لذلك لقي أعضاء الجمعية والحزب أنواعاً عديدة من التعذيب واعتقل الآلاف من أعضائهم .

     كما خالفت هذه الجمعية برامج «العصبة الإسلامية» التي كانت تسعى إلى تقسيم البلاد وبناء دولة باكستان . وقد كان أعضاء هذه الجمعية معارضين لفكرة تقسيم الهند ، لاعتبار ذلك غير مفيد لمصالح المسلمين ، ولذلك قاموا بانتقاد سياسة «العصبة الإسلامية» التي كانت تؤيد نظرية التقسيم(5).

     وكانت الجمعية مهتمة بوحدة البلاد؛ لذا استمرت في تأييدها لحزب المؤتمر القومي الهندي في حركة تحرير البلاد ؛ حتى طلعت شمس جديدة تشع نورًا ساطعًا ويظهر على صفحات تاريخ الهند بحصولها على الاستقلال عام 1947م ؛ ولكن هذا الاستقلال قد جلب معه بعض الأزمات والمشاكل بسبب تقسيم البلاد إلى دولتين وما نتج عن ذلك من اضطرابات طائفية ونزاعات ، حتى هلك الكثيرون من أبناء البلاد ، وكان دور الجمعية في أيام هذه النزاعات دورًا كبيرًا في حث المسلمين على عدم ترك ميراث آبائهم ، والهجرة إلى باكستان، ومحاولة إطفاء نار الاضطرابات ، ودعوة أبناء البلاد إلى الاتحاد وتعزيز أواصر الحب والأخوة بينهم .

     ومن هذا المنطلق أريد أن أوضح هنا أن هذه الجمعية عندما بدأت تخوض في الميدان السياسي، اتبعت النهج المبنى على أن الهندوس والمسلمين في الهند هم أمة واحدة باعتبار أن الطائفتين ساكنتان تحت سقف دولة واحدة ، فهمومهم من هذه الناحية مشتركة ، والآلام والأحلام تجمعهم ؛ ولذا بدأ أعضاؤها يطوفون بأرجاء البلاد ويناشدون أبناءها على ضرورة الاتحاد والمشاركة في حركة تحرير البلاد في صف واحد . ونظرًا لهذا الأساس المتبع أعرضت هذه الجمعية عن «العصبة الإسلامية» وأيدت حزب المؤتمر القومي الهندي ، علمًا بأن هذا الطريق قد أدى إلى مواجهتها لبعض الاعتراضات من قبل بعض العلماء الذين كانوا يؤيدون النظرية المبنية على أن الهندوس والمسلمين هما أمتان مختلفتان، نحو مولانا أبو الأعلى المودودي والعلامة محمد إقبال . وعندما ترأس مولانا حسين أحمد المدني هذه الجمعية قال في إحدى خطبه التي ألقاها في مدينة دهلي «بأن الانتماء القومي يكون بالوطن وليس بالدين» (قوميت مذهب سى نهين ملك سى بنتي هى) .

     فبالفعل لعبت جمعية علماء الهند دورًا بارزًا في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني، واستطاعت أن تدوّن اسمها في التأريخ بحروف ذهبية؛ لما قامت به من نشاطات ، و سياسات ، وتدابير محكمة في القضاء على الحركات التبشيرية والتنصيرية ، والعمل على تفكيك القوة المستعمرة . وذلك من خلال مشاركتها في جميع العمليات التي كانت تهدف إلى إبعاد المستعمرين عن البلاد، حتى ظفرت البلاد بالاستقلال عام 1947م .

*  *  *

(المصدر: مجلة دار العلوم الشهرية ديوبوند)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى