جذور المؤامرة الماسونيَّة للتوطئة لدولة الدجَّال 4 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
أجواء مهَّدت للحرب العالميَّة الأولى
يوضح وليام غاي كار أنَّ مؤامرات أباطرة المال اليهود كانت وراء إشعال الحربين العالميتين، الأولى (1914-1919م) والثَّانية (1939-1945م)، ولم تصب في مصلحة أيّ طرف أكثر منهم؛ فقد ضاعوا إنتاجهم من الأسلحة، وقدَّموا الدَّعم المالي للأطراف المتصارعة في صورة قروض أحكموا من خلالها السَّيطرة على اقتصاد العالم. ليس بجديد القول بأنَّ المؤامرة العالميَّة كانت من تدبير “مجمع حكماء صهيون”، وتولَّت المنظَّمات التَّخريبيَّة مهمَّة تنفيذ المخطَّط لصالح المرابين اليهود، دون أن يظهر على الملأ تورُّط الفاعلين الأصليين في إراقة دماء الملايين من البشر أو في أكْل أموالهم بالباطل (ص169). أمَّا عن أهم الأزمات المفتعَلة الَّتي أدَّت إلى اندلاع الحرب، فمن بينها هروب رؤوس أموال بصورة غير مبرَّرة، واختفاء العديد من الشّخصيَّات السّياسيَّة البارزة عن المشهد نتيجة حملة اغتيالات واسعة شملت إمبراطورة النَّمسا، وملك إيطاليا، وملك البرتغال وولي عهده، وعمّ قيصر روسيا، والرَّئيس الأمريكي وليام ماكنلي ليحلَّ محله الماسوني ثيودور روزفلت. غير أنَّ الحدث الأشد وقعًا حينها كان اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، وريث العرش وولي العهد النمساوي، في 28 يونيو 1914م.
مع قرْع طبول الحرب العالميَّة الأولى، تخلَّص عملاء القوَّة الخفيَّة من رئيس الوزراء البريطاني المعادي للصُّهيونيَّة، هربرت هنري أسكويث، واستبدلته بالصُّهيوني ديفيد لويد جورج، مصحوبًا بآرثر جيمس بلفور، صاحب وعْد بلفور الشَّهير، وزيرًا للشُّؤون الخارجيَّة. وكما فُعل في فرنسا قبيل الثَّورة الفرنسيَّة (1789-1798م)، وكذلك في روسيا أثناء التَّمهيد للثَّورة البلشفيَّة (1917م)، استعان عملاء جمعيَّة المتنوّرين بسلاح الفضائح والتَّشهير بعد إغواء أهم الشَّخصيَّات السّياسيَّة ونجوم المجتمع وجرّهم إلى ارتكاب الفواحش، من شرْب للخمور وللعب للقمار وممارسة للزّنا. تزامَن إعلان الصُّحف التَّابعة للمتنوّرين عن فضائح الطَّبقة الحاكمة وانغماس أبنائها في الملذَّات مع مشاركة الجيش البريطاني في الحرب بخيرة شباب البلاد، ووجد هربرت هنري اسكويث نفسه محاطًا بفضيحة شخصيَّة تمسُّ زوجته الشَّابَّة، حتَّى اضطرَّ إلى الاستقالة مطلع عام 1916م. واتَّخذت السّياسة البريطانيَّة نهجًا جديدًا بعد التَّخلُّص من أسكويث ووصل التَّيَّار الصُّهيوني، بزعامة ديفيد لويد جورج، إلى سُدَّة الحُكم، ولعلَّ دخول أمريكا الحرب حينها، برغم عدم وجود مصلحة مباشرة لها في ذلك، ما يثبت دعْم أباطرة المال المسيطرين على الاقتصاد الأمريكي لحكومة ديفيد لويد جورج. وجاءت مشاركة أمريكا في الحرب بعد مرور أكثر من 3 سنوات على بدايتها، وتحديدًا في منتصف عام 1917م، وبرغم إحجام الشَّعب الأمريكي عن تلك المشاركة، ولكن لم يكن لرأي يخالف إرادة اليهود أن يسود.
ينبّهنا غاي كار إلى حرْص عائلة روتشيلد على التَّواصل مع آرثر جيمس بلفور، وكذلك إلى تواصُل الأخير مع مؤسَّسة كوهين-لوب الماليَّة الأمريكيَّة، ممثّلةً عن أباطرة المال اليهود، وقد اتَّخذ تواصُل وزير الشُّؤون الخارجيَّة البريطاني، بلفور، مع المؤسَّسات الماليَّة الأمريكيَّة صفةً رسميَّة، حينما كُلّف بإبلاغ تلك المؤسَّسات باستعداد بريطانيا إلى اعتماد مشاريعهم المتعلّقة بالصُّهيونيَّة السّياسيَّة. تعهَّد بلفور في وثيقة رسميَّة أقرَّتها الحكومة في بلاده بما يلي: “تقبل حكومة صاحب الجلالة بمبدأ وجوب إعادة تأسيس فلسطين بوصفها وطنًا قوميًّا للشَّعب اليهودي، وسوف تبذل حكومة صاحب الجلالة كلَّ طاقاتها لتأمين الوصول إلى هذا الهدف، وسوف نتناقش فيما يتعلَّق بالطُّرق والوسائل الَّتي يتطلَّبها تحقيق هذا الهدف مع المنظَّمة الصُّهيونيَّة” (ص178). يوضح غاي كار أنَّ الحكومة البريطانيَّة نفَّذت ما أملاه عليها المرابون اليهود، وعلى رأسهم عائلة روتشيلد، فيما يتعلَّق بتأسيس الدَّولة العبريَّة، مستنتجًا أنَّ “الصُّهيونيَّة ليست ظاهرة عفويَّة عارضة، بل هي وليدة مخطَّط طويل الأمد…المخطَّط الَّذي بناه المجمع الَّذي يوجهه المرابون اليهود، والَّذي يهدف إلى السَّيطرة على العالم بأسره بكلّ ما فيه من ثروات وموارد طبيعيَّة وطاقات إنسانيَّة” (ص179). أُبرمت معاهدة فرساي في 10 يناير 1920م، بعد انتهاء الحرب العالميَّة الأولى بأقل من عام، بين الحلفاء المنتصرين، أي أمريكا وبريطانيا وروسيا وإيرلندا وفرنسا، مع الدُّول المهزومة، وهي ألمانيا والنَّمسا والدَّولة العثمانيَّة وبلغاريا. ويعتقد وليام غاي كار أنَّ تلك المعاهدة هي ذاتها الَّتي أشعلت شرارة الحرب العالميَّة الثَّانية، بما اختلقته من مشكلات.
استعمار فلسطين والقضاء على دولة الخلافة
لم تكن فلسطين هدفًا لليهود لاستعادة حقّهم التَّاريخي المزعوم فيها وفقط، إنَّما لأنَّ أبحاثهم الجيولوجيَّة أظهرت المقدار الكبير للثَّروات الطَّبيعيَّة الَّتي تُقدَّر بالمليارات هناك، وبخاصَّة في منطقة البحر الميّت. اتَّخذت مؤامرة استعمار منطقة الشَّرق الأوسط، وبخاصَّة فلسطين، قناعًا جديدًا، هو الصُّهيونيَّة السّياسيَّة، وقد حدَّد المتآمرون هدفين أساسيين، هما إجبار العالم على الاعتراف بفلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وتأمين السَّيطرة على ثروات منطقة الشَّرق الأوسط، وبخاصَّة في محيط البحر الميّت. كُلّف القائد العسكري البريطاني إدموند ألنبي بشنّ حملة عسكريَّة واسعة النّطاق في المنطقة لإنهاء الوجود العثماني في الشَّام والعراق وجزيرة العرب، ومن ثمَّ إسقاط دولة الخلافة الإسلاميَّة، الَّتي كانت أكبر عائق في طريق تأسيس دولة إسرائيل. سارَع المرابون اليهود بعد إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920م بإيفاد مندوبين عنهم بوصفهم أعضاءً في الَّلجنة الصُّهيونيَّة المؤسَّسة في فلسطين حينها. كان من بين أعضاء تلك الَّلجنة جيمس دي روتشيلد، ابن ادموند دي روتشيلد، رئيس الفرع الفرنسي لأسرة أباطرة المال ومؤسّس تل أبيب وعدد من المستعمرات، وكذلك حاييم وايزمان، أشهر شخصية صهيونية في التُّراث الصُّهيوني بعد تيودور هرتزل، ورئيس المنظَّمة الصُّهيونيَّة، وأوَّل رئيس للدَّولة العبريَّة. يُذكر أنَّ تلك الَّلجنة أُرسلت إلى فلسطين وباشرت أعمالها هناك حتَّى قبل انعقاد مؤتمر السَّلام في باريس مطلع عام 1919م، وقد كشَف أباطرة المال في ذلك المؤتمر عن نواياهم الحقيقيَّة، ولم يعد دعمهم للاستعمار الصُّهيوني لأرض فلسطين خفيًّا. وأصبح موقف بريطانيا من تأسيس إسرائيل جليًّا، خاصَّة لمَّا رفَض السّياسي البريطاني البارز ونستون تشرشل، عند زيارة فلسطين عام 1921م، طلب الَّلجنة العربيَّة الَّتي تقدَّمت إليه بمظالم العرب في ظلّ الانتداب البريطاني، إيقاف الهجرة اليهوديَّة.
يذكر غاي كار جانبًا ممَّا دار خلال المؤتمر الاستثنائي للجنة الطَّوارئ لحاخامات أوروبَّا، مشيرًا إلى ما صرَّح به الحاخام إيمانويل رابينوفيتش بخصوص الحرب المقبلة، بعد انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية بنتائج صبَّت في مصلحة اليهود. أثار رابينوفيتش مسألة هامَّة، وهي توقيت الحرب العالميَّة الثَّالثة الَّتي دخلت ضمن مخطَّط ألبرت بايك آنف الذّكر، مفضّلًا تأجيلها لعقدين من الزَّمن. لم يخفِ الحاخام أنَّ تلك الحرب “ستفوق في آثارها ودمارها الحروب السَّابقة بمجموعها”، وأنَّ إسرائيل ستتَّخذ فيها موقفًا حياديًّا لكي تنجو من تبعاتها، على أن “يُعهد إليها بعدئذ بالإشراف على مجموع قضايا الشُّعوب الباقية”، وستكون تلك الحرب، على حدّ قوله، آخر معارك اليهود مع الأغيار (ص200). وبسؤاله عن مصير الأديان بعد الحرب العالميَّة الثَّالثة، أجاب رابينوفيتش (ص201-202):
“لن تكون هناك أديان بعد الحرب العالميَّة الثَّالثة، كما لن يكون هناك رجال دين. فإنَّ وجود الأديان ورجال الدّين خطرٌ دائمٌ علينا، وهي كفيلة بالقضاء على سيادتها المقبلة للعالم. فإنَّ القوَّة الرَّوحيَّة الَّتي تبعثها في نفوس المؤمنين بها تبعث فيهم بالتَّالي الجرأة على الوقوف في وجهنا…قد نحتاج في سبيل هدفنا النّهائي إلى تكرار نفس العمليَّة المؤلمة الَّتي قمنا بها أيَّام هتلر، أي أنَّنا قد ندير نحت أنفسنا وقوع بعض حوادث الاضطهاد ضدَّ مجموعات أو أفراد شعبنا…قد تكون التَّضحية ببضعة آلاف من أفراد شعبنا، نعمل نحن بذاتنا على إبادتهم لإلصاق التُّهمة بغيرنا. قد تكون تضحية جسيمة، ولكنَّنا يجب ألَّا نقيم وزنًا لأيَّة تضحيات كبيرة كانت أو صغيرة في سبيل هدفنا النّهائي، السّيادة على العالم“.
حرب اقتصاديَّة عالميَّة تمهّد للحرب العالميَّة الثَّانية
يلقي وليام غاي كار الضَّوء على تفاصيل ما أطلق عليه “الحرب الاقتصاديَّة الشَّاملة الَّتي أصبح العالم بأسره مسرحًا لها”، وبخاصَّة قبيل الحروب، ويختصُّ هنا بالإشارة الحرب العالميَّة الثَّانية (1939-1945م)، الَّتي حرص المرابون اليهود قبيل اندلاعها على نهْب أكبر قدر ممكن من أموال الشُّعوب؛ لاستغال الأزمة الماليَّة مستقبلًا في تحقيق مآربهم (ص211). افتُعلت خلال عقد العشرينات من القرن الماضي أزمة اقتصاديَّة من خلال ضخّ أموال طائلة في السُّوق العالميَّة، ثمَّ سحبها فجأة؛ ممَّا أدَّى إلى هبوط أسعار القيم الماليَّة. نتيجة التَّلاعب في الأسعار، وتقديم القروض بشروط مغرية لإغراء المستثمرين على الاقتراض ثمّ تطويقهم بالدّيون لاحقًا، واحتكار السّلع، حدثت أزمة اقتصاديَّة طاحنة عُرفت بـ “الكساد الكبير” (Great Depression) بداية من عام 1929م، وحتَّى مطلع الأربعينات. ومع عجز المدينين عن تسديد قروضهم، بدأت البنوك والمؤسَّسات الماليَّة تنتزع ملكيَّة القيم الماليَّة المقدَّمة بوصفها ضمانات للقروض الممنوحة؛ “وهكذا تسرَّبت ملايين الملايين من الدُّولارات من حوزة أصحابها في جميع أرجاء العالم إلى خزائن المرابين العالميين” (ص214). شهد الغرب خلال فترة الكساد الكبير حالات غير مسبوقة من الانتحار والانحراف الأخلاقي، مع انتشار الرَّذيلة والانحلال والدَّعارة وأعمال النَّهب، “ولكنَّ هذا ليس ممَّا يقيم له المرابون العالميون وزنًا في حساباتهم” (ص215). جدير بالإشارة أنَّ الدّيكتاتور الرُّوسي جوزيف ستالين، رئيس الاتّحاد السُّوفييتي (1922-1953م)، شارك في تلك الحرب الاقتصاديَّة من خلال طرْح الحبوب الرُّوسيَّة في شتَّى أنحاء العالم بأسعار زهيدة، بعد انتزاعها بالقوَّة من المزارعين في روسيا وأوكرانيا، وارتُكبت في سبيل ذلك مجازر، وتُرك البسطاء يموتون جوعًا في سبيل أن يغرق ستالين السُّوق العالميَّة بتلك الحبوب. أمَّا عن غايته، فقد كانت “شلّ الاقتصاد الأوروبي والأمريكي”، ويرى غاي كار أنَّه ربَّما كان في حسبان ستالين أنَّ اتّباع تلك السّياسة سيسفر في النّهاية عن “اندلاع الثَّورة الشُّيوعيَّة في الغرب” (ص214).
من المعروف أنَّ ألمانيا خرجت من الحرب العالميَّة الأولى مهزومة، ومكبَّلة بشروط معاهدة فرساي لعام 1920م، وعانت من مكائد اليهود ممَّن أثاروا الاضطرابات في الجيش، وزرعوا الشّقاق بينها وبين الدُّول العظمى، مثل أمريكا؛ من ثمَّ، تولَّد لدى الشَّعب الألماني شعورٌ بالرَّغبة في الانتقام واستعادة المكانة السَّابقة. أصبحت ألمانيا تواجه تحديًا اقتصاديًّا كبيرًا بعد أن اعتمدت على القروض الأجنبيَّة في تسيير الأمور، وكان الشَّعب يدفع ثمن الاقتراض بما فُرض من ضرائب لتسديد الفوائد؛ ممَّا جعَل السَّاحة مهيَّأة لظهور مخلّص يُخرج البلاد من أزمتها ويُنهضها من تلك الكبوة، وكان أدولف هتلر، الزَّعيم النَّازي، ذلك المخلّص. حقَّق هتلر من أجل ألمانيا انتصارات مذهلة أعادت إليها الكثير من مجدها السَّابق، وقد كانت سياسته تستند إلى نظريَّة كارل ريتر، آنفة الذّكر، عن تفوُّق العرق الآري وأحقيَّته في أن يسود العالم؛ وتعاوَن هتلر في سبيل ذلك مع طبقة الأرستقراطيَّة العسكريَّة. شنَّت ألمانيا النَّازيَّة ضدَّ اليهود حملة قاسية، وأعلن هتلر صراحةً عداء بلاده لتلك الفئة من النَّاس، ممَّن ذمَّهم بأبشع الصّفات.
انتبه المرابون اليهود إلى خطورة نموّ ألمانيا النَّازيَّة اقتصاديًّا، وخشوا من أن تنجح حملة هتلر في تصفيتهم، كما كان يتوعَّدهم. من ناحية أخرى، كانت طبقة الأرستقراطيَّة العسكريَّة تصرُّ على خوض الحرب الَّتي كانت تلوح في الأفق حينها، اعتقادًا منهم أنَّها كانت ستفضي إلى فرْض الجنس الجرماني سيطرته على العالم؛ ولذلك دُبّرت محاولة لاغتيال هتلر. يبدو أنَّ غاي كار صدَّق أنَّ هتلر كان على عداء مع اليهود، وأنَّه أراد تصفيتهم، بينما تشير بعض الوقائع إلَّا أنَّه لم يكن سوى صنيعة من صنائع القوَّة الخفيَّة دخلت في صراع مع اليهود أكسبهم تعاطُف العامَّة، وبرَّر هجرتهم الجماعيَّة إلى فلسطين. كانت العلاقة بين هتلر والكنيسة متوتّرة؛ ومن أسباب ذلك، تحالُفه مع طبقة الأرستقراطيَّة العسكريَّة الَّتي كانت تعتنق عقيدة إلحاديَّة، وقد اصطفَّت الكنيسة البروتستانتيَّة إلى جانب الكنيسة الكاثوليكيَّة في موقفها المعارض لتلك العقيدة. اتَّفقت الكنيستان على أنَّ هدف النَّازيين كان “القضاء على فكرة المسيحيَّة الحقيقيَّة القائمة على الاعتقاد بإله واحد للجميع لاستبدالها عمليًّا بفكرة إله جرماني” (ص226). أوشك توتُّر العلاقة بين النازيين والكنيسة إلى أن يتطوَّر إلى حرب أهليَّة، وما كان من هتلر إلَّا أن أصدر قانونًا يمنع رجال الدّين من انتقاد أفكار النَّازيين ومعتقداتهم.
كانت الأمور تسير وفق المخطَّط الشَّيطاني، وكان المرابون اليهود يعدُّون رجالهم لتولّي المناصب القياديَّة مع اقتراب الحرب، وكان ونستون تشرشل (Winston Churchill) مَن وقع الاختيار عليه لكي يصبح رئيس وزراء بريطانيا؛ أمَّا في أمريكا، فقد حظي السّياسي فرانكلن روزفلت (Franklin Delano Roosevelt) بمكانة غير مسبوقة بين الرُّؤساء الأمريكيين، بأن بقي في الحُكم لثلاث فترات رئاسيَّة (1933-1945م)، وقد مات مع نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية في منزل المرابي اليهودي برنارد باروخ، الَّذي يرى غاي كار أنَّه لعب دورًا بارزًا في صُنع القرار في أمريكا خلال 40 سنة، وإن كان عمله في الظَّلام، كسائر رؤوس القوَّة الخفيَّة في العالم. نجح المرابون في تجاوُز أزمة كادت تعرقل مخطَّطهم، حينما أصدر الصُّحافي البريطاني فكتور مارسدن (Victor E. Marsden) قبيل وفاته عام 1920م، ترجمة لكتاب بروتوكولات حكماء صهيون، لمَّا حصل على نسخة من الكتاب الَّذي ألَّفه العالم الرُّوسي سيرغ اليكسندروفيتش نيلوس، والَّذي كان قد حصل بدوره على نسخة من الوثائق الَّتي استند إليها في باريس من امرأة سرقتها من عشيقها، وكان من كبار المرابين اليهود. ولإحباط تأثير الضَّجَّة الَّتي أحدثها الكتاب في بريطانيا، استخدم المرابون الاتّهام الشَّهير الَّذي يحاربون به مَن يفضحهم، وهو معاداة السَّاميَّة. ولأنَّ الأمير إدوارد، ولي العهد البريطاني حينها ولاحقًا الملك إدوارد الثَّامن (20 يناير 1936-11 ديسمبر 1936م)، تأثَّر بكتابات مارسدن، فقد أُجبر على التَّخلّي عن السُّلطة والتَّنازل لأخيه، جورج الخامس، بعد أقل من عام في الحُكم.
يُذكر أنَّ إدوارد الثَّامن طالما وُصف بالمستهتر وعديم القدرة على تحمُّل المسؤوليَّة، على عكس أخيه وخليفته على العرش، جورج السَّادس، والد الملكة إليزابيث الثَّانية، ملكة بريطانيا منذ عام 1953م إلى اليوم. غير أنَّ الحقيقة، كما يكشف غاي كار، هي أنَّ إدوارد الثَّامن كان جادًّا وعميق التَّفكير. وتجدر الإشارة كذلك إلى أنَّ فكتور مارسدن توفَّي في ظروف غامضة بعد رحلة حول الإمبراطوريَّة البريطانيَّة بصحبة إدوارد الثَّامن، وقتما كان لم يزل وليًّا للعهد. شنَّ المرابون حملة ضارية على إدوارد الثَّامن بعد تولّيه الحُكم مطلع 1936م، وكان سببها ارتباطه بسيّدة أمريكيَّة مطلَّقة، وكان الدُّستور ينصُّ على ألَّا يرتبط العاهل البريطاني بمطلَّقة؛ وأُجبر إدوارد حينها على التَّنازل عن العرش لأخيه الأصغر. جدير بالإشارة كذلك إلى أنَّ الأمير تشارلز، ولي العهد البريطاني الحالي، نجل إليزابيث الثَّانية، تزوَّج عام 2005م من سيّدة مطلَّقة، بعد تعديل الدُّستور بما يسمح بذلك، برغم أنَّ أمَّه مدينة بعرشها إلى المادَّة الَّتي أجبرت عمَّها، إدوارد الثَّامن، على التَّنازل عن العرش لصالح أبيها، الَّذي أورثه إيَّاها بعد 16 عامًا فقط. بعد تنازُل إدوارد الثَّامن عن العرش في ديسمبر من عام 1936م، أصبح الصّراع بين المرابين اليهود وعقلاء بريطانيا مُعلنًا، وفتك المرابون بكلّ مَن اعترض طريقهم، وأوصلوا رجلهم ونستون تشرشل إلى رئاسة الوزراء (1940-1945م) لإتمام مخطَّط الحرب.
المصدر: رسالة بوست