مقالاتمقالات مختارة

ثمن الإصلاح

ثمن الإصلاح

بقلم عبد العزيز الفضلي

من أرقى الشخصيات منزلة ومكانة في المجتمعات، أولئك الذين يحملون همّ إصلاح مجتمعاتهم والارتقاء بها إلى المعالي ومكارم الأخلاق.
ومن يقومون بمثل هذا العمل إنما يسيرون على نهج الأنبياء والمرسلين، والذين كان لسان حالهم ما قاله شعيب عليه السلام لقومه «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت».
والسير في هذا الطريق برغم نبل الغاية والهدف، إلا أنه ليس مفروشاً بالورود والرياحين.
وإنما هو طريق مزروع بالأشواك، ومليء بالعقبات والعراقيل.
هذا الطريق يتعرض فيه سالكه إلى الأذى المادي والمعنوي، يؤذى في نفسه وأهله وولده وماله، تُلقى عليه الاتهامات وهو منها براء.
يوصف بأشنع الأوصاف وأقذعها.
وهذا مسلك أهل الباطل في مواجهة دعاة الإصلاح.
لقد وُصِف نبينا -وهو الصادق المصدوق- بالساحر والمجنون، رمي بالحجارة من قبل أهل الطائف حتى أدموا قدميه الشريفتين، ووضع كفار قريش على ظهره سلا الجزور وهو ساجد!
اتّهِم أهله في عرضهم، سقط يوم أحد في حفرة، ودخل المغفر في وجنتيه، وسقطت بعض أسنانه، قُتِل بعض أصحابه بين يديه.
وهو صابر محتسب يسير في طريق دعوته إلى الله.
وهذا السبيل هو الذي ينبغي أن يسير عليه دعاة الحق والإصلاح.
يصبرون على الأذى من سجن أو تعذيب أو اعتقال، يتحمّلون التضييق عليهم في أرزاقهم، ويصبرون على تهجيرهم من ديارهم، شعارهم ما قاله الإمام ابن تيمية في مواجهته لمكر أعدائه به «إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة».
تمر بنا هذه الأيام ذكرى الهجرة النبوية، وفيها أنس وسعادة لمن يحملون همّ الإصلاح والدعوة، يأنسون بأن الله تعالى لا يتخلى عن أنبيائه ولا عن عباده المصلحين، فقد حمى نبيه عند خروجه من بيته وقد أحاطه الكفار ليلة الهجرة فلم يمسّوه بأذى، وحفظه وصاحبه وهما في الغار، وحماه من أذى سراقة بعد أن كاد أن يلحقهما.

يتعلم المسلم من الهجرة، المعنى الحقيقي للأخوة الإسلامية، من خلال الموقف الرائع للأنصار مع إخوانهم المهاجرين، وكيف أن المؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضها، وأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
لذلك يبادر إلى نُصرة إخوانه المضطهدين والمنكوبين والمحاصرين، في غزة والشام وغيرهما من البلاد.
يتفاءل المصلحون – وهم يقرؤون حادثة الهجرة – بانتصار الحق ولو بعد حين، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحا بعد 8 سنوات من الهجرة، بعدما خرج منها طريدا ملاحقا.
ثم دخل مكة وكسّر الأصنام وهو يُردّد «قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا».
لذلك يتفاءل المؤمن بنصر الله وتمكينه لعباده الصالحين، وأن الله تعالى جاعل الغلبة للموحدين: «كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز».
فيا دعاة الإصلاح في كل مكان: «اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».

(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى