ثلاثة نماذج إسلامية رائعة في زمن الشيطنة
بقلم ياسر الزعاترة
في وقت يتصاعد فيه المد اليميني العنصري في الغرب، تأتي حوادث فردية من قبل أناس مسلمين، كي تصفع ذلك اليمين، وتؤكد أن المسلم ليس كما يتصوره البعض أو تصوّره بعض وسائل الإعلام ككائن عنيف يحب القتل، ويتعامل مع الآخرين بمنطق العداء.
قبل الخوض في الحكايات الثلاث ودلالاتها، لا بد من الإشارة إلى أن الأفكار غالبا ما تنتشر بالنموذج، وليس بالوعظ المباشر الجاف؛ إن كانت تتعلق بأديان، أم بأيديولوجيات من شتى الألوان. ولو تتبعت سيرة الناس على صعيد الأفكار والتيارات والجماعات، فستجد أن كلا منهم قد اعتنق تلك الأفكار من خلال إنسان أحبه أو صادقه، ووجد فيه ترجمة جميلة لتلك الأفكار، قبل أن يشرع في القراءة النظرية لطروحاتها.
أتذكر حين كنا طلبة في الجامعة أول الثمانينات؛ حين كانت الصحوة الإسلامية في بداياتها، وكان التديّن غريبا على مجتمعاتنا.. أتذكّر أننا لم نكن نجد من سبيل لكسب قلوب الزملاء غير تقديم النموذج المخلص في خدمتهم والحرص على مصالحهم، وتبني قضاياهم أمام إدارة الجامعة، بجانب الاهتمام بالقضايا المجتمعية التي تعنيهم عبر النشاطات والمهرجانات والمسيرات. وكان كثير من الشباب الإسلاميين يبذلون من أوقاتهم والقليل الذين يملكونه من أجل ذلك، وهو ما أفضى إلى انحياز أعداد كبيرة من الطلبة تباعا إلى الفكرة الإسلامية.
أصبحت الجاليات المسلمة في أرجاء العالم حقيقة واقعة، وبوسع هؤلاء أن يعطوا الصورة الحسنة لدينهم وقيمهم
استوقفتني في الأسبوعين الأخيرين ثلاث حكايات تستحق التوقف، أولاها مقابلة مع الكاتبة الأمريكية الشهيرة (اليزابيث جيلبرت)، تحدثت خلالها عما سبق أن سطّرته في روايتها الشهيرة (طعام، صلاة، حب)، والتي صدرت في العام 2010، وتحوّلت إلى فيلم سينمائي لاحقا، حيث تحدثت عن أن صورة الإسلام التي تراها بعيدا عن الجدل الراهن تتمثل في سلوك تلك المراة المسلمة الإندونيسية في تلك الجزيرة الصغيرة، والتي خمّنت أنها (أي الكاتبة) مريضة حين لم تخرج لرياضتها المعتادة، وكانت بالفعل مريضة جدا، فاعتنت المرأة الإندونيسية المسلمة بها أفضل عناية كما لو كانت ابنتها، وهي لا تعرف اسمها.
القصة الأخرى تتعلق بتلك المسلمة البريطانية من أصول ليبية، والتي واجهت متطرفا مسيحيا أصر على أن يقرأ كلاما من الإنجيل يعرّض باليهود على مسمع طفل يهودي وأمه في القطار، فتصدّت له وسط صمت بقية الركاب، فكان فعلها ذلك موضع اهتمام وإعجاب من الجمهور البريطاني، ثم كان أن بحث الزوج ووالد الطفل عنها حتى يشكرها.
أما القصة الثالثة، فتتعلق بذلك الشاب المسلم من أصول آسيوية، والذي يعمل في مهنة توصيل الطلبات إلى البيوت في مدينة نوتنغهام، حين شاهد أعمدة دخان تتصاعد من أحد المنازل، وتجمعا كبيرا للناس خارجه، فصرخ متسائلا عما إذا كان الجميع خارج المنزل، ثم رأى امرأة مع طفلين صغيرين تصرخ قائلة: طفلي طفلي ما زال في المنزل، فكان أن اقتحم المنزل على الفور، والتقط الطفل من غرفة بجوار المطبخ، حيث اندلعت النيران وأنقذه إلى الخارج، وبقي مع العائلة حتى قدوم الإطفاء والإسعاف. وكانت قصة تداولتها وسائل الإعلام وسمع بها أكثر الناس.
الأمر الضروري هو القول إنه مقابل فرد كهذا، يوجد ملايين يرفضون هذا المسار، ومن الظلم محاسبتهم عليه، لاسيما أن التطرف موجود في كل الأديان والأيديولوجيات الأخرى
لم يفعل أي من هؤلاء ما فعل بروحية الدعوة إلى الإسلام بمعناها الحرفي على طريقة المبشّرين في المناطق الفقيرة، تماما كما لم يترجم التجار المسلمون في القديم قيم دينهم في الصدق والأمانة من أجل ذلك، بل فعلوه التزاما بقيمهم ودينهم، فكان أن نشروا الإسلام في أرجاء واسعة من هذا العالم دون حروب.
لقد أصبحت الجاليات المسلمة في أرجاء العالم حقيقة واقعة، وبوسع هؤلاء أن يعطوا الصورة الحسنة لدينهم وقيمهم، بدل أن يتعاملوا مع المجتمعات التي يعيشون فيها بروحية العداء والاستباحة كما يروّج بعض الموتورين باسم الإسلام، لا سيما أنهم بذلك يحافظون على هوية أبنائهم من جهة، ويمنحون دينهم المكانة اللائقة به من جهة أخرى. كما يتحوّلون إلى عناصر إيجابية في مجتمعاتهم التي سيندمج فيها أبناؤهم تماما، لاسيما أن جيلا ثالثا قد أصبح الآن هناك.
بقي القول إنه بعد انتشار هذه القصص الثلاث مباشرة، جاءت عملية طعن إجرامية، كي تذكّر الناس بالوجه الآخر للصورة ممثلا في إنسان يعيش في مجتمع ويحمل جنسية دولته، وأقسم على الولاء لها، ثم يعتدي على مدنيين في الشارع باسم الجهاد في سبيل الله.
لكن الأمر الضروري هو القول إنه مقابل فرد كهذا، يوجد ملايين يرفضون هذا المسار، ومن الظلم محاسبتهم عليه، لاسيما أن التطرف موجود في كل الأديان والأيديولوجيات الأخرى، من دون أن يُنسب إليها، باستثناء الحالة الإسلامية.
(المصدر: عربي21)