ثبوت الهلال مسألة اجتهادية
بقلم أ.د/ بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري (خاص بالمنتدى)
وعلى المرجعية أن تثبت على خط والرجوع إلى الأصل فضيلة صرح الحافظ ابن عبد البر في التمهيد أن مسألة ثبوت هلال رمضان خلافية و أن بعض العلماء قال باعتبار اختلاف المطالع، و بعضهم قال بعدم اعتباره،.
حيث قال: ” إلى القول الأول أذهب؛ لأن فيه أثرًا مرفوعًا، وهو حديث حسَن تلزم به الحجةُ، وهو قول صاحبٍ كبير لا مخالفَ له من الصحابة، وقول طائفة من التابعين، ومع هذا: إن النظر يدل عليه عندي”.
وهو يشير إلى حديث كريب، الذي رواه مسلم، وأن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال:
فقال: متى رأيتم الهلال؟
فقلت: رأيناه ليلة الجمعة.
فقال: أنت رأيتَه؟
فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية.
فقال: لكنَّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه.
فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟
فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم’.
وعليه: فإن في المسألة سعة، و لكن لا بد من مراعاة هذه الاعتبارات:
أولا: أن البقاء على الأصل هو الأسلم ، عند الاختلاف في مدلولات الألفاظ في فهم النصوص ، و اللجوء إلى ظواهر. النصوص عاصم عند الاختلاف في قراءة النص و استثماره.
ثانيا: أن القول في نفي الفارق بين الأقطار ، و أن هذه أمة واحدة مقصد نبيل ، و لكن يراع فيها وحدة الخط الفلكي، مع عدم تباعد الأقطار، كما صرح بذلك المالكية .
قال الإمام الباجي :”إذا رأى أهل البصرة هلال رمضان ، ثم بلغ ذلك أهلَ الكوفة والمدينة واليمن فالذي رواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك في المجموعة : لزمهم الصوم”.
و ذلك أن الشمس والقمر وسائر الكواكب إذا طلعت على بلد واقع على أحد خطوط الطول – ممتدًّا من الشمال إلى الجنوب – كانت مشرقة على جميع البلدان الواقعة على هذا الخط.
و كذلك كل البلاد الواقعة غربي هذا الخط يكون الهلال ثابتًا عندها – مهما اختلفت المطالع – وكلما كانت البلاد أشد بُعدًا من جهة الغرب، كان الهلال أظهر.
و عليه لا بد من مراعاة هذه الخطوط الفلكية، لمن أسلم عقله للحساب الفلكي، و إطمأن له.
ثالثا: ضرورة و جود فلكيين ثقات ضمن لجنة رصد الأهلة، مع بذل الوسع بالقدر الذي يبذله الفقيه عند استنباط الحكم.
حيث جاء في بيان للمجلس الفقهي الأروبي الذي يتخذ من العاصمة الإيرلندية دبلن مقرا له إن ”الحسابات الفلكية الدقيقة بالنسبة لهلال شهر رمضان لعام 1443هـ تؤكد اقتران الهلال يوم الجمعة 29 شعبان/ 01 أفريل 2022 م على الساعة 06:25 بتوقيت غرينيتش ، وعليه سيكون أول شهر رمضان المبارك يوم السبت 02 أفريل”.
وأوضح ذات البيان أن رؤية الهلال ستكون ممكنة بالتلسكوب في الجزء الغربي من إفريقيا وفي الأمريكتين”.
خامسا: يجب أن يكون هناك خط فقهي واضح و ثابت غير مزاجي ، يحافظ على نظام و نسق المذهب ، مهما كان الاختيار في المسألة الإجتهادية. وهذا ما يسمى عندنا بالمجاريات، أو ما جرى عليه العمل.
سادسا: و كما قرر العلماء أن : الإعتبار يورث الإعتذار، يجب أن يكون الاختيار محررا و مبررا، خاصة عند الخروج عن الجادة، و مما ألف من معهود أهل الإفتاء ببلدنا، و هذا مما يجعل النفوس تسكن للإطمئنان، و العقول للإذعان.
سابعا: كلما صدرت الفتوى من أهلها في محلها، و إرتضاها أهل الحل والعقد، فهي ملزمة لكل من ههم تحت سلطانها.
ثامنا: يحرم مخالفة السواد الأعظم لأهل البلد، إذا إستقر على أحد الأراء، و هذا محافظة على و حدة الكلمة و وحدة الصف، ما دامت المسألة خلافية، وفيها سعة في اختيار أحد القولين، فما ارتضته الأمة، فهو واجب الإتباع، و كل مشغب عليها يجب الأخذ على يده بقوة السلطان ، لأن متعلقها بأمر الأمة، لا بأحكام ٱحاد الأفراد.
الخلاصة:
على كل دولة أن تحسم أمرها من خلال مجتهديها، إما أن تأخذ بالرؤية المطلقة، و إما بالحساب الفلكي، او وحدة المطالع، و هذا من خلال الاستعانة بعلماء فلك ثقات، علما و دينا.
و لا تلجأ إلى الحساب الفلكي إلا إذا إنعدمت الرؤية البصرية، خاصة إذا كان الجو صحوا .
فالعبرة بالرؤية البصرية و لو باستعمال التيلسكوب، لا بالحساب و التقويم الفلكي ، او و حدة المطالع، قولا واحدا.
وهذا حتى يحافظ على رسوم الشريعة، في أميتها التي نخاطب الناس بمعهودهم، دون تكلف أو تعسف، فيما قرره علامة المقاصد الإمام الشاطبي رحمه الله .
لقوله صلى الله عليه و سلم:” (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُمِّي عليكم الشهر، فعدوا ثلاثين).
هذا و بالله التوفيق ، و قد علم كل أناس مشربهم