إعداد سيدي عبد المالك
ظلت زعامة المشهد السياسي بدولة توغو الواقعة بغرب إفريقيا منحصرة في النخب السياسية المسيحية منذ استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1960، و كان دور السياسيين المسلمين و نخبهم مقتصر على دعم الأحزاب التي ترأسها شخصيات مسيحية و المشاركة في الفعل السياسي الهامشي دون أن يكون لهم دور فاعل في صناعة القرار السياسي و توجيه الرأي العام.
إلا أن ظهور شخصية تيكبي ساليفو آتشادام قبل أشهر كزعيم شبه أوحد للمشهد السياسي و انشغال الرأي العام و الناس بالحديث عنه كزعيم سياسي جديد استطاع رغم حداثة عهده بالمجال السياسي أن يُسير أكبر مسيرات عرفتها البلاد منذ استقلالها مطالبة بإصلاحات سياسية جذرية تقطع الطريق أمام الواقع الاستبدادي المستشري في البلاد جعل من الرجل أول زعيم سياسي من المسلمين استطاع تصدر مشهد سياسي ظل محتكرا على غير المسلمين.
خطف آتشادام الأضواء في الأشهر الأخيرة و بات التوغوليون يُعلقون عليه آمال التغيير و عبأ الرجل مسيرات ضخمة عجزت المعارضة التقليدية عن تعبئتها، و أصبح آتشادام اليوم الشخص الأول في توغو الذي يقض مضاجع الأسرة التي حكمت البلاد منذ أزيد من نصف قرن من الزمن.
تاريخ الرجل مع السياسية و رفض الظلم قديم حديث، فآتشادام البالغ من العمر خمسين سنة، كان من ضمن نشطاء الحركة الطلابية الذين تزعموا اضرابات في تسعينيات القرن المنصرم مطالبين بالإصلاحات السياسية، بعد تخرجه من الجامعة مارس مهنة المحاماة ثم انخرط في الحزب الديمقراطي للتجديد المعارض قبل أن ينسحب عن الحزب سنة 2005 بعد التحاق الحزب بالحكومة. حزم الرجل أمتعته و سافر إلي أوروبا لكن هموم البلاد رحلت معه إلي محل إقامته الجديدة حيث كان يقوم بأنشطة سياسية و توعوية في أوساط الجالية التوغولية في فرنسا و ألمانيا.
رجع إلي بلاده سنة 2014 ليؤسس الحزب الوطني الإفريقي،و هو مولود سياسي استطاع ان يُشغل الرأي العام بفعل كاريزما زعيمه الذي استطاع تجيش الشارع التوغولي في الأسابيع الأخيرة حول الإصلاحات السياسية و مطالب التغيير. بات آتشادام في مرمي الملاحقات القضائية و الأمنية في الأسابيع الأخيرة، و يخضع لحراسة مشددة من طرف رجل أمنه، و يقول عن نفسه “عندما تسعي لإزالة نظام مستبد يحكم لفترة تزيد على نصف قرن من الزمن، يجب أن تتوقع دائما الشر”.
المسلمون …واقع و أرقام
تعتبر توغو من البلدان الإفريقية التي تشهد حركة الإقبال على الإسلام فيها نموا كبيرا، ففي سنة 1980 كان تعداد المسلمين يصل فقط 15% من السكان، و وصل الرقم سنة 2008 حوالي 35%. و يعود الفضل في انتشار الإسلام إلي القوافل التجارية القادمة من جهة الشمال، و التي كانت تنظمها مجموعات “فوفونا” ، و “اتراوي” ، و “توري” المسلمة.
و تأتي مدينة “سوكودي” الواقعة شمال البلاد و التي تصدرت أحداث التظاهر في الأسابيع الأخيرة في طليعة المراكز الإسلامية و مناطق الإشعاع الثقافي الإسلامي بالبلاد. و تتميز المدينة بانتشار مساجدها و ارتباط اهلها بالإسلام و تراثه.
كما توجد بالبلاد بعض المؤسسات الأهلية و الجمعيات الخيرية الأجنبية التي تعمل على تثبيت الناس على الإسلام و تعريف غير المسلمين به كاتحاد المسلمين بتوغو، الذي يشرف على تنظيم شؤون المسلمين و جمعية العون المباشر الكويتية.
آخر قلاع الاستبداد
يحكم توغو الرئيس فور اياديما الذي وصل السلطة سنة 2005 خلفا لوالده انياسيمبي اياديما الذي حكم البلاد منذ سنة 1963 حتى وفاته عام 2005. و تميز حكم اياديما الأب بمسيرة اتسمت بالقمع و الاستبداد و الفساد. وصل اياديما الابن السلطة في ظروف سياسية طبعها الطعن في شرعيته، حيث اتهم معارضوه والده بتسخير وسائل الدولة لتأمين خلافته له، كما اتسمت الانتخابات الرئاسية التي توجت بفوزه بالطعن في نتائج نتائجها و رافقتها أحداث عنف راح ضحيتها العشرات من المواطنين.
ظلت توغو تمثل استثناء سياسيا في منطقة تهب رياح التغيير عليها باستمرار ، فهي البلد الوحيد في غرب إفريقيا الذي لم يعرف تداولا سلميا على السلطة، كما يعتبر نظامها السياسي من أسوا الأنظمة السياسية بغرب إفريقيا.
و تشهد البلاد منذ أشهر حراكا سياسيا قويا نحو إحلال المزيد من الديمقراطية و خلق ظروف للتناوب السياسي، و قد رضخت الحكومة لبعض مطالب المعارضة كتعديل الدستور بما يضمن تقييد مأموريات رئيس الجمهورية و إصلاح النظام الانتخابي، إلا أن المعارضة لا تكتفي بهذه الإصلاحات و تواصل الضغط من اجل الحصول على إصلاحات جوهرية و ضمانات حقيقية.
(المصدر: إسلام أونلاين)