توعية العقول والألباب بخطورة مرحلة الاضطراب
بقلم أ. د. عبد الرزاق قسوم
يبعث وطننا الجزائري –هذه الأيام- برسائل إنذار واستغاثة، لأنه يقف على شفا بحر من عباب الأمواج المتلاطمة، على اختلاف أنواعها ومستويات خطورتها.
ذلك أن الوطن يجتاز -على حد تعبير لغة الطيران- مرحلة اضطرابات عصيبة، وهو أحوج ما يكون إلى ربان أو ربابنة يملكون القدرة على تجاوز الأهوال، وشجاعة على مجابهة الأبطال والأنذال، والسماحة والواقعية لتجسيد الأقوال، وترجمتها إلى أعمال.
هناك جملة من التحديات يواجهها وطننا الجزائري، على أكثر من صعيد، وكلها محاولات شيطانية تعمل على تكبيل إرادتنا بالإفساد، والتقييد والتبديد.
فعدو الأمس الذي دنّس أرضنا، وعطّل فرضنا، وبعد أن فُككت خلاياه، وفُضحت بلاياه، وعُزلت أذنابه ومطاياه، ها هو يحاول، بزرع متربصين له، ليزعزعوا استقرارنا، لصالح نواياه.
وحراكنا الشعبي المبارك الذي هو المنقذ لنا من الهلاك، والذي انطلق بسلمية شعبية صافية، وشعارات وطنية وافية، فكان مضرب المثل للبلاد الدانية والقاصية، هاهو محل تلويث إيديولوجي، وتثبيت تكنولوجي، وتدجين تعلموجي.
إن حراكنا الذي علقنا، ولا زلنا نعلق عليه الآمال، عندما كان صادق الأقوال وصافي الأعمال، صرنا نخشى عليه من أشباه الرجال، ومن ذوات الخلاخل والحجال، فهم يحاولون طمس معالمه وتشويه مظالمه، والضرب على أيديه وأنامله.
ولجنة الوساطة والحوار، التي هي عنوان تحقيق الخيار، لم تمَكّن من أداء دورها بكل حرية وإرادة، واختيار، وهو ما صب عليها، الهجوم من الكبار والصغار، الذين لا يكادون يفقهون حديثا من واقع الدار، وما يدور خلف الستار.
وثقافة الفيسبوك الاتباعية الانفعالية، لا تكاد تميز الغث من السمين، ولا الخبيث من الطيب، فهي تستخدم لغة الرعاع، وتسب كل من يخالفها الرأي، ولو كان له أتباع، وحق مطاع.
تكاثرت التحديات –إذن- على وطننا الجزائري، الذي أعتقد، أن سجن العصابة سيزيل عن البصائر والأعين الغشاوة والعَصابة، ولكن انكشفت الحقيقة المرّة الخلاّبة، وهي أن الوطن ملغّم بالصائدين في الماء العكر، من تلمسان إلى عنابة.
إن هذه العوامل، هي التي أدخلت الوطن اليوم، في مرحلة اضطراب، وتعمل على أن توصد في وجه شعبنا كل الأبواب إلا باب سوء الحساب، وتحقيق الانسلاب والاغتراب.
فكيف يمكن الخروج –إذن- من دوامة العنف الإيديولوجي المهين، وإعادة الوطن إلى طريق التحرر والتمكين، وفتح كل الأبواب أمام الوطنيين الثائبين المخلصين؟
ليس غريبا على شعبنا الجزائري، صانع المعجزات، والمتميز بالتضحيات، وصاحب الإرادات الفولاذية، ليس غريبا عليه أن يقلب الطاولة على أعدائه والمتربصين بإرادته. فيبرز من جديد، وينهض من كبوته، لصنع الغد الأفضل، والمستقبل الأمثل.
ولتحقيق هذا، على كل فئات المجتمع، كل من دائرة اختصاصه، ومن موقع مسؤوليته، أن يهب، لتبديد الفساد والإفساد، وبناء عهد الأمجاد والأسياد.
على المثقفين الحقيقيين، أن يتحرروا من قناعاتهم المستوردة، ويتزودوا بزاد الانتماء الوطني الأصيل، الممتد عبر تراثنا العميق بجميع ألوانه وأطيافه، ضمن الوحدة الوطنية المقدسة.
وعلى جيلنا الصاعد من الشباب الجزائري، أن يدَع جانبا، كل تقليد وكل تمجيد، لغير أمجاده، وعلماء بلاده، فإن الوطن لا يبنى بغير حجارته، ولا ينمو بغير أنوار منارته.
وعلى علماء الدين، أن يتعالوا إلى كلمة سواء، كما حددها الإسلام في صفائه ونقائه، وفي وحدته ووثبته.
إن عالِم الدين، هو المصباح الذي يستضاء به، لتبديد الظلم والظلمات، وإنه “المطهّر” الذي به تُبدد كل أنواع الميكروبات، فليعمل على أن يبقى عاليا في محرابه، ومعتدلا في صوابه، ووطنيا متعلقا بترابه.
والمرأة الجزائرية، التي هي نصف المجتمع أو أكثره، هي صانعة الأجيال، ومربية الأبطال، وغارسة القيم لدى النساء والرجال، لذا فمطلوب منها أن تكون زينة المجتمع بعمق انتمائه، ورائدة القيم بحسن الاقتداء، ومؤمنة بدينها في حسن الاهتداء.
إن هذه الأطياف من المجتمع، مثقفين وشبابا، وعلماء، ونساء، متى توحدت كلمتهم، وتعلقت بالمصلحة الوطنية همتهم، سوف يمكنون الوطن من عبور مرحلة الاضطراب بدون معاناة أو أتعاب.
إن الوطن جريح، ويحتاج إلى الطبيب الذي يضمد الجريح.
وإن الوطن طريح، ويحتاج إلى المواطن المخلص الذي يأخذ بيد وطنه، فينقذه من السقوط، ويعلي من هامته وقامته.
يا شرفاء
هذه الأرض لنا
الرز فوقها لنا
والنفط تحتها لنا
وكل ما فيها بماضيها وآتيها لنا
فما لنا
في البرد لا نلبس إلا عرينا
وما لنا
في الحر لا نأكل إلا جوعنا؟
فالرسالة العاجلة، إلى كل جزائري، وإلى كل جزائرية، أن نعمل جميعا على توعية العقول والألباب، بخطورة مرحلة الاضطراب.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)