إعداد عبد العالي الدغوغي
إن الدين الإلهي، وعقيدة التوحيد الخالصة هما الأصل في حياة البشر منذ أن خلق الله آدم (وذريته)، فقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن الله تعالى خلق الناس حُنفاء موحدين، مخلصين لله الدين، وفطَرهم على التوحيد، وأن الشرك والضلال والانحراف إنما هو شيء طارئ، حدث بعد أحقاب من الزمان، ولم تَخلُ أمة في مكان ولا زمان على طول التاريخ البشري من دين ورُسل وأنبياء يدعون إلى التوحيد، ويحذرون مِن الشرك؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، وقال أيضًا: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [يونس: 47]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]، وجاء في الحديث القدسي: ((وإني خلَقت عبادي حنفاءَ كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتْهم عن دينهم))[2].
وتوجد في الديانة اليهودية طبقة توحيدية تدور حول الإيمان بالله الواحد الذي لا جسد له ولا روح ولا شبيه، وقد وصل التوحيد في اليهودية إلى ذِروته على يد بعض الأنبياء الذين خلَّصوا التصور اليهودي للإله من الوثنية[3].
وكان الاعتقاد بوجود إله واحد من صميم العقيدة اليهودية؛ ذلك أن جميع أنبياء بني إسرائيل كانوا يدعون إلى عبادة إله واحد، ليس كمثله شيء، ولا شريك له في ملكه، وتخضع له جميع المخلوقات، ومن هنا كان منبع التوحيد اليهودي وأساسه ما جاء في سفر التثنية: “اسمعوا يا بني إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد“[4].
وورد في سفر الخروج: “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية، لا يكن لك آلهة سواي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة شيء مما في السماء من فوق، ولا مما في الأرض من تحت، ولا مما في المياه من تحت الأرض، لا تسجد لها ولا تعبدها؛ لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أعاقب ذنوب الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع ممن يُبغضونني“[5].
إن الأصلَ في الديانة اليهودية هو التوحيد كما توضِّح ذلك نصوص كثيرة من التوراة، لكن فكرة الألوهية عندهم انتكست في عصر تدوينهم لأسفار التوراة، فنجد أن العهد القديم يطرح رؤى متناقضة للإله؛ إذ يصفه ككائن بشري يأكل ويشرب، ويتعب ويستريح، وينسى ويتذكر”[6]، وعُرِف الإله عندهم بأسماء كثيرة، أكثرها شيوعًا “يهوه”، وهو أكثر الأسماء قداسةً، ويهوه ليس معصومًا، وكثيرًا ما يقع في الخطأ، ثم يندم على ما فعل، فقد جاء في سفر الخروج: “فعاد الرب عن السوء الذي قال: إنه سينزله بشعبه“[7]، وفي صموئيل: “فقال الرب لصموئيل: ندمت على إقامتي شاول ملكًا؛ لأنه مالَ عني ولم يسمع لكلامي“[8].
ويقرِّر سفر التكوين أن الله بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع وكان يوم السبت، وأن الله قد بارَك هذا اليوم من أجل ذلك، فرحم فيه العمل، “فتم خلق السماوات والأرض وجميع ما فيها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، واستراح في اليوم السابع وقدسه؛ لأنه استراح فيه من جميع ما عمل كخالق”[9].
ومع ظهور اليهودية التلمودية الحاخامية تتعمق القداسة في الحاخامات، من خلال مفهوم الشريعة الشفوية التي يتساوى فيها الوحي الإلهي بالاجتهاد البشري، وتجمع آراء الحاخامات في التلمود الذي يصبح أكثر قداسة من التوراة، وتزداد أهمية الشعب اليهودي شعبًا مقدسًا، ويزداد التصاق الإله بهم وتَحيُّزه لهم ضد أعدائهم[10].
وقد ورد في التلمود أن الله ندم لِمَا أنزله باليهود وبالهيكل، فصار يبكي ويمضي ثلاثة أجزاء الليل يزأر كالأسد قائلًا: “تبًّا لي؛ لأني صرَّحت بخراب بيتي، وإحراق الهيكل ونهب أولادي“[11].
وليس الله على حسب ما جاء في التلمود معصومًا من الطيش؛ لأنه حالما يغضب يستولي عليه الطيش؛ كما حصل ذلك منه يوم أن غضب على بني إسرائيل في الصحراء، وحلف أن يَحرمهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندِم على ذلك بعد ذَهاب الطيش منه، ولم يُنفذ ذلك اليمين؛ لأنه عرَف أنه فعل فعلًا ضد العدالة[12].
ويظهر أنه بعدما قربت عقيدتهم من التوحيد، انتكست انتكاسًا كبيرًا في العهد الذي أُلِّف فيه التلمود (القرون الستة الأولى بعد الميلاد)، فأسفار التلمود تظهر إله إسرائيل متصفًا بكثير من صفات الحوادث وصفات النقص[13].
وعمومًا فإن التيار التوحيدي ظلَّ مدةً طويلةً أساسيًّا في النسق الديني اليهودي، بل اكتسب قوة من خلال التفاعل مع الفكر الديني الإسلامي؛ كما هي الحال مع سعيد بن يوسف الفيومي وموسى بن ميمون[14].
لقد وضع اللاهوتي العظيم موسى بن ميمون في العصور الوسطى ما يسمى “الأصول الثلاثة عشر”، وجعلها أركان الإيمان اليهودي، ومن هذه الأركان المتعلقة بالاعتقاد في الله:
1- أنا أؤمن إيمانًا كاملًا بأن الخالق تبارك اسمه هو الموحد والمدبر لكلِّ المخلوقات، وهو وحدَه الصانع لكل شيء فيما مضى وفي الوقت الحالي وفيما سيأتي.
2- أنا أؤمن إيمانًا كاملًا بأن الخالق تبارك اسمه واحد لا يُشبهه في وحدانيته شيء بأية حال، وهو وحده إلهنا كان منذ الأزل، وهو كائن، وسيكون إلى الأبد.
3- أنا أؤمن إيمانًا كاملًا بأن الخالق تبارك اسمه، ليس جسمًا، ولا تحده حدود الجسم، ولا شبيه له على الإطلاق.
4- أن أؤمن إيمانًا كاملًا بأن الخالق تبارك اسمه هو الأول والآخر.
5- أن أؤمن إيمانًا كاملًا بأن الخالق تبارك اسمه هو وحده الجدير بالعبادة، ولا جدير بالعبادة غيره[15].
يتضح مِن خلال هذه الأصول أن الله إله واحد وهو الخالق لكل شيء، لا شبيه له على الإطلاق، كما أنه ليس بجسم ولا تحدُّه حدود الجسم، وأنه الأول والآخر المنزه سبحانه عن الشريك، فهو الجدير بالعبادة ولا يَستحق العبادة غيره.
وهذا يدل على تغيُّر في العقيدة اليهوديَّة عما كان عليه كثير من أسلافهم المتقدمين، أو يدل على عودة إلى القول الحق، نتيجة تأثُّرهم بعقيدة المسلمين، خاصة أن موسى بن ميمون كان طبيب الدولة الأيوبية في مصر؛ إذ يظهر تأثره بعقيدة المسلمين واضحًا أشد الوضوح.
أما المسيحيةُ فقد كانت في الأصل ديانة توحيد تدعو إلى عبادة إله واحد، وكانت عقيدة المسيح عندما بعث – التوحيدَ الكامل بكلِّ شعبه، التوحيد في العبادة، فلا يُعبَد إلا الله، والتوحيد في التكوين، فخالق الأرض والسماء هو الله وحده، والتوحيد في الذات والصفات، فليست ذاته سبحانه مركبة، وأن المسيح إنما هو رسول من عند الله.
وقد صرحت الأناجيل في مواطنَ كثيرة على وحدانية الله، وأن المسيح إنما هو رسول من الله؛ حيث ورد في إنجيل متى: “من قبلكم قبلني، ومَن قبلني قبل الذي أرسلني“[16].
وفي لوقا: “فقال لهم: يجب عليَّ أن أُبشر سائر المدن بملكوت الله؛ لأني لهذا أرسلت“[17].
وفي يوحنا: “وقال لهم يسوع: طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمله“[18].
وفيه أيضًا: “والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته“[19].
وجاء في متى: “فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان؛ لأن الكتاب يقول: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد“[20].
فهذه النصوص توضِّح لنا بشرية المسيح عليه السلام، وأنه رسول دعا إلى عبادة الله وحده، وهذا ما يوافق إلى حدٍّ كبير ما جاء به القرآن الكريم.
وقد وقع خلاف بين المسيحيين حول ألوهية المسيح والروح القدس، أدى ذلك إلى انتكاس العقيدة المسيحية، حيث قرر مجمع نيقية سنة 325م مبدأ التثليث، وألوهية المسيح، لكنه في الوقت نفسه لم يتعرض لألوهية الروح القدس، بل ترك الحرية للناس في هذه النقطة في الاختلاف على الروح القدس، وهو بالقطع جبريل عليه السلام، وفي سنة 381م عقد مجمع القسطنطينية، وفي هذا المجمع تقرَّرت ألوهية الروح القدس، وبذلك اكتملت عناصر التثليث، فصار الأب هو الله، والابن ويعنون به المسيح، والروح القدس، وصار ما يعرف في النصرانية بالأقانيم الثلاثة[21].
وبذلك تقرَّر التثليث في الديانة المسيحية، وأجمع على اعتناقه المسيحيون جميعًا، وأصبح العقيدة الرسمية التي يجب أن يعتنقها كلُّ مسيحي، ويحكم بالكفر من يقول بغيرها[22].
ولا نكاد نجد أي كنيسة مسيحية أو أي فرقة من المسيحيين لا تقول بالتثليث، ومع ذلك نجدهم يقولون عن أنفسهم: إنهم موحدون، فهذه الأقانيم الثلاثة (الله، الابن، روح القدس) على الرغم من أنها ثلاثة، فإنه ينظر إليها على أنها كِيان واحد وتشترك في جوهر واحد.
وفي هذا السياق يقول ر.ك. سبرول: “تعليم الثالوث القدوس صعب علينا ومربك لنا، وأحيانًا يعتقد أن المسيحية تعلم فكرة غبية هي: 1+1+1=1، ومن الجلي أن هذه معادلة غبية، وتعبير “الثالوث” يصف علاقة ليست بين ثلاثة آلهة، بل لإله واحد في ثلاثة أقانيم، والثالوث لا يعني تثليثًا؛ أي: إن هناك ثلاثة كائنات هي معًا الله، وكلمة ثالوث تستعمل جهدًا لتعريف ملء اللاهوت من ناحية وحدته وتنوُّعه، والصيغة التاريخية للثالوث الأقدس هي أن الله واحد في الجوهر، ولكن له ثلاثة أقانيم”[23].
لكن نصوص الكتاب المقدَّس تبيِّن عكس هذه العقيدة، فعلى غرار الأناجيل؛ فالله هو الإله الوحيد الذي له وحده يجب السجود، وهو الذي خلق الكون والحياة والإنسان؛ جاء في إنجيل متى: “يا معلم، ما أعظم وصية في الشريعة؟ فأجابه يسوع: أحب الرب إلهك من كلِّ قلبك، وبكل نفسك، وبكل عقلك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى“[24].
وفي إنجيل مرقس : “الوصية الأولى هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الرب الأحد، فأحب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل فكرك وكل قدرتك“[25].
وهناك نصوص كثيرة من هذا القبيل تخالف ما تدعيه الكنائس وتزعمه، وتدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه.
أما الإسلام فجاء يتضمن نفي وجود أي آلهة أخرى مع الله، فالله في الإسلام واحد أحد، لا شريك له في ملكه وتدبيره، وهو رب العالمين ومالك الكون، وهو سبحانه واحد في ذاته، ليس له مثيل ولا نظير، تعالى الله عن الصاحبة والولد: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 11 – 4]، وهو سبحانه متصف بصفات الكمال، لا يشبهه شيء من مخلوقاته في صفة من صفاته، ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 111]، وهو وحده الخالق المحيي المميت قيُّوم السماوات والأرض، ولا يعد مؤمنًا مَن لم يعلم علمًا يقينيًّا بأن الله متفرد بذلك كله.
وقد كان العرب قبل البعثة المحمدية يعتقدون وحدانية الله في الخلق والإيجاد، وتفرُّده بالرزق والإحياء والإماتة والملك، لكنهم يرفضون عبادته وحده دون غيره! ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 84 – 89]، وقوله جل شأنه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 877].
وكلمة التوحيد في الإسلام هي “لا إله إلا الله” جمعت الإيمان واحتوته، وهي عنوان الإسلام وأساسه.
ومدلول هذه الكلمة الإيمان بالله وحده بأن يعبد ولا يشرك به شيء مِن خلقه، والكفر بكل طاغوت صارف عن عبادة الله تعالى وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 366].
والطاغوت هو كلُّ ما عُبِد من دون الله، أو صرَف عن عبادة الله تعالى، من معبود رضي لنفسه أن يُعبَد من دون الله تعالى، أو متبوع، أو مُطاع في غير طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد دعانا الله عز وجل إلى توحيده وعدم الشرك به، ونفى عنه سبحانه الكفء والمثل، عن ذاته وصفاته وأفعاله، ونفي الشريك في ربوبيته وعبادته تعالى؛ قال تعالى في نفي الكفء: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 – 44].
وفي نفي الشريك في الربوبية: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 166].
وفي نفي الشريك في العبادة: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 199].
وقال أيضًا: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
فالله تعالى هو الإله الواحد الأحد، خالق كلِّ شيء، أوجد العوالم، وبثَّ فيها من كلِّ شيء، وهو وحده النافع الضار الذي لا ينبغي الإشراك معه.
وهكذا يتضح أن الرسالات السماوية الثلاث تتفق في الأصل على وجود إله واحد قائم بنفسه، ليس كمثله شيء، يتصف بالقدرة والقوة والعلم والإحاطة، ويدبر أمر المخلوقات، ويصرف شؤون الحياة، تدعو إلى توحيده توحيدًا خالصًا وتنفي الإشراك به.
ومن الأدلة على ذلك ما جاء في سفر التثنية: “اسمعوا يا بني إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد“[26]، فهذه الجملة تقوم مقام شهادة أن “لا إله إلا الله” عند المسلمين، وكذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، هي ذاتها الواردة في سفر التثنية: “لا إله كإلهكم يا بني إسرائيل“[27].
وأيضًا قول الرب عز وجل: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، هي ذاتها الواردة في الإنجيل: “ما من أحدٍ رأى الله“[28].
فاليهودُ والنصارى رغم ما هم فيه من ضلال، وعلى الرغم مِن بُعدهم عما أنزل إليهم، فإنهم في عمق عقيدتهم مؤمنون بإله واحد عظيم، أعلن عن وحدانيته في التوراة والإنجيل كما أعلنها في القرآن، وهذه هي العقيدة التي جاء بها الأنبياء جميعًا.