مقالاتمقالات المنتدى

تقييم مرتكزات وأسس ووسائل المنهج الوضعي المادي المعاصر لمكافحة الفساد ولماذا يفشل في مواجهة الفساد؟

تقييم مرتكزات وأسس ووسائل المنهج الوضعي المادي المعاصر لمكافحة الفساد

ولماذا يفشل في مواجهة الفساد؟

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

   يغلب على المنهج المادي الوضعي المعاصر، الذي تنتهجه كل دول ومجتمعات العالم اليوم: العقلانية الأداتية، التي ترى المجتمع الإنساني ليس إلا حقلاً للقوى المادية، وأصبحت فيه القيم نسبية، ولم يعد للمعتقدات دورها في تسيير حياة المجتمعات، ولا رؤيتها لمشكلات البشرية وأسبابها وطرق معالجتها مكان. فمكافحة الفساد، اليوم، ترتكز وتتأسس على منطلقات عقلانية ووسائل وأدوات مشتقة من هذه العقلانية الرشيدة الخالية من القيمة، التي تميز حضارة العصر.

أولاً: العناصر الثلاثة لمكافحة الفساد التي يعتمد عليها المنهج المادي الوضعي لمكافحة الفساد، هي على الترتيب[1]:

 1- الهياكل السياسية والتنظيمية

2- القوانين والأنظمة

3- الوسائل والأدوات والاجراءات الإدارية

ثانياً: أسس المنهج الوضعي المعاصر لمكافحة الفساد:

1-العقلانية والترشيد والنفعية:

2-بناء المؤسسات العادلة

3-تشديد آليات الرقابة العامة

ثالثاً مرتكزات المنهج المادي الوضعي لمكافحة الفساد:

1- هذا المنهج يقوم على التأسيس المادي العقلاني لمقاييس ومعايير ومؤشرات الفساد، فهو يضع حدوداً لتعريف الفساد، لا يتعداها إلى ما سواها من فساد قد يكون هو الأصل.

2- هذا المنهج، يقوم على عدة نصوص أرضية فقط هي: الاتفاقيات والبيانات والإعلانات الدولية والدساتير والقوانين المحلية والإقليمية والمؤسسات واللجان المعدة لمكافحته: فهذا المنهج، يعتبر أن الاتفاقات التي وقعتها الدول عالمياً أو إقليمياً أو سنتها محلياً، هي النصوص الواجب احترامها واتباعها للقضاء على الفساد.

رابعاً: منطلقات المنهج الغربي الوضعي لمكافحة الفساد

ينطلق المنهج الغربي الوضعي لمكافحة الفساد من عدة مسلمات رئيسية تتمثل في أن:

1- الفساد ممارسات فردية، أو في أقوي صوره هو تحالفات مؤقتة بين السلطة والمال، أو بين التشريع والتنفيذ، ويمكن القضاء عليها ببناء النظم السياسية الرشيدة، وسن القوانين الرادعة، وإتباع المقاييس والمؤشرات العالمية لمكافحة الفساد.

2- أصل الفساد الذي تعاني منه معظم الدول، هو نتيجة الممارسات الخاطئة لبعض القيادات الحكومية والسياسية الناتجة عن خلل النظم السياسية في مجتمعاتها، مما يؤدي إلى ضعف قوانين ولوائح العمل داخل المؤسسات والإدارات الحكومية، وتفشي الفساد فيها.

3- غياب أو ضعف ثقافة الشفافية والمحاسبة داخل المؤسسات والوكالات الحكومية، عبر غياب أو تغييب الممارسات السليمة والتطبيقات الواضحة للدساتير والقوانين واللوائح، مما يتسبب في استفحال ظاهرة الفساد.

خامساً: الشروط اللازمة لنجاح مكافحة الفساد حسب هذا النموذج تتمثل في[2]:

1-التزام غير مشروط من قبل القيادة السياسية، ببناء نظم عادلة ديموقراطية، تخضع لمقومات الحكم الرشيد، وتتسم: بالنزاهة والشفافية والمسئولية واتخاذ القرارات الحاسمة في مواجهة الفساد.

2- وجود منظومة قانونية متكاملة وحديثة وصارمة لمكافحة الفساد، ولديها القدرة لمحاكاة المستجدات والأنماط التي تشكل فساداً، وكشفها والتعامل معها.

3- عدالة واستقلال ونزاهة القضاء، لأنه الضمانة الرئيسية لمعاقبة المفسدين.

4-حرمان مرتكبي الفساد من الحصول على عائداتهم، عبر تقوية القدرات المؤسسية لأجهزة الدولة، لتصبح قادرة على كشف ومكافحة الفساد، ووجود جهاز فعال يتولى عملية المكافحة، ويتمتع بالاستقلالية لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الفاسدين وإحالتهم للقضاء لعقابهم.

4-بناء ثقافة مضادة للفساد، عبر مدونات سلوكية تضمن أخلاقيات أداء الوظائف الحكومية، وإتاحة التدريب في مجال هذه الأخلاقيات، وخلق وعي عام بشأن واجبات كل من الجمهور والمسؤولين الحكوميين في مكافحة الفساد.

 

 

سادساً: وسائل وأدوات مكافحة الفساد في هذا النموذج تتمثل في[3]:

1-وضع مؤشرات لتحقيق النزاهة والشفافية على المستوى الوطني والدولي، من أجل فهم وكشف ومكافحة أسباب ومظاهر الفساد.

2- ملاحقة عمليات الفساد جزائياً، عبر إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا؟ وتشمل[4]:

ا-وضع ضوابط لكافة التعاملات الاقتصادية، وضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص.

ب-تطوير نظم واختيار وترقية العاملين على أساس مبدأ الكفاءة.

ج-اتخاذ اجراءات دستورية وقانونية، تحسم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية منعاً للتداخل فيما بينها.

د-تطبيق معايير المحاسبية الصارمة، عبر خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم.

ه-الشفافية، عبر توفير المعلومات، عن أداء وعمل أي مؤسسة بوضوح، وعلاقتها مع المنتفعين من خدماتها، وعلنية الاجراءات والغايات والأهداف سواء في الحكومة، أو المؤسسات الأخرى غير الحكومية، وحرية تبادل المعلومات في المجتمع.

و-تطبيق معايير الحكم الرشيد، على كافة مؤسسات الدولة والمؤسسات غير الحكومية.

ز-تصميم استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، تحقق كل ما سبق على مستوى كل دولة.

سابعاً: استراتيجيات مكافحة الفساد محلياً وعالمياً في هذا المنهج تقوم على أربع لبنات أساسية هي[5]:

1- الشفافية: باعتبارها مطلب أساسي، من خلال اعتماد الدول للمعايير الدولية لشفافية المالية العامة والقطاع المالي، وخصوصاً في مجال الصناعات الاستخراجية، ودعم معايير شفافية ملكية الشركات، ودعم حرية الصحافة لدورها الرئيسي في الكشف عن ممارسات الفساد.

2- تعزيز سيادة القانون، وضرورة وجود تهديد مؤكد بالملاحقة القضائية لكل فاسد في القطاعين العام والخاص، وإنشاء مؤسسات متخصصة جديدة عندما تكون المؤسسات الموجودة بالفعل فاسدة، ووضع إطار فعال لمكافحة غسل الأموال لتقليل غسل عائدات الفساد إلى أدنى حد.

3- إلغاء القيود التنظيمية، وتبسيط الاجراءات الإدارية، لأنهما حجر الزاوية في استراتيجيات مكافحة الفساد بكفاءة.

4- وضع إطار قانوني واضح وتطبيقه، عبر مؤسسات فعالة، وقيادته من خلال كادر من المسؤولين العموميين الذين يتسمون بالكفاءة، ويتمتعون باستقلاليتهم عن التأثير الخاص والتدخل السياسي.

5- إنشاء وكالة دولية لمكافحة الفساد.

تقييم المنهج المادي الوضعي المعاصر لمكافحة الفساد

1-أهم معالم المنهج المادي الوضعي المعاصر لمكافحة الفساد تتمثل في:

1-هذا المنهج يقوم على تصور مادي للكون، يحتل الإنسان فيه موقع السيد، والحياة مليئة بالفرص والمتع، ومن حق الإنسان أن ينتهزها جميعاً، ويقتنصها جميعاً قدر ما يستطيع. وليست مهمة الإنسان في الأرض أن يعبد الله، أو أن يقيم العدل، أو يحقق المساواة بين الناس،لا، ولكن الإنسان الناجح، هو الإنسان النفعي، الذي يعرف قيمة كل أمر أو فعل بمقدار نفعه له في المرتبة الأولى، وعدم ضرره للآخرين في المرتبة الثانية، وينطبق هذا على الدول والأمم انطباقه على الأفراد.

2-هناك قوانين وإجراءات، تحد من الفساد، ويستطيع العقل التوصل لها.وتنفيذ هذه القوانين والاجراءات، يؤدي لمعيشة رغدة دون فساد.فالفساد، يأت من خرق هذا القوانين، ومجافة رشد العقل، وقواعد العدالة التي تقرها الدساتير وتقننها القوانين والإجراءات فقط.

3-يخاطب هذا المنهج، البشر المستهلك الرشيد، لا الإنسان المستخلف المؤتمن.فهو منهج مدفوع بالتزام دنيوي لا يتزعزع بمباهج الحياة وقيمها الدنيوية مبتوتة الصلة بالله، ويقوم على مخاطبة الجانب النفعي الأرضي المادي في الإنسان، عبر القوانين والمحفزات والعقوبات المادية، ويهمل تماماً الجوانب العقيدية والمعرفية، ودورها الأساسي في صناعة الوعي وتربية الضمير، وواجب كل فرد في مكافحة الفساد، وإن إِلْتَفَت إليها، فباعتبارها محفزات معنوية لا أكثر.

3-هذا المنهج، يهمل التاريخ والوحي، تماماً، في تفسيره للفساد، وتحليله لأسبابه ومظاهره وأنواعه، ومن ثم طرق مكافحته.وهو يضرب بكل مخزونهما المعرفي الصادق والمجرب عرض الحائط، متمسكاً برؤيته الأحادية المنغلقة لأنواع الفساد وأسبابه وكيفية مكافحته.

3-هذا المنهج، ينطلق من نقطة أن أصل الفساد في الأرض هي: نتيجة ضعف النظام السياسي، ومن ثم ضعف مؤسسات الدولة المنوط بها كشف ومكافحة الفساد وتقويض بنيانه، وما ينتج عن ذلك من المنافع الخاصة غير المشروعة التي يطمع فيها الفاسدين.

4-هذا المنهج، يعتقد أن الفساد مجموعة ممارسات محددة محصورة في: سوء استعمال السلطة الموكلة لشخص، أو مجموعة أشخاص في المجال الحكومي أو الخاص:سياسين كانوا أو إداريين أو رجال أعمال، ينتج عنه تدمير النزاهة العامة من خلال: المحاباة والرشوة، للتحصل على أرباح وكسب فوائد غير مشروعة قانوناً من هذا السلوك، لشخص واحد أو مجموعة ذات علاقة بآخرين داخل أو خارج الجهاز الحكومي.

ا-فالفساد السياسي يتمثل في: المحسوبية، والرشوة، والابتزاز، وممارسة النفوذ، والاحتيال، ومحاباة الأقارب أو الزبائن.

ب-والفساد المالي: هو مجرد انحرافات ومخالفة للقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل المالي في الدولة ومؤسساتها.

ج-والفساد الاداري: يتعلق بالانحرافات التي تشوب سير العمل الاداري والوظيفي والتنظيمي التي تصدر عن الموظف العام خلال تأديته لمهام وظيفته الرسمية.

د-الفساد الاجتماعي: هو تعبير عن سلوكيات اجتماعية منحرفة، تختلف تقديراتها من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، حسب الثقافة السائدة في المجتمع أو بين الدول، فما يعتبر سلوكاً شائناً في مكان يمكن أن يكون طبيعيا في مكان آخر.

ه-الفساد القانوني: وتعبر عنه الممارسات المخالفة للقانون، التي يقوم بها أفراد من أصحاب الوظائف الرسمية، من أجل تحقيق غايات خاصة.فالسلوك الفاسد، هو كل ما عرفه القانون وبالتحديد قانون العقوبات، وكل ما منعته أدبيات العمل من لوائح وقوانين إدارية.

ز-الفساد الاقتصادي: وهو عملية عقلانية، تمارس بين المسئول الحكومي والزبون الذي يحصل على خدمة ما أو منفعة محددة بشكل غير قانوني.

ح-الفساد البيئي: وهو خرق للمعايير والشروط البيئية اللازمة للحفاظ على الأرض، بسبب السلوك الشائن لبعض السياسيين، أو المسئولين، أو أصحاب الأعمال الذين لا يراعون هذه المعايير والشروط، طمعاً في مكاسب غير مشروعة على حساب سلامة البيئة.

5-هذا المنهج، يعتبر الفساد السياسي، هو أس الفساد لكافة أنواعه الأخرى: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإدارية والمالية والقضائية.

6-هذا المنهج، يحمل مرجعية مستترة كامنة بداخله، تسلم بحتمية الفساد؛ كقدر لابد منه لكل المجتمعات، خاصة المجتمعات الفقيرة، ذات الثروات الطائلة، التي لا تعرف كيف تستغلها، أو ذات الأسواق الكبيرة الواجب غزوها، أو المواقع الاستراتيجية المؤدية إلى مواطن الثروات الواجب احتلالها أو استتباعها.فالفساد في هذا النموذج يعد حتماً مقدوراً لا فكاك منه.

7-هذا المنهج، يلقي بالدور الأكبر على الحكومات والقوانين والاجراءات، ولا يعطي للقيم والمعتقدات وأخلاقيات الأفراد والمجتمعات إلا دوراً هامشياً مكملاً لمكافحة الفساد.

2-لماذا يفشل المنهج المادي في مكافحة الفساد؟

1-عدم تركيزه على أولويات مكافحة بذور وجذور الفساد، وتوقفه عند مظاهر وآثار الفساد، دون التعمق في أسبابها الأصلية، وتجفيف منابع بذورها واقتلاع جذورها.

2-غياب دور المجتمع المؤمن المكافح للفساد، والتركيز على دور الحكومات والإدارات العامة، والمنظمات غير الحكومية محدودة الأثر في مكافحة الفساد.

3-تغطية وتغييب الحديث عن الفساد الحقيقي، الذي يفتح الباب لكل أنواع الفساد الأخرى في المجتمعات والمتمثل في: الانحراف العقيدي، والفواحش بكافة أنواعها، والاستغلال بشتى صنوفه، والمعاملات الظالمة كالاحتكار والربا.

4-لا يخاطب هذا المنهج، الجانب الحي في الإنسان، ولا يحقق التناغم الطلوب بين الإجراءات والمعتقدات فيفقد جدواه بسرعة كبيرة.

5-يقوم هذا المنهج، على مخاطبة الجانب النفعي الأرضي من الإنسان عبر القوانين والمحفزات المادية، وهي محفزات قليلة النفع بجوار امكانات الإثراء الفاحش عبر طرق الفساد القادرة على تخطي القوانين، بل صناعتها، والتي تنظر شذراً للمحفزات المادية الضئيلة، مقارنة بغنائم الفساد الوفيرة.ويهمل تماماً الجوانب العقيدية والأخلاقية ولا يعطيها سوى دوراً هامشيا في مكافحة الفساد، عبر بضعة مواثيق شرف، ومدونات سلوك أخلاقية تدرس للمسئولين وللكوادر القائمة بمكافحة الفساد باعتبارها لوازم لتحقيق النزاهة، وهيهات.

6-تركيز خطط مكافحة الفساد على: المظاهر والآثار الخارجية للفساد، دون الحفر في الأعماق للوصول للنموذج الكامن في النفوس والمؤسسات المؤدي لكل أنواع الفساد المتجددة.فالفكر العالمي المعاصر في مكافحة الفساد، بقيادة المنظمات الدولية والقوى الكبرى، والتي تتبعها معظم حكومات العالم، يحصر نظرته للفساد في الحكومة والجهاز الاداري وخارجه، في الجوانب المادية الملموسة، ويرى أن ضعف الإرادة السياسية أو فسادها هي سبب تأصل الفساد.

7- الدول والمنظمات، التي تقود حملات مكافحة الفساد، وتتبنى مواثيق واتفاقات هذه المكافحة، وتصمم وسائل وأدوات المكافحة، وتعطي الدروس والنصائح للبلدان الفقيرة في كيفية مكافحة الفساد، هي ذاتها البلدان، التي تفتح أبواب اقتصادها الواسعة لتدخل منها كل أموال الفساد الآتي من الجنوب الفقير إلى الشمال الجشع.وهي ذاتها، التي تحتكر الموارد والمعارف، وهي أيضاً التي تقوم اقتصاداتها ومصانعها على إغراق دول العالم بسلع ومنتجات لا حاجة لغالب مجتمعات الدنيا بها، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟ وكيف تنجح دول في مكافحة فساد هي تصنعه وتحميه وتربيه وتسمنه وتشجعه؟

3-ما الذي يفتقده المنهج الوضعي لمكافحة الفساد؟

يفتقد المنهج المادي الوضعي لمكافحة الفساد أهم دعامتين تقوم عليهما أي خطة ناجحة لمكافحة الفساد، تتمثلان في:

أولا: الإنسان المستخلف، المؤمن بالله، صاحب الرؤية الكونية الشاملة، المؤتمن على الحياة والأحياء على هذه الأرض.فالمنهج المادي الوضعي، يخاطب الإنسان المستهلك المتفاني في اغتنام الملذات، المخلد إلى الأرض بالكلية، والذي لا يرى سوى يومه وبالكثير غده، لكنه لا يظن أنه يوماً ما سيلقى ربه، وليس هذا وحسب، بل هو يخاطب الإنسان النفعي الذي لا حدود يقف عندها لمنافعه، مهما تسببت في أذى أو ضرر للآخرين من بني جنسه، أو للأرض التي يعيش عليها.

ثانيا: الرؤية المتكاملة لخطة مكافحة الفساد، التي تقوم منطلقاتها، على أن أصل الفساد يبدأ من عصيان الرحمن واتباع الشيطان، ومن ثم تفشل كل خطط هذا المنهج لمكافحة الفساد لأنها تستبعد هذه المنطلقات، فتترك بذور وجذور الفساد، ولا تعالج سوى ثماره الفاسدة؛ تحاول قطعها، فإن نجحت مرة بشكل جزئي-ضمن مرات عديدة فاشلة-، سرعان ما تجد شجرة الفساد تثمر من جديد، لأنها لم تجتث بعد من فوق الارض، ولم تقتلع جذورها، ولم تمنع بذورها الكثيرة من الإنبات في أرض مجتمعاتنا المعاصرة، التي تتولاها صناعة الفساد العالمية بدأب وإصرار بالغين.

4-تقييم المنهج المادي الوضعي لمكافحة الفساد:

1-يهمل هذا المنهج، كافة ممارسات الفساد الممنهجة التي تؤدي للفساد في الأرض، مثل: استنزاف موارد الأرض بشكل جائر، أو هضم حق الأجيال الجديدة في الموارد والثروات والبيئة الصالحة للحياة، ناهيك طبعاً عن ظلم كثير من الأمم في سبيل تحقيق ذلك؛ سواء ببخس مواردهم المادية والبشرية واستغلالها أسوأ استغلال، أو إغراق بلدانهم بسلع استهلاكية لا نفع لها، أو تلويث أراضيهم بنفايات مصانع وعودام استهلاك ونتاج تجارب الدول الأقوى التخريبية على الأسلحة والكيماويات وما شابه.

2-الفساد في هذا المنهج، لا يسببه إتباع الهوى والشيطان الذي ينتج عنه فساد القلوب، فتفسد شبكة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، وتختل علاقات البشر بإخوانهم في البشرية وعلاقتهم بالبيئة الطبيعية الأرضية التي يحيون عليها.وليس هو، نتاج التطلعات الغير بريئة والتي لا تنتهي للعَبّ من متاع الحياة الدنيا، دون حسيب أو رقيب من دين أو ضمير.وليس هو، قطع الطريق على كل صناعة توسع لمغريات الهوى والشيطان أن تملأ دنيا الناس، ليغرقوا في ملذاتها.ولا هو، الذي يغلق كل طريق على رأس المال المتوحش المنفلت من كل قيمة، ليتوسع في كل صناعة يريدها، وكل استهلاك ينتجه: سواء احتاجه الناس أم لم يحتاجوه، نفعهم أو ضرهم،  فكل هذا ليس فساداً في رؤية هذا المنهج.

3-الفساد الحقيقي، الذي تكافحه معظم الدول المسيطرة على النظام العالمي الحالي وتخافه، هو ذلك الفساد الذي يقلل من فرص نهبها لموارد الأرض وحقوق المستضعفين فيها من البلدان الفقيرة أو التي تم إفقارها لتتخم هذه البلاد الغنية وأهلها.فإذا أحس المهيمنين على هذا المنهج، بالخطر من ازدياد أنواع معينة من الفساد المادي عن حدها للدرجة التي تهدد مصالحهم في باقي المجتمعات، والتي تهدد بقاء منهجهم المادي ونموه المستمر، فإنهم يهبون لمعالجة هذه الزيادة الخطيرة في إطار: مواد دستورية، وقوانين وضعية واجراءات ولوائح إدارية، وحملات توعية دعائية، تحاول رد الفساد إلى حدوده المسموح بها، متجاهلين تماماً أي إشارة للجوانب العقدية والأخلاقية والاجتماعية له، والتي هي بذور وجذور لثمار شجرة الفساد الخبيثة التي يعاني منها العالم كله اليوم.

4- تقوم مرتكزات هذا النموذج وأسسه، على شفا جرف هار، فلا يستقيم لها وضع، ولا يستقر لها بناء، ولا يمكن أن تنجح في تقويض الفساد ومحاصرته ناهيك عن القضاء عليه. فهذا المنهج، يركز على الاجراءات القانونية، التي هي المجال المفضل للمفسدين، حيث أنهم هم أو أعوانهم من يضعونها، وإذا لم يكونوا هؤلاء أو هؤلاء، فإنهم يستطيعون الوصول إليهم.

فمرتكزات هذا النموذج وأسسه واهية جداً، لا يمكنها بحال من الأحوال أن تمنع إنبات بذور الفساد، ولا تستطيع-مهما حاولت-، أن تجتث جذوره وتجفف منابع ريها واستمرار حياتها. وأقصى ما يمكن لهذا المنهج فعله، هو تقليم فروع هذه الشجرة، بمقدار محدود في مجالات الاقتصاد والسياسة والادارة والقانون والاجتماع، فمنهج، يرتكز بالأساس على تعريف احتيالي وخاطىء للفساد، لا يمكنه أن يكافحه أبداً.

ولنأخذ أي واقعة فساد يحددها هذا المنهج، لنتعرف على الحقيقة المرة التي يجب أن تواجهها كل مجتمعات العالم بصراحة إن شئنا مكافحة حقيقية لأصل الفساد، واجتثاث شجرته الخبيثة:

ا-فمثلاً، فضيحة الفساد الكبرى لشركة النفط البرازيلية العملاقة بتروبراس[6]، أو فضيحة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش[7] أو غيرها، هل يمكننا تصنيفها كفساد سياسي أو مالي أو اقتصادي أو حتى إداري فقط؟

بالتأكيد الإجابة بالنفي، لأن هؤلاء الفاسدين،لم يشجعهم سوى المفسدين من القادة في دول أوربا وأمريكا وغيرها، ممن يتركون الثغرات في القوانين، ويرفضون اعتماد قوانين كشف السرية عن الحسابات المشبوهة، ومن يسهلون دخول الأموال تحت ستار شركات سرية تخفي أموال الفساد هذه وتحميها، بل وتقتسمها معهم.

ب-خذ مثلاً آخراً، متعلقاً بصفقات السلاح بمئات المليارات من الدولارات، لدول لا تحتاج إليها أو تستخدم للحروب الأهلية، وما يعتري هذه الصفقات من فساد لا حدود له، والتستر على هذه الأنظمة ورشوتها، والسكوت على مفاسدها، وتحويل الرشاوى عبر شركات سرية أو من خلال شراء عقارات أو أسهم خلافه.أليس هذا هو الفساد الحقيقي؟

ج-وخذ مثالاً ثالثاً: اتفاقات التجارة الجائرة، وما تفرضه من حقوق للدول الغنية، وما تمليه من واجبات، لا تطيقها اقتصادات الدول الفقيرة، فتقع في قبضة قوى اقتصاد القادرين التي لا ترحم، أليس هذا فساداً يستحق المكافحة؟

د-والاحتكارات الدولية، أليست فساداً حقيقياً يستحق المكافحة، والربا الذي تقوم به حكومات هذه الدول بشروطها القاسية على البلدان الفقيرة وما يشوب هذه القروض من فساد، والمعونات التي تؤسس للفساد وتمنهجه أليس هذا كله فساداً يجب مكافحته؟

والخلاصة، من هذا العرض الموجز لمحصلة جهود المنهج الوضعي المعاصر لمكافحة الفساد البائسة على مستوى العالم، يتأكد لنا أن:

 الفساد الذي تهتم المذاهب والدول المعاصرة بمحاربته، هو الفساد المادي بأشكاله المختلفة التي تؤدي بعضها لخلق البعض الآخر، دون الفساد العقيدي والخلقي.

ويتضح من هذا العرض أيضاً، أن الفساد بات شجرة كبيرة مكونة من عدد كبير من الفروع تزداد انتشاراً يوماً بعد الآخر.وأن الاهتمام بمكافحة هذه الفروع الكثيرة، يبعدنا عن حقيقة وأصل الفساد.واستمرار الوضع على ما هو عليه ينطوي على مخاطر حتمية للبشرية.فالأفضلية في مكافحة الفساد، مازالت حتى اليوم، لما يخدم المصلحة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدول العالم المهيمنة، والشركات العابرة للقوميات، وكل أضلاع الفساد الأخرى.

ولنعد خطاب الرئيس السابق لأمريكا دونالد ترامب أثناء ترشحه للرئاسة، ولنقرأ ما الذي كان يعد بتقديمه لإيقاف كل هذا الفساد[8]، لنعلم مدى محدودية هذا المنهج في مكافحة الفساد وماديته النفعية المفرطة.     

يقول ترامب: لا أحد يعرف هذا النظام(النظام الساسي الأمريكي وخباياه؛ باعتباره رجل أعمال؛ الحلال والحرام)، أفضل مني وأنا وحدي القادر على إصلاحه، لقد رأيت بنفسي كيف تم تصميم النظام، لكي يتم استخدامه ضد المواطنين(يقصد هنا وقوع النظام السياسي في فساد كبير)..ماذا سيفعل لمكافحة هذا الفساد؟

1-سوف أقوم باستعادة القانون والنظام والأمن في دولتنا.

2-سوف أقوم بتعيين أفضل المدعين العامين ومنفذي القوانين للقيام بهذه المهمة.

3-سوف نقوم بحماية مواطنينا من المثليين والمثليات ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسياً من العنف والقمع الصادرين عن أيديولوجية أجنبية كريهة.

4-سوف نقوم بإقامة جدار حدودي هائل لوقف الهجرة غير الشرعية، ولوقف عصابات العنف ولوقف المخدرات التي غرق مجتمعاتنا.

5-أتعهد بألا أقوم أبداً بتوقيع أي اتفاقية تجارة من شأنها أن تضر بعمالنا أو أن تقيد حريتنا واستقلالنا. أمريكا أولاً.

6-سوف أحمي حق الأمريكيين في الحفاظ على أمن عائلاتهم عبر عدم المساس بالتعديل الثاني للدستور الذي يسمح لكل أمريكي بحمل السلاح للدفاع عن نفسه.

7-لكي نجعل الحياة أكثر أمناً لكل مواطنينا، علينا أيضاً أن نعالج التهديدات المتزايدة التي نواجهها من خارج البلاد.سوف نهزم برابرة داعش، وسوف نهزمهم بسرعة.ومن المهم بشدة أن نقوم فوراً بوقف الهجرة من أي دولة اخترقها الإرهاب، حتى يتم إنشاء آليات تدقيقية مجرّبة.لا نريدهم في بلادنا

8-إن تعديلاً تشريعياً، دفع به ليندون جونسون منذ سنوات بعيدة يهدد المؤسسات الدينية بفقدان إعفائها الضريبي، إن قامت بالدعوة علناً لآرائها السياسية.لقد تم سلبهم صوتهم. سأعمل جاهداً جداً على إلغاء هذه المادة وحماية حرية التعبير لجميع الأمريكيين.

هذه كانت حلول الحزب الجمهوري ومرشحه، لمكافحة الفساد، تبين مرتكزات وأسس ووسائل أكبر دولة في عالم اليوم، ورؤيتها لمكافحة الفساد وحدودها المادية المنفلتة من أي تقييم عقدي أو خلقي، وهي ليست بحاجة إلى أي شرح، أو تعليق على معالم هذا المنهج وأسباب فشله في مواجهة الفساد..

لقد أغرقتنا هذه الدول والمنظمات، في تنظيرات كثيرة عن: أنواع الفساد وطرقه المختلفة وكيفية مكافحته، في ذات الوقت الذي ظلت فيه هاوية الفساد تتعمق، وجذوره تتغذى من حيوات ومقدرات ملايين من فقراء العالم.وغيرت اتجاه أنظارنا إلى الوجهة الخاطئة، أو لنقل جعلتنا نركز على وجه واحد من وجوه الفساد؛ نراه بأعيننا في بلادنا وفي عالمنا، لكنها غطت أنظارنا عن أصل هذا الفساد والذي يمده بأسباب الحياة، ويزينه له، ويطمأنه على مصيره، وليظل الناس حيارى، لا يعرفون ما حل بهم ولا أصابهم من فساد، ويخبطون خبط عشواء، ولا يتوصلون لشيء، سوى أن الفساد بات قدراً مقدوراً.

وليبقى الفساد، هو الفشل الغربي الحاسم، سواء داخل المنظومة الحضارية الغربية، أو في البلاد التي يدعون مساعدتها لمكافحة الفساد، مع كامل التقدير لكل الجهود الإنسانية الخالصة لمكافحته.

 

 

 

 

5-كيف يفيدنا فشل هذا النموذج في البحث عن نموذج جديد لمكافحة الفساد؟

1-أول أخطاء هذا النموذج التي يجب التنبه إليها وعدم الوقوع فيها، هو إهمال دور الإنسان المؤمن المؤتمن، وتكون أول مهامنا لمكافحة الفساد، أن نعطي أهمية كبيرة لبناء الانسان صاحب الرؤية والعقيدة والخلق، كنواة لمجتمع متماسك عقيدياً وأخلاقياً واجتماعياً.

2-ثاني هذه الأخطاء، أن نتجنب أن نعطي الأولوية للمظاهر والآثار الناتجة عن الفساد، وننسى بذوره وجذوره الخبيثة، وأن نبحث عن المرجعية الكامنة التي يتبناها المجتمع في رؤيته للكون ومكونه، والبعد العقيدي المعرفي الذي يرى من خلاله المجتمع وأفراده الحياة.

3-إعادة حصر وتصنيف كل أنواع ومظاهر الفساد في مجتمعاتنا على ضوء هذه الرؤية وفي هديها، لأنها البداية الصحيحة لمعرفة حجم الفساد على حقيقته، ومن ثم ابتكار وسائل مكافحته ومداخلها السليمة.

4-اكتشاف النمط الأساسي الكامن الذي يجمع كل أنواع الفساد، والبذور التي تنتج جذور شجرة الفساد الخبيثة، ومن ثم ثمارها المرة القاتلة.

5-مطابقة ما حصرناه بالنموذج المثال الذي يتبناه المجتمع، أو يطمح إلى تبنيه، لتبين الفجوات بينهما، وكيفية ملأها على حسب ما يقتضي النموذج المراد محاكاته.

6-وضع أولويات مكافحة الفساد، في ضوء هذا كله، تطبيقاً للنموذج المثال المقترح.

فهل لدينا هذا النموذج بالفعل في التاريخ؟ وهل يمكنه أن يطبق اليوم؟ وكيف هذا؟

 هذا ما نتناوله في مقالات قادمة عن المنهج النبوي المستمد من القرآن المجيد في مكافحة الفساد إن شاء الله.

[1] راجع في ذلك:

شحاته، إبراهيم، مرجع سابق، ص333-334، ص352-359

ربيع، عمرو هاشم(محرر)، المال والنزاهة السياسية، مرجع سابق،ص27-51

ميخائيل جونستون، البحث عن تعريفات: حيوية السياسة وقضية الفساد، مركز مطبوعات اليونسكو، القاهرة ص 27 وما بعدها

[2] إليوت، كمبرلي، الفساد والاقتصاد العالمي، مرجع سابق، ص236-312

[3] راجع في ذلك:

شحاته، إبراهيم، وصيتي لبلادي، مرجع سابق، ص367-374

إليوت، كمبرلي، الفساد والاقتصاد العالمي، مرجع سابق، ص166-183

النجار، أحمد السيد(تحرير)، نحو نظام نزاهة عربي، مرجع سابق، ص32-38

ربيع، عمرو هاشم، المال والنزاهة السياسية، مرجع سابق، ص109-113

[4] راجع في ذلك:

النجار، أحمد السيد(تحرير)، نحو نظام نزاهة عربي، مرجع سابق، ص35-38

https://www.ictj.org/ar/our-work/transitional-justice-issues/institutional-reform?gclid=CP7M75epoM8CFVEz0wodHEEOSA

شحاته، إبراهيم، وصيتي لبلادي، مرجع سابق، ص370-374

[5] راجع في ذلك:

http://www.albankaldawli.org/ar/news/speech/2016/05/12/remarks-by-world-bank-group-president-jim-yong-kim-at-anti-corruption-summit-2016

http://blogs.worldbank.org/futuredevelopment/ar/node/122

http://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2016/RES051116Aa.pdf

http://www.pogar.org/publications/ac/books/guidancenote08-a.pdf

[6] راجع في ذلك:

http://www.alhayat.com/Articles/7875771/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D9%85%D8%B9-34-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D8%AA%D9%87%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%84

http://www.innfrad.com/News/20/243594/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AF%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%89-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/05/160515_brazil_new_corruption_scandal

[7] http://www.alhayat.com/m/story/929940

[8] راجع على الرابط التالي

http://www.madamasr.com/ar/sections/politics/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%AD%D8%B2%D8%A8%D9%87-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7-%D9%88%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى