تقرير | بعد 831 عاما من تحرير القدس.. إسرائيل تستبيح المدينة
إعداد سعيد عموري وهداية الصعيدي
831 عاما مضت منذ دخول صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس محررا إياها من الصليبيين، مرت القدس خلالها بمراحل عديدة، وانتهى بها المطاف في قبضة الاحتلال الإسرائيلي.
ويصادف الثاني من أكتوبر / تشرين الأول 1187، ذكرى تحرير المدينة على أيدي المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، بعد 88 عاما من الاحتلال الصليبي.
وتقبع القدس الشرقية منذ 6 يونيو / حزيران 1967 تحت الاحتلال الإسرائيلي، فيما يخضع الشق الغربي من المدينة لإسرائيل منذ 1948، لكنها أخلته من سكانه العرب الفلسطينيين فور سيطرتها عليه.
وتعمل إسرائيل منذ احتلالها القدس الشرقية على تهويدها وطمس معالمهما الإسلامية والمسيحية، وطرد سكانها بكل عزم ممكن، وبكافة السبل المتاحة، بحسب شواهد عديدة.
وأعلنت إسرائيل القدس (الشرقية والغربية) عاصمة لها في 1981، لكنها لم تمنح سكانها الفلسطينيين الجنسية، بل وثائق إقامة دائمة.
** المسجد الأقصى
لا يمكن الحديث عن التغييرات التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي على القدس دون البدء بالمسجد الأقصى، الذي يعتبر ثالث المقدسات الإسلامية أهمية بعد المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.
ويرى الشيخ عكرمة صبري (79 عاما) خطيب المسجد الأقصى، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، أن المسجد “كان مطمعا للإسرائيليين منذ اللحظة الأولى التي احتلوا فيها المدينة”.
ويلفت صبري للأناضول إلى أن أول خطوة قامت بها إسرائيل فيما يتعلق باستهداف المسجد، كان الاستيلاء على مفتاح باب المغاربة، أحد بوابات المسجد الغربية، عام 1967.
كما قامت بهدم حارة المغاربة، وتسويتها بالأرض، وحولتها إلى ساحة سمتها “ساحة المبكى”، لخدمة الحجاج والمصلين اليهود عند حائط البراق.
** حريق الأقصى
وتطرق صبري إلى إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس / آب 1969 من قبل شخص مسيحي أسترالي.
واتهم صبري إسرائيل بالمسؤولية عن إحراق المسجد، وقال إن الهدف من هذا الفعل كان يتمثل بمطالبة السكان الفلسطينيين بالحماية الدولية، ومن ثم تدويل المدينة، وهو ما لم يحدث، حيث اعتمد المقدسيون على أنفسهم في إطفاء الحريق، وترميم المسجد دون الاعتماد على أي دولة أجنبية”.
**حفريات أسفل المسجد
ويشير الشيخ صبري إلى الحفريات الشاملة التي تجريها إسرائيلي في المنطقة التي يقع فيها المسجد الأقصى، وهو أمر قد يؤدي إلى هدم المسجد حال تعرض المنطقة لزلزال.
ويوضح أن تلك الحفريات تبدأ من بلدة سلوان (جنوب البلدة القديمة) وتتجه نحو المسجد الأقصى، بدليل حدوث “عدة انهيارات في المباني الواقعة في محيط المسجد من جهة سلوان وجهته الغربية”.
ويضيف: “نعتقد أنه تجري حفريات أسفل المسجد الأقصى، والدليل على ذلك الحفريات التي تم الكشف عنها مطلع الثمانينيات من القرن الماضي”.
ويشير إلى أن الهدف المعلن لتلك الحفريات هو البحث عن آثار تعود لليهود، وهو ما لم يحدث.
وافتتحت إسرائيل نفقا في 1996 على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى.
يشار إلى أن إسرائيل تنفي إجراء أي حفريات أسفل المسجد الأقصى.
** اقتحام الأقصى
وحول اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، يشير الشيخ صبري إلى أنها بدأت فعليا بعد عام 2000.
ويقول: “قبل عام 2000، كان المسؤولون يصفون الجماعات الداعية لاقتحام المسجد بالصغيرة والهامشية، ويقللون من شأنها، لكن بعد هذا العام بدأت النوايا السيئة العدوانية تتكشف يوما بعد يوم”.
ويضيف أن اقتحام المسجد بدأ بدخوله من قبل أرئيل شارون، رئيس الحكومة الأسبق، عام 2000.
ويتابع: “منذ ذلك اليوم ووتيرة الاقتحامات تزداد يوما بعد يوم، واستطاع المتطرفون انتزاع قرار من المحكمة الإسرائيلية بالسماح لهم بالصلاة في باحات الأقصى، ثم حصلوا على قرار آخر بإبعاد أي مسلم يعترض المتطرفين المقتحمين، وبالفعل تم إبعاد المئات لفترات متفاوتة عن الأقصى”.
وفي الوقت الحالي، يقتحم اليهود المسجد بشكل شبه يومي تحت حراسة المسجد الأقصى، وتتصاعد الاقتحامات في فترة الأعياد اليهودية.
** المسيحيون ومقدساتهم
ولا تستهدف إسرائيل المسلمين فقط في القدس، فالمسيحيون كذلك يكتوون بنيرانها منذ اليوم الأول للاحتلال.
ومنذ بدء الاحتلال، تضاءل عدد الفلسطينيين المسيحيين بشكل ملحوظ في المدينة ليصل إلى 3.3 بالمئة، بعد أن كانوا يشكلون نحو نصف السكان قبل 1948.
ويصل عدد المسيحيين في القدس حاليا لنحو 10 آلاف نسمة فقط، من إجمالي عدد السكان البالغ 300 ألف فلسطيني، بحسب مصادر مسيحية.
ويقول حنا عيسى، رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية للأناضول، إن عدد المسيحيين في القدس كان يجب أن يبلغ 100 ألف مسيحي في عام 2000، لولا الإجراءات الإسرائيلية.
ويضيف عيسى للأناضول: “وفق إحصاء 1922 (أجراه الانتداب البريطاني) كان عدد المسيحيين في القدس يفوق عدد المسلمين بقليل، إذ كان عدد المسيحيين نحو 14 ألفا و700 نسمة، والمسلمون 13 ألفا و400 نسمة”.
ويلفت إلى أن 50 بالمئة من مسيحيي القدس فقدوا منازلهم في القدس الغربية عام 1948 عقب إعلان دولة إسرائيل، حيث قامت الأخيرة بإجلاء كافة الفلسطينيين (المسلمين والمسيحيين) من الشق الغربي من القدس.
ويشير أيضا إلى أن إسرائيل صادرت 30 بالمئة من الأراضي التي يملكها مسيحيو القدس الشرقية بعد احتلال المدينة في 1967.
ويستنكر “قيام إسرائيل بفرض قيود على المسيحيين أثناء الدخول والخروج إلى القدس، ومنعهم من ممارسة التعبير وإقامة الصلوات”.
** انتهاكات مستمرة
من جانبه، يقول الأب مانويل مسلّم، عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، إن المسيحيين في القدس يتعرضون للانتهاكات الإسرائيلية بحقهم بشكل سافر ومستمر.
ويضيف مسلّم للأناضول: “الأماكن والمقدسات المسيحية في القدس لم تعد ملكا للفلسطينيين المسيحيين، ولا نستطيع استثمارها بأي شكل من الأشكال”.
ويتابع: “المسيحيون في القدس يعتمدون بشكل أساسي على عملهم في التجارة الدينية، إلا أن إسرائيل ضربت لهم هذه التجارة من خلال صعوبة توفير المواد الخام لهم ولبيئة العمل، وفي المقابل سهلت هذه المهنة بشكل كبير لليهود”.
ويستطرد: “أصبح اليهود هم رواد التجارة الدينية في القدس، وبالتالي فقد المسيحي مصدر رزقه، وهذا شجعه على الهجرة إلى خارج البلاد”.
** تغيير معالم المدينة
ويقول الدكتور مهدي عبد الهادي الخبير في شؤون القدس، إن إسرائيل تعمل منذ احتلالها للشطر الشرقي على إفراغها من سكانها الفلسطينيين.
ويمثل المقدسيون اليوم، بحسب عبد الهادي، 40 بالمئة من العدد الكلي للسكان في القدس بشطريها الشرقي والغربي، وذلك بالرغم من المحاولات الإسرائيلية لخفض هذه النسبة إلى 28 بالمئة.
ويضيف عبد الهادي للأناضول: “عملت إسرائيل منذ احتلالها للقدس على (أسرلة) وتهويد المدينة، بحيث تفرض القوانين الإسرائيلية على السكان، وتغيير طابعها الفلسطيني العربي، وإعطائها طابعا يهوديا”.
ويلفت عبد الهادي إلى ما وصفه بـ “الصمود الأسطوري” للسكان الفلسطينيين في القدس.
** ثلاث معارك
ويرى عبد الهادي أن القدس تشهد الآن 3 معارك أساسية، وهي: معركة المقدسات، ومعركة الفكر والثقافة، ومعركة الانجرار في الأجندة الإسرائيلية.
وحول معركة المقدسات يقول عبد الهادي، إن “إسرائيل تحاول فرض الحضور التوراتي في المقدسات الإسلامية والمسيحية بقوة السلاح، وذلك بهدف تقزيم الحضور الفلسطيني في هذه المقدسات داخل القدس”.
وحول المعركة الثقافية والفكرية يقول عبد الهادي، إن “إسرائيل رصدت ملياري شيقل (579 مليون دولار)، لتغيير وجه القدس خلال السنوات الخمس المقبلة”.
ويوضح أنها تسعى إلى صهر المجتمع المقدسي في الأجندة الإسرائيلية بعد فشلها في ذلك خلال 51 عاما منذ احتلالها للمدينة.
ويشير إلى أن “محاولاتها ستكون من خلال ضخ الأموال للمدارس والمناهج العربية، ونشر اللغة والثقافة العبرية، وزيادة الجهود لإعطاء الصبغة اليهودية على المدينة”.
ويستدرك عبد الهادي قائلا: “لكن المقدسيين يتعاملون بواقعية براغماتية مع المخطط الإسرائيلي، فهم واعون جيدا له، حيث إنهم يدفعون الضرائب، ويحرصون على الحفاظ على وثيقة الإقامة في المدينة دون السعي للحصول على الجنسية الإسرائيلية، كما لا يشاركون في أية انتخابات إسرائيلية ويقاطعونها بشكل كامل”.
ويضيف: “يحرص المقدسيون على مقاومة المخطط الإسرائيلي عبر المحافظة على ثقافتهم ولغتهم، ويحاولون أن يجدوا عنوانا مجتمعيا حتى يساعدهم على البقاء”.
** محاولات هدم المجتمع
من جانبه، يقول المسن المقدسي عبد الحليم محمد (70 عاما)، وهو أستاذ جامعي سابق، إن إسرائيل تهدف منذ احتلالها للمدينة إلى تحقيق تغيير جذري في لبنة المجتمع وهويته.
ويشير محمد إلى أن الاحتلال عمل على استهداف جوانب رئيسية من حياة السكان، وهي: الجانب الأخلاقي، والجانب التربوي، وأخيرا الجانب الاجتماعي ونمط الحياة.
وعن ذلك يوضح المسن المقدسي المطلع على تاريخ المدينة، أن إسرائيل دأبت على نشر “العادات السيئة بين الشبان في القدس، فقد عملت على نشر المخدرات بينهم، دون أن تقوم الشرطة بواجبها في مكافحة هذه الآفة”.
لكنه يلفت إلى أن وعي السكان المقدسيين أحبط هذه المخططات الإسرائيلية.
وعلى الجانب التربوي والتعليمي، يشير محمد إلى أن إسرائيل منذ احتلالها القدس، اهتمت بشكل كبير بتغيير المنهج التعليمي بالمدارس.
ويتابع: “بعد الاحتلال وضعت إسرائيل المنهاج التعليمي نصب أعينها، وأبرزت فيه ما يساهم في إضعاف الهوية الوطنية الفلسطينية الإسلامية، دون أن تنجح في هذا أيضا”.
ويلفت محمد إلى أن إسرائيل اتبعت سياسة جذب وإغراء الشباب في سن صغيرة للعمل لديها في المصانع والمحلات التجارية، كي لا يعمل في مشاريع خاصة به، كالزراعة مثلا.
** الاستيطان
وتشير نهى مشعشع (70 عاما) إلى أن الاستيطان اليهودي يعد من أخطر ما يواجهه المقدسيون.
وفي حديث مع الأناضول، تقول مشعشع التي تقطن في قرية شعفاط شمالي المدينة، إن قريتها كانت في فترة الستينيات من القرن الماضي، عبارة عن بيوت صغيرة مستقلة وأراض زراعية بمساحات شاسعة.
وتستدرك: “اليوم، غابت المظاهر التي تميز القرى عن قرى القدس، فبسبب مصادرة إسرائيل للأراضي، اضطر السكان إلى البناء بشكل عمودي واستغلال الأراضي الزراعية للتوسع العمراني”.
وتضيف: “ناهيك عن الشوارع التي تربط بين المستوطنات المحيطة بمدينة القدس وقراها، والتي التهمت مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية”.
وتعتقد مشعشع بأن عدم وجود أراض زراعية اضطر المزارعين إلى اللجوء للعمل في المصانع الإسرائيلية.
وبحسب خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (غير حكومية)، فإن هناك 15 مستوطنة مقامة على أراضي القدس الشرقية المحتلة.
ويشير التفكجي، وهو خبير في شؤون الاستيطان، في حديث سابق للأناضول، إلى أنه وبعد احتلال القدس في 1967، يعيش 220 ألف مستوطن في القدس الشرقية.
وفي 2002، أقامت إسرائيل جدار العزل حول القدس، ففصل 125 ألف مقدسي عن مراكز حياتهم داخل مدينتهم.
وبحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، من بينها مؤسسة “المقدسي لتنمية المجتمع” (غير حكومية)، فإن السلطات الإسرائيلية منذ سيطرتها على القدس الشرقية، سحبت هويات آلاف المقدسيين، وهدمت نحو ألفي منزل، وصادرت آلاف الدونمات (الدونم = 1000 متر مربع) من الأراضي لمصلحة الاستيطان.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أصدرت قرارين في 2016، يقضي الأول بإدراج البلدة القديمة في القدس وأسوارها ضمن قائمة المواقع التراثية المعرضة للخطر، فيما ينفي القرار الثاني وجود أي ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، الذي يسميه اليهود “حائط المبكى”.
(المصدر: وكالة الأناضول)