المعارضة لا تعني الافتراء أو الإساءة أو العداوة أو الحقد أو المخاصمة أو الصراع، وإنما تعني العمل والكفاح المتواصل في المراقبة ومتابعة المواقف والمخططات ومحاولة توعية وإثارة الرأي العام دائماً من أجل اليقظة على أُموره والتنبه لما يمر به من أحداث، وما يجب أن يكن عليه من مواقف، فالمعارضة تعني حماية الحرية وحقوق الشعب من خطر الاستبداد والعدوان السلطوي.
والمعارضة بهذا المعنى يؤيدها الإسلام ويدعو إليها، بل ويعتبرها فريضة وحقاً طبيعياً يجب أن يتمتع به كل إنسان.
ومعنى المعارضة موجود في التراث الإسلامي بمعانٍ شتى، فأحيانًا يطلق عليها الرأي والنصيحة، وأحيانًا يطلق عليها اسم الشورى والمشاورة، وتسمى بالأمر بالمعروف، وأُخرى بالتنافس والمنافسة، وكلها أسماء تحمل معنى المعارضة ولكنها المعارضة الإيجابية البنّاءة، التي تعني إبداء الرأي الخالص لوجه الله دون هوى أو غضب أو الانتقام وإشفاء الغليل.
وكتاب “المعارضة في الإسلام بين النظرية والتطبيق” الذي أشرف بالتقديم له، والذي خطه صاحب قلم مجاهد، وداعية موفق، وأديب غيور على لغته، هو
أخي الدكتور جابر قميحة (رحمه الله) هذا الكتاب أصّل فكرة المعارضة ووضح التأصيل الإسلامي لها.
وأكد أن المعارضة ظاهرة طبيعية فطرية أقرها الإسلام وضبطها حين جعل جوهرها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) “آل عمران : 104″ ، والأخذ بمبدأ الشورى، مع ضرورة توافر الضمانات اللازمة لذلك مثل: الحرية والعدل.
وركز الدكتور جابر (رحمه الله) على التطبيقات العملية للمعارضة في صدر الإسلام مقدماً العديد من الأمثلة في العهد النبوي ثم في عهود الخلفاء الراشدين الأربعة ، مستشهدًا بغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وما تجلى فيها من عرض للرأي الآخر وتطبيق للشورى إلى الجدل والخلاف المثار بين الصحابة في سقيفة بني ساعدة، ثم معارضة كثير من المسلمين لأبي بكر في حرب الردة وإنفاذ جيش أسامة بن زيد، ثم المعارضة الجماعية للسياسة الاقتصادية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهن إلى آخر تلك المواقف التي ذكرها المؤلف في كتابه، والتي تؤكد في مجملها عظمة الإسلام.
رحم الله أخي الدكتور جابر قميحة، وجعل هذا العمل في ميزان حسناته، ووفق مركز الإعلام العربي إلى تنوير الأمة ونشر العلم فيها من خلال طباعة وتوزيع تلك الكتب القيمة التي أسأل الله أن تكون خطوة على طريق التجديد في فهم الإسلام فهما صحيحا.
المستشار عبد الله العقيل
(المصدر: موقع د. جابر قميحة)