تقديس العرب للحرية
بقلم أ. د. فؤاد البنا
لقد اختار الله العرب لحمل الرسالة الخاتمة إلى شعوب العالم كافة؛ لأنهم كانوا يمتلكون عددا من القيم التي تنتصب كمقومات لأهلية إقامة خير أمة طلعت عليها الشمس، وفي مطلعها شعورهم القوي بالأنفة وحساسيتهم الشديدة إزاء ما يمس كرامتهم أو ينتقص من حريتهم بأي صورة من الصور!
وظل المسلمون الأوائل بهذه الحساسية إزاء الحرية، مع بعض التهذيب والتشذيب للزوائد المتطرفة التي تنطلق من الغرائز متلفعة برداء الحرية والكرامة، بجانب أنهم قاموا بتأصيل الحرية من خلال ربطها بالعقيدة، فقد كانوا حريصين على أن لا يتحكم بهم أحد ولا يتملكهم أي شيء بأي صورة أو مقدار، معتقدين أن كمال عبوديتهم لله لا يتحقق إلا بكمال تحررهم من كل الأشخاص والأشياء التي تستعبد القلوب بأي صورة من الصور .
ومن المواقف التي رواها ابن الجوزي في كتاب (الأذكياء) بهذا الشأن، أن الخليفة المأمون سأل عبدالله بن طاهر: أيهما أطيب مجلسي أو منزلك؟ فقال: منزلي. قال: ولمَ ذلك؟ قال: لأني فيه مالك وأنا هنا مملوك!
وهنا نطلق التساؤل المؤلم: لماذا صار أكثر عرب عصرنا متبلدين أمام ما يمس حريتهم وكرامتهم؟ ولماذا بقيت هذه الحساسية مشتعلة في ما يتعلق بتعامل الأفراد مع بعضهم وانطفأ أوارها في الشأن العام أمام الزعماء والكبراء الذين عاثوا في الأرض فسادا وملؤوا الأوطان تجبراً وطغيانا وأمام المعتدين الخارجيين؟!