مقالاتمقالات مختارة

تفكيك أدوات السلطة .. (القوة المسلحة)

بقلم د. عمرو عادل

“إذا كنتَ بعيداً عن العدو فاجعله يعتقد أنك قريب”.

هذا ما قاله (صن تشو) منذ 25 قرنًا تقريبا، وما زالت أقواله مرجعا لكل من له عدو يحاول الانتصار عليه، والعدو أصبح في شوارعنا كما نعلم جميعا، يملأ المؤسسات والأقسام والوحدات العسكرية، ولذلك علينا أن نتّبع أقوال (صن تشو)، وأرجو من الجميع قراءته، فهو خطوة مهمة في طريق الخروج مما نحن فيه.

القوة المسلحة وسيلة المجتمع الكبرى لحمايته من أشد الأخطار عليه، ويمكن توصيفها في عدة نقاط:

1- القوة البشرية.
2- الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية والعقيدة القتالية.
3- السلاح.

هذه العناصر الثلاثة واجب البحث عن مسارات إضعافها وتفكيكها في مسار تفكيك أدوات السلطة، وهذا الموضوع محل الحديث، وقبل الخوض في الوسائل والمسارات المقترحة ينبغي الاتفاق على عدة أمور مبدئية:

1- الشعب –أيُّ شعب- له الحق في امتلاك السلاح الذي يدافع به عن نفسه حتى في وجود قوى نظامية مؤسسية لتلك الوظيفة، فسقوط الجيوش وخاصة المهترئة كحالة الجيوش العربية لا بد أن يتبعها وسيلة شعبية للمقاومة.

2- ما يسمى بالجيش المصري أكّد على مدى تاريخه ومنذ إنشاءه على يد الإنجليز في 1882 أنه أقرب لجيوش الاحتلال منه لجيش “وطني”، كما أن فكرة الجيش الوطني تحتاج إلى مراجعة في بنية السلطة الحديثة، ليس هذا مجالها الآن.

3- العبرة بتقييم مؤسسة ما ليس باسمها ولكن بما تفعله وتقوم به من إجراءات وسياسات، وعمامة أو جلباب الجيش الوطني واللسان الواحد ولون الوجه الواحد ليست فقط كافية للتقييم.

4- أن ما تسمى مؤسسة الجيش تحوّلت لطبقة حاكمة مع بعض القوى الأخرى، وانفصلت عن الشعب تماما، مما يُتيح لنا بقدر كبير من الثقة عدم اعتدادهم من شعب مصر الكبير.

والآن يمكننا بعد الاتفاق على هذه الأمور الأربعة أن نبدأ في تحديد المسارات والإجراءات لتفكيك كل عنصر من العناصر الثلاثة المذكورة:

أولا: القوة البشرية.

الجيوش في المجتمعات القوية هي خط الدفاع الأول عن الأمة، ولذلك فإن الشعب بأكمله يجب أن يتحول إلى جيش في حالات الخطر، وهناك نماذج متعددة لذلك مثل مؤسسات قوات الدفاع الشعبي الرسمية أو جماعات المقاومة الشعبية التي تظهر بعد انهيار أو خيانة الجيوش، وتعتمد سرعة تكوين وبدء المقاومة الشعبية بعد انهيار الجيوش على مدى الاستعداد الفكري والنفسي لدى الشعوب للمقاومة، كما تعتمد على إدراكهم أن هذا حق أصيل قبل أن يكون واجبًا جماعيًّا لكل القادرين على الفعل المقاوم.

وفي حالاتنا في الأمم العربية والإسلامية، في غالبها، لم تعد الجيوش إلا وسائل استكمال الاحتلال بصورة أكثر لطفا، وبالتالي يجب على الشعب المقاومة، والغريب أن الدول التي تعتمد على التجنيد الإجباري كحالة مصر تستخدم القوة البشرية من الشعب الذي تنتهكه في حماية نفسها وبناء قوتها البشرية.

فما يُسمى بالجيش المصري في حالة انعزال عن باقي الجيش، وهو الشعب، كما أنه يستخدم عناصر شعبية في تكبير حجمه.

فعلينا إذن تفكيك القوة البشرية التي يستخدمها وذلك بنشر وعي عام داخل قطاع الشباب المقبل على التجنيد أو في فترة الاحتياط بالآتي:

1- الجيش لا يُدافع عن مصر، لا الشعب ولا الأرض، بل يُدافع عن النظام الحاكم الذي يحمي إسرائيل ولا يخرج عن المجتمع الدولي ومصالحه، ومدة البقاء بالجيش هي فترة استعباد غير مباشر للأعداء.

2- التجنيد الإجباري مفهوم في حالات الحرب، أما في الحالات العادية فهي عبودية.

3- الجنود منتمون للشعب أولا وأخيرا، ووجودهم في جيش الاحتلال لا يعني انفصالهم عن الشعب.

4- الجندي في حالة الثورة يضع سلاحه أرضا، تاركا القلة الموجودة من الضباط والصف، ولا يرفع سلاحه ضد الشعب الذي ينتمي إليه.

5- الجندي هو سائق السيارة والدبابة والمدرعة وحامي الوحدات والقائم على الاتصالات، وإذا قرر الانسحاب فلن يبقى أحد في مواجهة الثورة.

6- كل جندي يجب عليه حفظ كل شبر في الوحدة التي يؤدي فترة التجنيد فيها، فربما يكون ذلك مفيدا في وقت ما.

هذه الأمور وغيرها تحت مسار محدد ألا وهو أن القوة البشرية الغالبة داخل ما يسمى الجيش تنتمي بالأساس للشعب، ولذلك فإن التوعية السابقة للثورة لهذه الكتلة، وتحديد إجراءات معينة لهم أثناء المد الثوري تُحقّق شلل القوة المسلحة وتُعجزها عن المواجهة، وهي النصر الأكبر. نذْكر (صن تشو) مرة أخرى بقوله: ” يكمُن فن الحرب الفائق في إخضاع العدو دون قتال.”

ما يمكن أن يفعله الجنود داخل الوحدات -كلٌ حسب مكانه- كثير للغاية، لا يتسع المجال لذكره، وهو متروك لإبداع الشباب المقبل على التجنيد. وهناك نقطة أخرى مهمة تتعلق بالصبر والقدرة على ضبط النفس، فعدم التعجل والصمت العميق لكل فرد= قوة لا تُقهر.

ثانيا: الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية والعقيدة القتالية.

ينبغي إدراك أن القوة البشرية والسلاح يتحول إلى عبئ -وليس قيمة مضافة- في حال غياب استراتيجيات واضحة وتكتيكات منضبطة تحت مظلة أفكار كلية “العقيدة القتالية”، ولذلك فتفكيك تلك الأدوات غاية في الأهمية.

فعلى مستوى العقيدة القتالية، ينبغي التأكيد الدائم على أن العقيدة القتالية لمَا تُسمى المؤسسة العسكرية لم تعد متوافقة مع الشعب، بل أصبحت في حالة عداء معه، وهي في الغالب ليست مكتوبة وتحتاج إلى أبحاث منضبطة علميا، لتأطير العقيدة الحالية لتلك العصابات المنظمة، وترسيخها الدائم في عقول الجماهير بكل الوسائل المتاحة.
أما على مستوى الاستراتيجيات والتكتيكات، فكل ما يمكن معرفته عن تكتيكات التحرك والمناورة وخطط العمليات من الجنود –وهم القوة الضاربة والفاعلة– أثناء فترات التجنيد هي أحد أهم المحاور لشل حركة القوة المسلحة أثناء المد الثوري، فمعرفة العدو أحد محاور النجاح في المواجهة، وبمعرفة كل تكتيكات التحرك يمكن تخطيط المواجهة بأقل قدر من الخسائر.

لا أريد الخوض في مفهوم الخيانة والولاء… فهذا يحتاج إلى الكثير من الكلمات والأفكار ليس هذا مجالها، ولكن بشكل عام لا بد أن تُحدّد مكانك وتُوصّف الوضع بشكل بسيط وعميق، فنحن شعب محاصر ومسجون داخل بلاده بواسطة قوة مسلحة مجرمة، ولذلك فإن تصنيف هذه القوة المسلحة على أنها عدو= أحد البديهيات التي لا تقبل الجدل، وبناءً على هذه الحقيقة فالتعامل مع هذه الكتلة المسلحة يجب أن يكون على هذا الأساس، فقط حدّد مكانك… هل أنت مع الشعب أم أعدائه؟ وفي تلك اللحظة ستُدرك لأي جانب تنتمي.

ثالثا: القوة المسلحة.

هذه أكبر العقبات في طريق التحرير، والعمل الدؤوب على المحورين السابقين، بتفكيك القوة البشرية وجعلها قوة سلبية لدى النظام، وكذلك بإضعاف القدرة التكتيكية والحركية للعدو بمعرفة خططه واحتمالات تحركه، يقلل كثيرا من فعالية القوة المسلحة، ولكنه بالتأكيد لا يمكنه القضاء عليها كليّا.

وهناك مساران مهمان للتعامل مع القوة المسلحة:

1- الإمدادات اللوجستية: تُعد الإمدادات اللوجستية من وقود وقطع غيار وذخائر روح المُعِدّة العسكرية، وفي غيابها تتحول المعدة إلى قطعة من الحديد لا قيمة لها، ومن الأمور التي ربما ما زالت على حالها أنّ قوة الذخائر الرئيسية لأي تشكيل في مصر تبتعد عن موقعه بمسافات تصل إلى 100 كم، وذلك لمنع أي احتمال لحدوث تمرد مسلح، ولذلك فإن معرفة شبكات إمدادات الوقود والغذاء للوحدات وحرمان الوحدات منها يُضعف تماما من القوة الفعلية للأسلحة كما أنه يصيب القوة البشرية بحالة من الإحباط والخوف، وهذا كاف لخروجها تماما من المعركة، وخاصة في غياب عقيدة قتالية أخلاقية منتمية للشعب عند هذا الجيش.

2- الأسلحة: في حالة النجاح الجزئي أو الكلي للإجراءات السابقة، يُصبح احتمال خروج واسع للسلاح محدودًا، ولكنّ الأمر ما يزال خطيرا ومؤثرا وربما حاسما، إذ الاستعداد للمواجهة مع القوة المسلحة لا بد أن يكون واسعا ومؤثرا، نُذكّر أننا نتحدث عن ثورة شعبية ووجود شعبي واسع في المقاومة، ولذلك فالجميع مدعو للعمل ولو كنت وحدك، وفي عدة مقالات قادمة -إذا تيسر الأمر- سيكون الحديث عن كيفية بناء التنظيمات الثورية حتى لو كنت وحدك.

والاستعداد للمواجهة يحتاج إلى طرق مبتكرة وأفكار بسيطة في متناول الجميع يمكنها تقليل أو إنهاء قدرة السلاح على العمل، أو شل حركتها، والمهندسون وخاصة من له خبرة بالعمل العسكري هم الأقدر على التفكير في هذا الأمر، وكل فكرة مهما كانت بسيطة قد تكون حاسمة.

إن الهدف من كل ذلك هو توسيع دائرة المشاركة في كافة المحاور على المسارين الرئيسيين للتحرير، وهما: تقوية البناء المجتمعي، وإضعاف وتفكيك أدوات السلطة. وكل منا قادر على فعلٍ ما في مكانٍ ما لإنجاح ذلك، أما كيفية ربط كل هذه الأمور ببعضها، فهذا ليس عملا كلاسيكيا معروفا مسبقا، ولكن له بعض المعايير والاحتمالات، وهذا له حديث آخر.

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى